بقلم/ د- طارق عبدالله الحروي - لماذا يجب على اليمن دولة وشعبا أن تعد نفسها- كليا- لاستقبال قياداتها التاريخية والوطنية والاحتفاء بها، التي غادرت أرض الوطن منذ ما يقارب ال3 أشهر- على أقل تقدير- للخضوع لبرنامج علاجي دقيق وكثيف جدا؛ في أعقاب تعرضها لأخطر عملية تصفية جسدية- قل نظيرها في تاريخنا الحديث والمعاصر- أثناء تأدية صلاة يوم الجمعة الموافق 3/6/2011م في جامع النهدين بدار الرئاسة، في تطور خطير جدا لكنه لم يكن مفاجئ في منحى حركة الصراع الصفري المستعرة حلقاتها الرئيسة بين مكونات التيارين الوحدوي والانفصالي منذ عام2004م، راح ضحيتها لحد الآن أكثر من 250 يمني ما بين شهيد ومعاق وعشرات المرضى والجرحى طريحو الفراش..الخ؛ ويتماثلون للشفاء بإذن الله وحمده ورعايته؟ بمعنى أخر ماذا يمكن أن تحمل هذه اللحظات من معاني ودلالات مادية ومعنوية غاية في الأهمية لا غنى عنها- بتاتا- في اتجاه استمرار تنامي وتائر الفعل الاستراتيجي للتيار الوحدوي، سيما أنها تأتي ضمن إطار استكمال أهم الحلقات الرئيسة بل وأخطرها للصراع الصفري الدائرة أحداثه الرئيسة بين مكونات التيارين ومن ثم المشروعين الوحدوي والانفصالي، وليس خارجها ؟ من نافلة القول نرى أن عودة الشهيد الحي الرئيس الصالح ورفاقه من رموز وعناصر التيار الوحدوي من أراضي المملكة العربية السعودية إلى وطنه وتسلمهم لكامل مسئولياتهم الرسمية فى إدارة وتحريك سفينة وطن ال22 من مايو العظيم نحو أقدارها التي كتبها الله تعالى جل شأنه وتوفير الضمانة لوصولها إلى شاطئ الأمن والأمان-من جهة- واستعداد شرفاء الأمة اليمنية وأبنائها قاطبة في الداخل- وكذا في الخارج- لاستقبالهم والاحتفاء بهم في كرنفالات وفعاليات رسمية وشعبية ضخمة يتم الإعداد لها منذ أشهر مضت؛ وتستمر لأيام تليق بهذه المناسبة الوطنية؛ تبدأ من لحظة الوصول إلى مطار صنعاء الدولي في صورة مسيرات شعبية مليونية، وتنتهي في ميدان السبعين الذي أصبح رمزا وطنيا ودينيا وتاريخيا عملاقا لا يقارن- كما- أراده الله تعالى نعم المدبر الحكيم، أحكم الحاكمين في تصريف شئون خلقه وارداته الأمة اليمنية العظيمة التي انتفضت- قولا وفعلا- في 25/3/2011م وهي تحث الخطى باتجاه استكمال دعائم وقفتها الكاملة بدون توقف، وصولا إلى تدشين وإحياء فعاليات كرنفالية ضخمة متنوعة في كل بقعة طاهرة من بقاع الأرض اليمنية الأبية. قد أصبح- ضمن هذا السياق- أمرا أكثر أهمية وإلحاحا لماذا ؟ من جانب يمكن عدها عملية تحفيز ضرورية جدا، بل وأكثر أهمية من أية وقت مضى، في ضوء ما يتوقع له أن تفضي إليه من مؤشرات رئيسة عن طبيعة ومدى الاستعداد شبه التام من حيث النوايا والقدرة اللازمة لترجمة تطلعات الأمة اليمنية وأحلام قياداتها الوطنية على أرض الواقع بدون كلل ولا ملل، وفي نفس الوقت أنها أصبحت بالفعل عملية تتويج ضرورية لابد منها لمرحلة مهمة من مراحل المواجهة الوطنية ذات الطابع المعنوي التي يقودها التيار الوحدوي بضراوة وحنكة منقطعة النظير ضد التيار الانفصالي ومشاريعه الظلامية الجديدة منذ 25/3/2011م- على أقل تقدير- ومن جانب أخر هي إعلان رسمي عن مدى ما وصل إليه التيار الوحدوي من استعداد شبه تام؛ من حيث النية والقدرة لخوض ومن ثم حسم فصل مهم من فصول المواجهة ذات الطابع المادي المستعرة بينهما منذ 2004م؛ سواء أكان ذلك في ميادين إرساء دولة النظام والقانون وصولا إلى ميادين التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة أو كان ذلك في ميادين إرساء وتحقيق الأمن والاستقرار التي أبتدات في الأشهر الأخيرة خاصة على أيادي خيرة رجال قواتنا المسلحة والأمن البواسل وتشكيلات أبناء الشعب المقاتلة. نظرا لأن هذا الأمر قد أصبح بالفعل جزء مهم ولا يتجزأ من منظومة شبه متكاملة للفعل الاستراتيجي التي- يجب أن يتبناها- أو تبناها التيار الوحدوي منذ العام 2006م ولو بشكل جزئي، إثر اندلاع إرهاصات هذه المواجهات بينهما منذ العام 2004م، امتدادا لكل ما جرى منذ صيف عام 1994م، وصولا إلى ما أصبحت تشهده الساحة اليمنية من تطورات خطيرة جدا لا مثيل لها منذ مطلع العام الحالي، سيما أن هذا الأمر تظهر أهميته الكبيرة في ظل موازين فرض الإرادات بينهما أكثر منه موازين القوى التي مالت- إلى حد كبير- لصالح التيار الوحدوي عندما حسم الشعب اليمني من خلالها- إلى حد كبير- موقفه كاملا إلى جانب التيار والمشروع الوحدوي، في أربعة محطات رئيسة- على أقل تقدير- ابتداء بتحقيق الوحدة الوطنية عام 1990م وصولا إلى حرب الدفاع عن الوحدة عام 1994م، ومرورا بالانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م، وانتهاء بالوقوف المبدئي مع الشرعية الدستورية في 25/3/2011م. وهو الأمر الذي يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمها الرئيسة في ثلاثة اتجاهات رئيسة، الأول له علاقة وثيقة الصلة بقيادات التيار الوحدوي طاقم قيادة وإدارة سفينة وطن ال22 من مايو العظيم، وفي مقدمتهم ربانها الحكيم الرئيس الصالح ورمز سيادتها ووحدتها العظيمة وقلبها الكبير النابض وزعيم التيار الوحدوي وأهم رجال المشروع النهضوي ألتغييري اليمني الحالي والقادم ومؤسس أول دولة مركزية يمنية على الخارطة السياسية للعالم في التاريخ اليمني الوسيط والحديث-على أقل تقدير- تقديرا وامتنانا لهم، بحيث أصبح من الضرورة السعي وراء استحضار مكمن القدرة والقوة ومن ثم الفعل لدي مكونات التيار الوحدوي في اتجاه العمل الجاد على تحويل ما تبقى من السنوات القلائل أمام الرئيس الصالح ورجاله إلى سنوات حقيقية من البذل والعطاء والعمل الجاد ومن ثم الإنجازات العظيمة، سواء باعتباره الخيار الوحيد الناجع المتاح أمامها كي ترتقي برؤاها ومواقفها ليس إلى مستوى رد الفعل فحسب وإنما إلى الفعل نفسه المساوي لها في القوة والمضاد لها في الاتجاه بدلا من أن تبقى زمام الأمور خارج سيطرتها وتتراوح ما بين ردود الأفعال الآنية المفتعلة والوهمية، يتناوب على إدارتها ما تبقى من قيادات وعناصر التيار الانفصالي باسم الوحدة وتحت رايتها، أو بعده الموجهة الرئيس لمعالم خارطة الطريق التي لا مناص عنها، في اتجاه تتويج مسيرة رجل من رجال هذه الأمة نذر الجزء الأكبر والمهم من حياته لها بقدر ما أستطاع إلى ذلك سبيلا، وتكريما له ولكل من أخلص معه النية والعمل لله ثم للوطن على تحمل تبعات الوصول بالحلم الأكبر لهذه الأمة على مدار القرون الماضية إلى النصر الأعظم بتحقيق الوحدة اليمنية والحفاظ عليها، والثاني له علاقة وثيقة الصلة بالأمة اليمنية نفسها من ركاب السفينة؛ باعتباره إعلانا رسميا أنها قد أصبحت بالفعل مستعدة- قولا وفعلا- أكثر من أية وقت مضى لتحمل ثقل المسئولية التاريخية وتبعاتها، من خلال ما أبدته من استعداد لتسلم أمانتها، في اتجاه خوض ماراتون السباق مع أعدائها وخصومها من عناصر التيار الانفصالي بالدخول عنوة إلى مرحلة دولة النظام والقانون والتنمية معا، وتفويض شبابها القوى الأمين المتسلح بالعلم والمعرفة والمشبع بروح وقيم الدين والوطنية لإدارة دفتها وحمايتها، باعتباره المدخل الأساسي والضمانة الوحيدة لذلك، سيما في ضوء ما وصلت إليه من قناعات في هذه الأيام العصيبة علينا جميعا، والوطن كله يتهاوى بين قاب قوسين أو أدني من الانهيار المدوي بهذا الشأن، في إشارة مهمة واضحة الدلالة إلى إن طبيعة الهواجس والمخاوف التي أحاطت بقيادة التيار الوحدوي في المرحلة الماضية حول أن البيئة الداخلية اليمنية والأمة اليمنية صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة في هذا الأمر كانت غير مستعدة لذلك، لم يعد لها مكان يذكر في المرحلة الحالية والقادمة، في حين أن الاتجاه الثالث له علاقة وثيقة الصلة بسفينة الوطن والنظام الذي أصبح أكثر استعدادا من أية وقت مضى للعبور نحو الضفة الأخرى، في ضوء ما تشير إليه الدلائل التاريخية من توقعات مهمة أنهما قد أصبحا قاب قوسين أو أدنى من ذلك، أما الاتجاه الرابع فإن له علاقة وثيقة الصلة بطبيعة المثل والقيم العليا التي يجب تمثلها احتراما لهذه الأمة العظيمة ولذاتنا ولإخواننا المخلصين والشرفاء من قدموا الغالي والنفيس من أجل هذه الغاية العظيمة، وتقديرا لتاريخها العظيم الذي مهد السبيل واسعا لنشؤ الحضارة الإنسانية بل وشاركت في ازدهارها، فأبناء اليمن هم أصل العرب ومهد العروبة، والأجداد والأحفاد ليسوا هم من أوائل مؤسسي وبناءة الحضارة العربية والإسلامية التي أنارت مشارق الأرض ومغاربها فحسب، بل روادها وقادتها في السلم وفرسانها وجنودها في الحرب، وكذا إجلالا وتشريفا لشهدائها الأحرار الأبرار ممن أنحبس الدمع في مقلات عيونهم ورفضت أرواحهم أن تستكين منتظرة اليوم المشهود في إعادة اللحمة اليمنية وبناء الدولة الحديثة المنشودة بفارغ الصبر، كي ترتاح بعد ذلك. في حين تكمن أهمية هذا الأمر- أيضا- فيما تشير إليه المرحلة الحالية والقادمة من دلالات ومضامين غاية في الأهمية بهذا الشأن، فالمرحلة الحالية التي تعيشها الأمة استثنائية ومصيريه في آن واحد، فإما نكون أو لا نكون، إما ننهض باستكمال أمتنا لكافة مقومات وقفتها وانتصابها أو لا ننهض ...الخ، أما الحدث الرئيس الذي نحن بصدده- كان وسيظل- فارقة تاريخية خطيرة جدا في عمر أمتنا العظيمة لن تنسى وقائعه من ذاكرة غالبية أبناء الأمة، عندما دقت عقارب الساعة ببطء معلنة عن الجريمة اللا إنسانية الأكثر بشاعة التي تعرض لها الرئيس الصالح وأركان نظامنا الوطني واستهدف من خلالها اليمن دولة وشعبا، في محاولة جريئة ودنيئة مدبرة بإحكام لاغتيال حياة أمة وإرادتها وتقويض منجزاتها وبتر أحلامها وتطلعاتها المنشودة دفعة واحدة، فاللحظات- كانت ومازالت- أليمة وقاسية ومفجعة من دخول اليمن دولة وشعبا مرة واحدة إلى المجهول واللا عودة، نعم هي لحظات وأيام بل أسابيع وأشهر ثقيلة جدا على قلوبنا وعقولنا أنذرت بما لا يحمد عقباه، قبل أن يطل علينا قائدنا معافى موفور الصحة متماسك الجنان، وتعود في لحظات جزء من الابتسامة والطمأنينة إلى أفواهنا وقلوبنا، فعادت بها الحياة- تدريجيا- إلى طبيعتها، ولم يتبقى لنا كي تكتمل فرحتنا إلا عودة الرئيس ورجاله إلى أرض الوطن كصمام أمان لضمان إمكانية انتقال سفينة الوطن والنظام إلى بر الأمان؛ من أجل طي صفحة سوداء من تاريخنا المعاصر وبدء صفحة بيضاء جديدة من تاريخ هذه الأمة بسماتها الخاصة ترقى إلى مستوى مهام وتطلعات ومعنويات أمتنا التي تجسدت في أبهى صورها منذ 25/3/2011م. ومن هنا يتضح لنا أن الاحتفال بهذه المناسبة- وفقا- لهذه الأبعاد والدلالات قد أصبح بالفعل واجبا وطنيا، بل ودينيا وأخلاقيا وبصورة تفرض علينا، أن نؤكد على أن الاستحقاق الحقيقي لشعبنا اليمني يجب أن يرتبط- جملة وتفصيلا- بأولويات المصلحة العليا للأمة، فالسعي وراء مواصلة حشد الجهد الوطني في اتجاه التأسيس أو استكمال بناء منظومة المقومات الأساسية للمجتمع الجديد والمرتكزات الأساسية للدولة الحديثة المنشودة، يجب أن يكون هو عنوان المرحلة الحالية والقادمة، لان ذلك هو وحده الكفيل فقط سواء بتوفير القاسم المشترك- بحده الأدنى والأعلى- بين مجمل القوى الفاعلة داخل المجتمع بكل تياراتها وألوانها وأطيافها في اتجاه تحفيزها وتعبئتها لدخول هذه المرحلة بكل إرهاصاتها- التي طال انتظارها منذ 20 عاما مضت، أو بضمان توفر الأرضية الخصبة اللازمة- هذا إن لم نقل الضرورية- في اتجاه تأمين وجود جيل كامل متسلح بالعلم والمعرفة، مُشبع بالروح ومن ثم القيم والمبادئ الوطنية والدينية والأخلاقية، مستعدا للتضحية بالنفس والوقت طوعا وإيمانا وحبا للأمة. وضمن هذا السياق- أيضا- يتضح لنا إن الاحتفال بهذه المناسبة يجب أن يبقى مرتبطا بصورة وثيقة بكيفية ليس حيازة ثقة معظم أبناء الشعب بكل تياراته وفئاته وأطيافه فحسب، بل- أيضا- وترجمتها والحفاظ عليها؛ لأنها جوهر ومضمون المعركة الحقيقة المقبلة التي يجب على قيادات التيار الوحدوي أن تستعد لها من الآن- قلبا وقالبا- وتخوضها بسرعة دون إبطاء وكلل أو أعذار واهية لماذا ؟ لأن حقيقة هذه المعركة ذات شقين رئيسين متلازمين الأول معنوي يتعلق بالقدرة على كسب ثقة الأمة بصدق نواياها ونفاذ بصيرتها ووضوح توجهاتها وقوة إرادتها قبل أن تبدأ بالحركة المادية، لان ذلك المدخل الوحيد الذي يستطيع من خلاله حسم النصف الأول من المعركة، أما النصف الأخر منها سيكون رهن بطبيعة الجهد الوطني الشامل الذي ستتشارك فيه جميع مكونات المجتمع. والله من وراء القصد باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية كاتب ومحلل سياسي. [email protected]