عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل عصمت: إن خفت من شيء أكتب قصته
نشر في الرأي الثالث يوم 30 - 12 - 2016


حوار: إيهاب محمود الحضري
عادل عصمت، روائي وقاص مصري، حصل علي ليسانس آداب قسم الفلسفة ليعمل محررًا في جريدة الأهالي بين عامي 1988: 1989، ترك العمل الصحفي برمته، ليعود أدراجه إلي محافظة طنطا، مسقط رأسه، فيحصل علي ليسانس آداب قسم مكتبات، كي يتمكن من العمل أمينًا للمكتبة!
لكن عادل ليس موظفا مثل ملايين يعملون في المصالح الحكومية، فهو اختار بإرادته أن يعيش بعيدًا عن زحام القاهرة، ليعمل كموظف حكومي في الصباح، ويمارس الإبداع بمجرد أن يكشف الليل عن وجهه. رغم ابتعاده وعدم اختلاطه بالوسط الثقافي، فاز بجائزة الدولة التشجيعية 2011 عن روايته : "أيام النوافذ الزرقاء".
ومؤخرًا، فاز عادل عصمت بجائزة نجيب محفوظ عن روايته الأخيرة "حكاية يوسف تادرس" وتحكي عن علاقة الفن بالإنسان، وهو ما عبرت عنه تحية عبد الناصر رئيسة لجنة التحكيم قائلةً: "يصور عادل عصمت الوصول إلي الفهم أو الرؤية التي تتعلق بكل أشكال الفن، يعكس الوصف المتميز للوحات يوسف تادرس وصوره الشخصية سيرة حياته وجماليات الفن وعزلة الفنان" هنا يتحدث عادل عصمت عن حياته في عزلته الاختيارية في طنطا، رواياته، وعلاقته بنجيب محفوظ الذي لم يقابله أبدًا.
تركت الصحافة لتعمل أمين مكتبة تاركًا خلفك زحام العاصمة باتجاه طنطا.. لماذا آثرت الحياة هناك؟
آثرت الحياة في طنطا لأنها المدينة التي تربيت فيها وتعلمت فيها وأحببتها، وكانت في ذلك الوقت في نهاية الثمانينيات وبداية العقد الأخير من القرن العشرين أهدأ وأبطأ إيقاعا، القاهرة صعب علي شخص مثلي العيش فيها، تضيع وقتك بطريقة مرعبة، تضيع وقتك يعني تضيع حياتك، مشوار يمكن أن يأخذ نصف ساعة في طنطا تقضيه في القاهرة في ثلاث ساعات مثل الذهاب إلي عيادة طبيب الأسنان علي سبيل المثال. أعرف أنني خسرت الكثير. هنا المكتبات الكبري المتاحف والمسارح ودار الأوبرا، تقريبا هنا قلب البلاد، ولكن ما باليد حيلة كل اختيار له جانبه الطيب وجانبه السييء.
ولماذا تركت الصحافة؟
شعرت بأنني لن أتمكن من أن أكون حر نفسي، ثم أن الأجواء لم تكن مريحة، وبصراحة خفت أن أهدر طاقتي هنا ولا أتمكن من مشروع الكتابة الذي بدأ يفرض نفسه علي بشدة في تلك الفترة، وأريد أن أنوه هنا إلي أن هذا الاختيار قد يساعد شخصا مثلي علي الإخلاص لعمله وعكسه قد يساعد شخصا آخر أن يخلص في عمله يمكّنه من التدريب والصلات الواسعة ومصادر الأخبار وكواليسها، أردت أن أقول ذلك حتي لا يعد قاعدة هو مجرد اختيار شخصي يتم فيه حساب الأهداف والقدرات بطريقة شخصية.
هل أفادك العمل كأمين مكتبة في التفرغ للأدب؟
بالفعل هذا ما حدث، لقد أحببت العمل في المكتبات المدرسية. العمل في المكتبات المدرسية ممتع جدا. أولا أنت تتعامل مع مكتبات قديمة تحتوي بعضها علي مجموعات نادرة جدا من المطبوعات مثل مجموعة مدرسة قاسم أمين الثانوية بنات بطنطا أو طنطا الثانوية هل تعرف أن مدرسة طنطا الثانوية تحتوي علي نسخة كاملة بالإنجليزية من الموسوعة البريطانية طبعة الثلاثينات؟ ومدرسة قاسم أمين تحتوي علي أعداد من مجلة المجمع العلمي المصري في العشرينيات؟ ثانيا أنت تتعامل مع طلاب في عمر التفتح وأنت تعرف أن كثير ممن تعلق بالكتابة تعلق بها في هذه الفترة المبكرة من العمر. لقد أحببت العمل في المكتبات ودرستها وحصلت علي ليسانس المكتبات في منتصف التسعينيات، وكانت تجربة مهمة جدا،ساعدتني علي فهم تاريخ المكتبات وتقنياتها الفنية الحديثة والأهم أنها زودتني بفهم أوسع لأقسام المعرفة البشرية وتفريعاتها ومن جانبي أدركت أن البنية التحتية للثقافة هي المكتبة لو توافرت في كل مكان ربما تساعد في حل مشاكل ثقافية واجتماعية.
متي بدأت الكتابة؟
بدأت التعلق بالكتابة من فترة مبكرة كنت أكتب مثل بعض الشباب مقطوعات من الشعر المنثور أو مشاهد نطلق عليها قصصا، وفي الجامعة كتبت قصصا قصيرة سيئة كنت أقلد فيها طريقة عبدالحكيم قاسم وبعض كتاب الستينيات.
ومتي أخذتها مأخذ الجد؟
في مطلع تسعينيات القرن العشرين، وساعدني علي ذلك عثوري علي كتاب حديث شخصي لبدر الديب، فهو بالنسبة لي مثل لحظة إشراق في بداية طريقي، بصرني بمعني آخر للكتابة كنت أبحث عنه، بصرني أن الكتابة قد تكون فعلا للبحث والفهم، وتعتمد علي المشاعر الهشة والانطباعات الخافتة التي تتجول علي أطراف الوعي، لا علي المشاعر الواضحة. في ذلك الوقت اعتدت أن أقول ساعدني علي أن أكتب لا مما تعلمته بل من سريرتي. المهم أنه ساعدني في الوصول إلي صوتي، ومنذ تلك اللحظة تجتهد كي تنقي صوتك وتجعله أقرب ما يكون إلي حقيقة ما عشت.
لماذا تكتب بالأساس؟
أكتب لأن الكتابة تساعدني علي الفهم والتعلم والعيش. إن أردت فهم شيء حوله إلي كلمات، إن خفت من شيء اكتب قصته، ألا يحدث أننا عندما نحب بشدة وتتوهج مشاعرنا نكتب الشعر؟ لماذا الشعر؟ لأنه أرقي وسيلة يمكن أن ننظم بها الكلمات ونجعلها متوهجة مثل مشاعرنا، لأنه ينظم التجربة ويجعلها مرئية لنا، وعندما نريد أن نفهم ما حدث لأمر ما أو لشخص ما نحكي قصته. الكتابة وسيلة لجعل الحياة مفهومة، محتملة، يمكن عيشها.
فزت بجائزة تحمل اسم نجيب محفوظ.. ماذا يمثل ذلك بالنسبة لك؟
هذه الجائزة قيمتها المعنوية كبيرة، كونها تحمل اسم نجيب وأُسست في حياته واقتطع جانبا من جائزته العالمية ليكون أساسها المادي. مثل الكثير من الكتاب تمنيت أن يحصل عملي علي التقدير وأحصل علي جائزة من الجوائز ذات العائدات المادية الكبيرة، لكن الجائزة التي رغبت فيها حقا، هي جائزة نجيب محفوظ، بصراحة تكفيني.
ما تأثير نجيب محفوظ عليك ككاتب؟
كما قلت في كلمة الجائزة تعلمت الكثير من أحاديثه وحياته وطريقته في التفكير، لأن أعماله تشبه المناخ الذي يتشربه المرء منذ الطفولة فيصبح من الصعب عليه أن يعرف متي حدث التأثير أو يحدد بالضبط الأثر الذي تركه، أتذكر سطوح بيتنا في البلد أندس في ركن أقرأ رواية القاهرة 30 ربما كان ذلك في نهاية السبعينيات أتابع الأحداث وأستغرق في الرواية حتي آذان المغرب وينادونني كي أنزل لأفطر، أظن أننا كنا في رمضان. تعلمت منه الصبر والمواظبة، حب الفن كحياة لا مهنة، طبعا لايمكنك تقليد نظامه هو نسخة نجيب محفوظ الوحيدة لا يقدر عليها غيره، لكنك يمكن أن تبتكر نظامك الخاص.
ما أكثر أعماله تأثيرًا عليك ؟
العمل الذي تأثرت به فنيا هو رواية المرايا. هذا الرجل مدهش، ينتقل من مرحلة لمرحلة بسلاسة، رغم أنه يكتب بنفس اللغة ونفس الصوت تقريبا. أظن أن رواية المرايا هي بداية استخدامه لتقنية الشخصيات وترتيبها هجائيا. بعد المرايا هناك حديث الصباح والمساء، وقصة صباح الورد من المجموعة التي تحمل اسم القصة. بعد دراستي لمادة المراجع في قسم المكتبات، خطر لي أن نجيب محفوظ استخدم في كتابة هذه القصص شكل معاجم التراجم العربية القديمة، وهو شكل لا أعرف إن كان قد سبقه إليه أحد، في حدود معرفتي هو أول من استخدم هذه التقنية. طبعا هذه الروايات ليست معاجم، المعاجم لا تحيل إلي الصلات بين الشخصيات ولا تتبع حبكة متناثرة عن عدد كبير من الحيوات ولا يتمكن القارئ من الوصول إلي المعني الكامل للعمل إلا عندما يصل إلي حرف الياء كما يحدث بشكل فاتن في رواية حديث الصباح والمساء، أما قصة صباح الورد، فهي سيرة لمجموعة من العائلات يسكنون شارعا في العباسية فيها طيف من كتب الخطط التي اشتهرت بها الكتابة التاريخية المصرية. الغريب بالنسبة لي هو كيف طور من مقدرته الفنية حتي وصلت إلي تلك الرهافة خاصة في قصة صباح الورد التي ربما لا يتعدي عدد صفحاتها خمسين صفحة، في هذه القصة لا يتكلم عن شخص واحد ومصيره أو زاوية من حياته كما في المرايا وحديث الصباح والمساء بل عن عائلة بكامل شخصياتها ويتتبع حياتها حتي النهاية. هذا فنان عظيم لن نشبع من أعماله ترك لنا فنا سنظل نتمتع به حتي النهاية ونكتشفه كلما تعمقنا فيه لذا من الصعب أن أحدد التأثير الفني والفكري، أتعرف؟ أحب جدا قراءة رواية السمان والخريف، فيها طاقة جاذبة لي، ورواية قشتمر قرأتها في السنوات الأخيرة أكثر من مرة واستطيع أن أقتطع لك منها تاريخ مصر من ثورة 1919 حتي بداية ثمانينات القرن العشرين. ناهيك عن الروايات الكبري، الثلاثية، أولاد حارتنا، الحرافيش.
أن تحصل علي جائزتين بحجم جائزة الدولة ثم جائزة نجيب محفوظ.. هذا يعني أن العمل الجيد يفرض نفسه بقوة رغم أنك بعيد عن الدوائر الثقافية وشللية وسط البلد؟
بصراحة لا أستطيع أن أحكم علي عملي، وتقديري لأعمالي تقدير يخصني. أبذل ما أستطيع من جهد حتي أجعله في الصورة التي ترضي تصوري وفكرتي وأتركه يشق طريقه قد يصادفه حظ جيد مثل روايتي "أيام النوافذ الزرقا"، و"حكايات يوسف تادرس" وقد لايحظي بالانتشار الواسع مثل "حياة مستقرة" التي أظن أنها من أجود ما كتبت وأراها شاهدا علي الاستقرار الكابوسي لثلاثين عاما من حكم مصر.
الكثير من طلاب الجامعات مثلًا يتركون الأدب، بعد طول تعلق وانشغال به، وتأخذهم الحياة بحساباتها المتباينة.. هل يمكن للموهبة أن تخمد وتتواري داخل الفنان، بعكس ما حدث ليوسف تادرس؟
طبعا الموهبة تحتاج رعاية ولولا تعلق يوسف تادرس بموهبته ورغبته في أن يلمس تلك الجوانب الخفية في الأشياء لضاعت موهبته، لكنه حتي في فترات الانصراف كانت الروح المبدعة تعد نفسها لمرحلة من مراحل تجليها في حياته. أنطون تشيكوف له كلمة كنت أرددها زمان كثيرا: الموهبة هي فن تنمية الموهبة.
هناك تشابه بينك وبين يوسف تادرس: هو فنان مثلك، يعيش في طنطا، ويعمل في التعليم أيضًا.. هل نفخت فيه بعضًا من روحك؟
حكايات يوسف تادرس كانت مناسبة لكي أتأمل وأفهم لمحة من طبيعة العملية الإبداعية، لو كتبت هذه الروايات عن الكتابة يعني أن يكون يوسف تادرس كاتب روايات علي سبيل المثال، كانت تبقي ورطة كبيرة سوف تتدخل العوامل الشخصية والخبرات المباشرة، لكن تحولها إلي فن الرسم منح الخبرات غير المباشرة فرصة أن تتسلل إليها ومنح تأملاتي حول طبيعة الإبداع استقلالا عني، يمثلني أكثر مما لو كتبته عن خبرتي بشكل مباشر.
لماذا اخترت البطل مسيحيًا؟
والله خشيت وربما أفلتت مني هفوات دون قصد، كون الشخصية قبطية أقام لي مساحة فاصلة بيني وبينه منحني بعدا عنه أتاح لي التعبير كما لو أنني أراه من بعيد، ربما خلقت الشخصية من تلك المسافة، لو التصقت بي لما كُتبت بهذا الشكل، لقد تحول يوسف تادرس إلي شخصية مستقلة لكونه مختلفا عني وفي نفس الوقت متشابه معي.
وكيف استطعت التحدث بلسانه طيلة صفحات الرواية؟
الأمر لم يكن بهذه الصعوبة، الجدران التي خلقتها فترات الأزمات السياسية والاقتصادية في بلادنا وهمية. القبطي المصري ليس "آخر"، إنه "أنا" يحمل اسما آخر ودينا وملامح أخري، كما قال يوسف تادرس بالضبط، مراسم الزواج والموت متشابهة والأعياد الشعبية والاحتفالات بالمواليد متشابهة ربما أخذت تسميات أخري وتغيرت بعض تفاصيلها ولكنها تظل في جوهرها واحدة.
فيم أفادتك دراسة الفلسفة؟
دراسة الفلسفة تعلمك طرقا مختلفة في طرح السؤال، الفلسفة ليست المعلومات الفلسفية الموجودة في الكتب الدراسية ولا المصطلحات الفنية لهذا الفرع من المعرفة بل تدريب علي طرح الأسئلة حتي تتمكن من حذف الكثير من المظاهر لتحصل علي المعني، لا تتورط في التفاصيل ولا تضل طريقك بين صفات عرضية.
ما هي الرواية في تقديرك؟
هذا سؤال صعب يحتاج إلي أبحاث أكاديمية، في عام 2012 نظمت حلقات للتدريب علي فن القصة القصيرة، في اتحاد كتاب مصر فرع وسط الدلتا في طنطا، قضيت وقتا طويلا في البحث عن تعريف للقصة القصيرة بلا جدوي، كمية لا نهائية من التعريفات ربما لكل كاتب تعريفه الخاص، ونفس الحال في الرواية، لنرجع إلي البساطة: الرواية هي حكاية طويلة تحاول القبض علي طيف من أطياف الحياة. هل يصلح هذا؟ لا أعرف؟ يجمع بين الحكاية والرواية كما تري، لكن تعالي نجرب أن نفرق بينهما. الحكاية شكل من أشكال القص، تتميز بسرد الخطوط العامة لحدث غير ملتزمة بالتدقيق في التفاصيل ولا تستخدم تقنيات الحكي الحديثة وهي عادة تتبع حدثا من البداية للنهاية بشكل طولي. والرواية شكل من أشكال القص يعتمد علي تنظيم الحوادث التي يسردها بطريقة تكشف معناها الباطني. تميل الحكاية إلي الإخبار بأمر ما وكشف سره، وتميل الرواية لكشف معناه، هل ينفع هذا؟
-لك كتاب بعنوان "ناس وأماكن".. لماذا كتبته؟
طلب مني صديقي الشاعر علاء خالد أن أساهم في مجلة أمكنة منذ بداية التأسيس، وفي العدد الرابع طلب مني مقالا طويلا عن قريتي. قربني هذه المقال الذي يشمل النصف الأول من الكتاب، من طريقتي في الكتابة، والقرية التي فشلت سابقا في الكتابة عنها جاءت بسهولة عندما غيرت زوايا الرؤية واخترت مداخل غير معتادة مثل جغرافيتها وبنية بيوتها، النور وتطور الإضاءة، الفراغ، وغير ذلك. كانت فترة كتابة مقال "قرية منسية" من أجمل الفترات لأنني كتبت عن القرية لا مما هو معتاد بل من خواطري ومما يطوف علي أطراف الوعي كما تعلمت من بدر الديب، ثم انتقلت للكتابة بنفس الطريقة عن طنطا كتبت عن المولد والمقاهي ودور السينما، وفي النهاية ضمنت هذه المقالات كتاب ناس وأماكن.
ما أهمية المكان في البناء الروائي؟
المكان جزء أساسي من هذا البناء لايقوم بدونه فلا تحدث القصص في فضاء ولو حدث ذلك لتحول الفضاء إلي مكان روائي.
وما رأيك في رواية المكان؟
قرأت زمان رواية بديعة لعبدالحكيم قاسم بعنوان "قدر الغرف المقبضة" واحدة من أهم الروايات التي ترصد أثر المكان علي الروح، عمل فني جميل.
وبماذا تفسر ندرة الروايات التي يلعب فيها المكان دور البطولة؟
بصراحة لا أعرف، لكني أظن أن تأمل المكان وتاريخه تقليد قديم في الكتابة المصرية، خطط المقريزي علي سبيل المثال، ربما هي فترة عابرة
اللغة عندك سلسلة، بسيطة تؤدي دورها ببراعة وجدت فيها متعة كبيرة.. هل تفعل ذلك عن عمد؟
الأمر تطور مع الزمن. في البداية تكون الرؤية ضبابية والمعالم غير واضحة ويضطر المرء إلي الاستعارات ولغة معقدة. بمرور الوقت تتضح الرؤية ويتعلم المرء كيف يمكن أن يلتقط المعني دون أن يضل في متاهة الكلمات، لا أظن أنني أفعل ذلك عن عمد، لقد تطور ببطء وربما يحدث لكوني أكتب مثلما أفكر وأتكلم.
كيف تقضي يومك؟
تركت طنطا منذ عدة شهور وأقيم الآن في مدينة الإسكندرية وأعمل في مدرسة ثانوية للبنات وكأي موظف، تحدد وظيفته وقته، فهي مصدر دخله الأساسي. عندما أكون مشغولا بكتابة رواية، لابد من العمل اليومي، أقوم مبكرا عن ميعاد المدرسة بساعة، أقضيها في كتابة عشوائية حول المشهد الذي علي أن أكتبه اليوم، وأترك مخطوطا مشوها للعمل في المساء. عملي في المكتبة يتيح لي الاطلاع ومساعدة البنات والمدرسين من الاستفادة من مجموعات المكتبة. بعد الغداء أنام فترة قصيرة مجرد فاصل بين عملي الرسمي وهوايتي. في المساء أكتب ما تسيره لي الظروف، بعد العشاء أقرأ، وقبل النوم أتابع كتابات أصدقائي علي الفيس بوك وأقلب قليلا في صفحات الشبكة، لا أشاهد التليفزيون منذ أربع سنوات تقريبا وقراءتي للجرائد تصفح سريع.
ما الجديد علي المستوي الإبداعي؟
روايتي القادمة بعنوان "صوت الغراب" ستصدر عن الكتب خان مطلع العام القادم، بعد أسابيع تقريبا، وهي تجربة عن شاب من جيل الثمانينيات يعيش منذ طفولته تحت تصور أنه يحمل هوية مغايرة لهويته كإنسان: هوية غراب، ويظل يطارده هذا التصور حتي النهاية. ما كان ممتعا لي في كتابة هذه الرواية هو أن فكرتها التي تبدو خيالية لابد أن تعالج بطريقة واقعية وأن تبتعد قدر ما تستطيع عن الفانتازيا، وأن يتحول الراوي إلي شاهد لحياته وحياة عائلته العريقة في تجارة الحبوب في المنطقة المحيطة بالجامع الأحمدي في طنطا، وأن يصف لنا كيف يحدث التحول له كأحد شباب جيل الثمانينيات لا غراب يعيش فترة الاستقرار الكابوسي للحياة في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.