بمناسبة مرور عام على إطلاق الإخوانالمسلمين لسلسلة الرؤيا التي خاضوا فيها معارك مع الأنبياء والصالحين واستحضرواالملائكة لقتال خصومهم السياسيين، وجدت رسالة من صديق طيب اسمه: ياسر النديش فيبريدي الشخصي بفيسبوك تعليقاً على سخريتي اللاذعة بمناسبة الذكرى الأولى لنزول أولملاك سماوي لقتال بشار الأسد ورؤيا "صعتر" للنبي صلوات الله عليه وخالدبن الوليد في منصة التغيير بصنعاء، ورؤيا أخرى في مصر لشيخ إخواني رأى النبي صلىالله عليه وسلم في منامه وهو يسأله عن مرشح الرئاسة في مصر (!!). يقول ياسر: أنا مثلك لا أؤمن بالرؤى الفرديةلتصاغ بصيغة جماعية، أنا لو رأيت رسولالله في المنام ستظل تلك الرؤيا منوطة بشخصي، ولن أعتمد عليها في ميدان توجهي،سأفرح أني رأيت رسول الله أو أي شيء يتعلق برسول الله، وسأوقن بعد الرؤيا وقبلها..أنه لن ينفعني إلا ما قدمت لآخرتي من ( عمل )، وعلى ذلك أقيس ما أسمعه، فإن رأىأحدهم الرسول وخالد، سأصدق أنه رأى رسولالله وخالد، لكني لن أتخذ قراراً أو أغيرقناعة لمجرد الرؤيا، أدوات استكشاف الحقائقهي الجوارح، ومرجع الاستكشاف كتاب اللهوسنة رسوله، لا مجال لديَّ للتأويل وإحسان الظنون بظنون الآخرين، أنا في الغالبأحرص على اجتناب الظنون سيئها وحسنها، وأبني ما أبنيه داخلي على اطلاع ومتابعة، فأجدني أغير قناعتي حتى في برهات، حالما أجد دليلاً أنجع من سابقه، البحثعن الحقيقة ديدن مشرف، تقديري لك أخ سام.. * كلفني هذا التعقيب رداً مطولاًودقيقاً ومتشعباً، ارتأيت أن أعرضه للجميعفي تناولة بدأتها بهذه التوطئة المقتبسة: (في العصور الوسطى، كانت أوروبا ما تزالتتوسد ظلامها ويبيع كهانها من رجال الدين، بسلطتهم البابوية والكَنسيَّة صكوكاًلعامة المؤمنين بالمسيحية زاعمين أنها ستمنحهم الغفران من ذنوبهم وتعتقهم من جزاءآثامهم. لكن راهباً عاش في القرن السادس عشر الميلادي، وكان أستاذاً للدراساتالإنجيلية بجامعة فتينبرغ الألمانية، يُدعى مارتن لوثر (1483م – 1546م) عارض تلكالصكوك المزيفة الخادعة للناس، وأعلن أن العفو الذي يصدره البابا لا يمكن أن يزيلأقل خطيئة، وقاد ثورة أدت في القرن التالي إلى حركة إصلاح ديني جارفة، امتدت قرناً، وشهدت حرباً شرسة استمرت ثلاثين سنة بين أنصار البابا واتباع لوثر، انتهت تلكالحرب بصلح مؤتمر ويستفاليا (في غرب ألمانيا) عام 1648م بمشاركة ممثلي حكوماتالعالم الأوروبي وهو الصلح الذي أسس لعلمنة الدولة في الغرب التي لم تكن تعني هدمالكنيسة ولا كانت تهدف إلى خرق تعاليم المسيحية، بل كانت تقصد تنزيه الدين عنالخرافات ومنع التجارة به وفصله عن شئون الدولة، وكان بداية الانتقال إلى عصرالنهضة الأوروبية العلمي والثقافي والعصا السحرية التي مكنت أوروبا من السيطرة علىالعالم كله فيما بعد) وأما بعد.. * عزيزي ياسر.. مجرد رؤية النبي صلوات عليه أمر طيبوأؤيدك أنه يجب أن يبقى كرؤيا خاصة لا تصاغ وفق الإرادة الجمعية، كنت في بدايةتعقيبك هذا، متفهماً لكنك عُدت وتواريتخلف عقلية مظلمة – أقول هذا بصراحة وأتمنى ألا تغضب - وأنظر معي: 1- رؤية النبي صلوات الله عليه، وهينادرة الحدوث، وربما لم تحدث مطلقاً، وتخدعنا السير التاريخية التي لا يجب أن تكونمصدقة بصورة حقيقية وشاملة ومحكمة، إنما على فرضية الرؤيا، لا مانع من ذلك، وما أقصده هنا هو التوظيفالسياسي للرؤيا، بمعنى أن يأتي النبي صلوات عليه ليصعد على منصة التغيير ويقولصعتر: قال لي محمد علي قاضي خطيب وإمام جامع القص، إلى آخره، وقال خطيب مصر: قال لي الحاج فلان بن فلان، وهورجل لم يقطع فرضاً طيلة خمسة عشر عاماً أنه رأى النبي، وإلى آخره. !!! ألا تلاحظ هنا كملاحظة دقيقة أنالموال هو.. هو.. الفكرة ذاتها بمعنى أنه لا يقول رأيت أنا النبي، وإنما يقول قاللي فلانا أنه رأى النبي، كي لا يتحملالمسؤولية الاستنكارية ممن يستخدمون عقولهم كمصفاة للرديء والحسن، ويلصق الخدعة – الرؤيا بأشخاص آخرين، وهو بهذايكسو الصبغة الدينية على مشروعه السياسي بصورة مقززة. وهذا التوظيف كان عاملاًحقيقياً لتخلف الأمم الأخرى ووصول الأمة الإسلامية إلى عهود مزمنة من التخلفوالانحطاط الفكري والعام كون استخدام الدين من محاجر منغلقة وتوظيفه – كما أسلفت –لخدمة مشروع سلطوي، يودي بالأمة إلىاستخدام أردأ أنواع المعاملات وأكثرها انغلاقا وتشدداً. 2- ضربات التوعية الكبيرة والمؤثرةوالمنتشرة على زيف ادعاءات الحزب الإخواني أو الإسلاميين السلطويين في مصر أو فياليمن، أوصل القناعات الحقيقية لدى الشارع لدرجة الوعي المتبصر عن مستوى بغضالإخوانجيين لغيرهم بتدمير المجتمع العام والمتعدد بثقافاته ودياناته وفق رسائلحسن البنا وأجندته ونظريته المستوحاة من جمهورية أفلاطون المثالية أو الفاضلة،وسعيهم إلى بناء مجتمع بديل اسمه مجتمع (الإخوان المسلمين) وهذا هو السبب المتوترفي تعامل الإخوانجيين بإقصائية مريعة وحادة مع كل شخص غير إخواني، أو ناقدلهم، شعورهم هذا، شعورهم بالخوف المتعمقمن الآخرين منهم ومن تصرفاتهم وبإمكانية أن يؤثر هذا الخوف لإعاقة وصولهم إلىالحكم بغية تأسيس المجتمع الإخواني المستمر وفق نظريات "البنا" ورسائله،جعلهم يستخدمون لذلك كل الوسائل الصادقة وغير الصادقة، الفاضلة وغير الفاضلة، بمعنى أقرب لقد سعوا إلىبناء جمهورية أفلاطون الفاضلة عبر نظرية ميكافيلي: الغاية تبرر الوسيلة، وهذاالتناقض بين قيمتين أساسيتين، وهما: الفضيلة والانتهازية، أربك الإخوان المسلمين ودمرهم مجتمعياً وجعل كلالمنظمات المدنية والقطاعات الشعبية تتحفظ من تصرفات الإخوانجيين المرعبة. اليمن اليوم