سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    السامعي: تعز ليست بحاجة لشعارات مذهبية    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    شبوة .. توجيهات بإغلاق فروع شركات تجارية كبرى ومنع دخول بضائعها    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    مساعد مدير عام شرطة محافظة إب ل"26سبتمبر": نجاحات أمنية كبيرة في منع الجريمة ومكافحتها    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



- وزير الثقافة الاسبق العرشي للقدس العربي هذه اسباب فشل الربيع العربي في اليمن واعتبرمايحدث حاليا سببه الجهل وتجاهل ذكر الرئيس الراحل على عبدالله صالح
نشر في أوراق برس يوم 22 - 04 - 2018

وزير الثقافة اليمنيّ الأسبق يحيى العرشي: المثقف الحقيقي هو الذي لا يجد في الحرب والبندقية إلا الدمار
حاوره أحمد الأغبري

يعدّ يحيى حسين العرشي مِن أبرز القيادات اليمنية التي تحظى باحترام شعبي لما قام به من دور تأسيسي ووطني مشهود، سواء في قطاع الثقافة، حيث كان له الدور الرائد في تأسيس عدد من المرافق والمشاريع الثقافية الحكومية، أو دوره السياسي في عمله مبعوثاً شخصياً لرئيس الجمهورية وسفيراً، وقبل ذاك وزيراً لشؤون الوحدة اليمنية، حيث كان، من خلال هذا المنصب، من أهم مهندسي الوحدة اليمنية، التي تتعرض اليوم لتحديات كثيرة منها ثقافية وسياسية تواجهها بلاده في خضم الحرب. زرناه في منزله في صنعاء لنسمع شهادته فيما يجري هناك، وكان هذا الحوار:
٭ هذا الظهور الفج لثقافة الصراع والعنف في اليمن والتي تترجمها بوضوح الحرب الراهنة، هل يمكن القول، من خلالها، إن المؤسسة الثقافية والتعليمية في اليمن فشلت في مهمتها؟
٭ دعني أقول إن الدور الثقافي والتربوي تحديداً للمؤسسات التعليمية والثقافية لم يفشل في اليمن فحسب وإنما في المنطقة العربية إجمالاً. ذلك أن المتابع لما تشهده الساحة العربية يجد أن ضعف الدور التربوي أولاً والثقافي ثانياً كان سبباً من أسباب الوقوع في هذه الصراعات، علاوة على أن الدور الثقافي لم يأخذ أبعاداً في تجذير المواطنة الصالحة والاسترشاد والاستفادة من التراث الثقافي في الأقطار العربية، لأن هذه الأقطار اصطدمت بحقبة زمنية مثلها الاستعمار، والاستعمار لاشك أول ما يفكر فيه لتثبيت أقدامه هو أن يعمل على محو الهُوية الثقافية، وإن كان لا يستطيع لكنه يؤثر فيها ويوجه الثقافة لمعطيات أخرى، ومن سوء الحظ استعاضتنا له بحكم العسكر لحقبة زمنية لاحقة تحت مظلة ديمقراطية زائفة. إن الموروث العربي بعطائه الفلسفي والفكري والثقافي في أكثر من مجال كان يمكن أن يشكل محور اهتمام وتأصيل في الوطن العربي، لكننا أهملناه وغاب عن فعل المؤسسات التربوية في المشرق والمغرب. واليمن ضمن هذا الظرف، ومعطيات التراث اليمني لم تتوفق في بناء مؤسسات ثقافية، وفي تجربتي بقي البعد الثقافي هو آخر ما يفكر فيه السياسي بحجة أن الامكانيات لا تسمح أن ندعمها بالشكل الكافي، أو أن النهوض الثقافي يشكل خطراً على النظام أو الحاكم، ولهذا لم يتيسر حتى توفير البُنية التحتية الكاملة للعمل الثقافي. كذلك لم يتيسر الحفاظ على ما لدينا من مخزون ثقافي، وجاءت الظروف الحديثة المأساوية لتُضعِف ما كان اليمن قد قطعه من شوط وإن كان محدوداً.
٭ أسهمتم في بناء عدد من المؤسسات الثقافية الحكومية خلال توليكم مهام وزارة الثقافة والإعلام منذ سبعينيات القرن الماضي، هل كنتم وأنتم تؤسسون لها تدركون دورها في تعزيز ثقافة السلام والتعايش؟
٭ نعم. بل أن الهدف من إنشاء المؤسسات الثقافية كان هو الدور الذي كنا نعتقد أنه لن يشكل فقط نهضة ثقافية بل يشكل نهضة تنموية. لأن للثقافة أبعادها ومردودها الاقتصادي للبلد مثلما نجد عليه الحال في بلدان كاسبانيا وتونس ولبنان، باعتبار أن تقديم الموروث الثقافي هو الذي ينعكس على حياة الناس وتطورهم ويقدم فعلاً في العقل والروح. لكن هذا الاتجاه لم يحظ باهتمام السياسات. أنا حينما أقدم في الثقافة العنصر المذهبي الموجود في اليمن فعلي أن أقدم كل المذاهب في البلد مجردة من التعصب والتمذهب، بل أقدمها من خلال قاسم مشترك قوي وهو مجتمع هذه المذاهب، لأن التعدد ثقافة والمذاهب في اليمن ثقافة. إن الأفكار والمذاهب لا يتأتى مواجهتها بقوة الدولة وإنما بأن يتاح لكل مذهب بما لديه من معطيات والناس بما يتلقوه سيحكمون على صواب هذا من ذاك، وبهذا فإن أي فكر في أي مكان إنما هو معطيات جديدة لرؤى إنسانية لها دوافعها متأثرة بما حولها مثلما تأثرنا بمجيء من كان في مصر أيام الفاطميين أو مجيء الإمام الشافعي. فالتعدد هو ثراء ويعطي تنوعا ومتنفساً حتى لا يكون في البلد صورة واحدة لهذا أو ذاك. علاوة على أن توظيف الدين في السياسة أو توظيف السياسة في الدين يمثل خطراً كبيراً على الدين وعلى السياسة، وهذا ما ترك أثره في جعل الإرهاب مرتبطا بالدين.
٭ وبم تفسر تماهي النُخب السياسية والثقافية في اليمن بأطراف الحرب واشتغالهم على تكريس فكرة الصراع؟
٭ أفهم أنها من صور التخلف، لأنه لا يُنظر للمشكلة بمنظار فكري وإنما بمنظار التحدي، فرفض الآخر ما زال جزءاً من وعي النُخب السياسية. تشكل النُخب السياسة والثقافية خطورة على المجتمع بتماهيها مع الصراع كواقع، فتأثير ضعف النُخب كبير لأنه يفرض ثقافته. النُخب الفكرية الحقيقية لا يمكن أن تُمارس هذا الدور، وما لدينا هي نُخب فكرية متوسطة تتأثر بسرعة وتعبر بسرعة وبدون نظر لما ستؤول إليه المعطيات التي يطرحها الآخرون.
٭ ألا تعتقد أن الحرب كشفت عن نسبة كبيرة من الزيف في الخلفية الثقافية التي تُسنِد القرار في هذا البلد؟
٭ كشفت الحرب أن القرار عندما يكون في يد نُخب نظرتها محدودة وثقافتها محدودة بالتأكيد سينعكس ذلك على المعطيات. إما إذا كان لمن يحكم وليس لمن يشارك في الحكم، فالمصيبة أكبر، وهذا ما جعل المشكلة تتجلى بسهولة في خلافات وطنية متيسر ركوب موجتها لمن يريد، وهي موجة يدفع الوطن ثمنها غالياً من خلال الحرب.
٭ وهل من الطبيعي أن ينحاز المثقف للحرب؟
٭ ما زالت مصالح النُخب الواعية والمثقفة تتفوق على معطيات ثقافتها، بدليل أنها تنجر لحساب طرف ضد آخر، طبعاً لكلٍ حسابه، ولكن المثقف الحقيقي في الواقع هو الذي لا يجد في الحرب والبندقية إلا الدمار. لنختلف ونتصارع لكن لا يحدث انشقاق يصل إلى هذه النتيجة من سفك الدماء، كما لا توجد ثقافة سليمة تقف إلى جانب الحرب والدمار. الثقافة الناضجة لا يمكن إلا أن ترفض لغة الحرب والدمار وتؤمن فقط بلغة الحوار والسلام، حتى، ولو بررت لنفسها الاستعانة بالآخرين من خارج اليمن للمبرر نفسه.
٭ خلال عملك وزيراً للثقافة والإعلام، كيف كانت علاقة السلطة السياسية بهذا؟
٭ بلا شك أن الهوة كانت دائماً قائمة بين تفكير العقل السياسي الذي كان يحكم الوطن وبين مَن يؤمن بدور رائد للثقافة، وكانت الوزارة تصطدم بهذا التباين وبهذه الأبعاد، التي لم يكن في حساباتهم رؤية واسعة الأفق في قضية الثقافة، بمعنى أن الهوة بقيت موجودة وستبقى لفترة.
٭ كيف كنت تنظر لمستقبل اليمن في ظل تلك الهوة؟
٭ كنت أنظر بأنه إذا لم تتغير السياسات الفوقية للبرامج التنموية فيما يتعلق بالثقافة فإن البلاد لن تقطع شوطاً للأمام. على سبيل المثال: كنا نناقش في مرحلة من المراحل ما ستكون عليه الخطة الخمسية، حيث جرت العادة أن تتضمن كل خطة عدداً من المستشفيات والمدارس وهكذا، وتقدمت باقتراح للجنة، ما زال أعضاؤها أحياء، أنه في حال لم تخصص الخطة الخمسية لمشروع ورؤية بدءاً من محو الأمية فإنها لن تؤدي إلى نتيجة، فلو كرسنا خطة خمسية لمحو الأمية لمدة خمس سنوات تكرس كل الجهود لهذا الهدف فإننا سنحقق نجاحاً استراتيجياً ونتجاوز المشكلة، ولنا مثل في ذلك، وهو تونس بورقيبة، حيث ركز بورقيبة على نقطتين: الجانب الثقافي في الريف وجانب المرأة، وقطع شوطاً كبيراً، ففيما يتعلق بالجانب الثقافي في الريف حيث تلاحظ المجتمع التونسي متماسكا بفضل هذا البعد الذي تحقق في عهد بورقيبة وسياسته فيما يتعلق بالثقافة، فعلّم الناس في الأرياف قبل المدينة ورفع من شأن المرأة من خلال القوانين والأنظمة التي تضمن حقوقها وأن تسهم في التنمية بفاعلية. وهو ما عبّر عن نفسه في اختلاف تعاملهم مع أحداث ما عُرف بالربيع العربي بما في ذلك وعي واعتدال التيار الإسلامي.
٭ أفهم من كلامك إن مشكلة اليمن هي الجهل والتخلف الذي كرّسه السياسي؟
٭ نعم، فهذه الحرب أيضاً هي من معطيات الجهل، والجهل عندما يشكل حضوراً قوياً في المجتمع القبلي يمثل كارثة، لأن المجتمع القبلي مع الجهل يتحول إلى عنف، بدليل أن الدور القبلي قدّم نفسه في ظروف الساعة بمعطيات ما هو عليه من تطور تعليمي، فمحو الأمية والتعليم في المجتمع القبلي كان سيخلق بيئة جديدة في هذا المجتمع، ونحن هنا لا نقول إن الجهل ما زال حاضرا بقوة لكن ما زال يؤثر حتى الآن. بقي الدور القبلي جزءاً من رغبة الدولة لتبقى القبيلة ضمن دائرة المصالح، كما يحدث حالياً، وهذا خطأ كبير يتسبب بضرر كبير.
٭ المأزق الثقافي لليمن يتجاوز ثقافة الصراع إلى أزمة هُوية تعيشها البلاد أو أجزاء منها، بصفتكم ضمن مَن عملوا على هندسة الوحدة اليمنية خلال عملكم وزيراً لشؤون الوحدة في عهد التشطير ومبعوثا شخصيا لرئيس الجمهورية، كيف تقرأون أزمة الهُوية الراهنة في البلاد؟
٭ كل طرف يحاول أن يوظف رؤيته بطريقته، هذا ما ألاحظه في هذه السنوات. ماذا تعني الهوية؟ هي انتماء إنساني له أبعاده الوطنية المتوارثة وله ثقافته الضاربة جذورها في التاريخ، وهي تعبير عن هُوية محيط جغرافي معين. اليمن هو الموروث الحضاري التاريخي الذي كان له دولة قبل وجود دولة في المنطقة، وهو هُوية جنوب الجزيرة العربية، التي هي هُوية واحدة تتمثل في هُوية اليمن. الهُوية اليمنية هي هذه الشخصية التي كانت متوازنة ومنفتحة وتتلقى ما ترتاح له وتقدم ما لديها من معطيات ثقافية، وهويتنا هي هذه، بمعنى إنها ليست هُوية طائفية، فأي غلاف طائفي للهُوية اليمنية هو ظلم للهُوية، وأي غلاف عنصري للهُوية اليمنية هو ظلم للهوية، وأي غلاف مذهبي هو ظلم للهُوية اليمنية. الهُوية اليمنية هي هُوية تنوع وتعدد. لقد فشلت هويات أخرى في طمس هذه الهُوية، حتى الهويات الأخرى ربما تعامل معها اليمني من منطلق المصلحة والحاجة، فاليمن بلد فقير واليمني محتاج، فعندما يتعامل مع طرف خارجي أحياناً تكون حاجته هي التي تتحكم في هذا التعامل لكنه لا يفرط في هويته، قد يستفيد من المصالح الجديدة ويتقمص هُوية أو ثقافة ما، لكنه لا يفرط في هويته اليمنية، بدليل ما نجد عليه تمسك اليهود اليمنيين بهُويتهم في بقاع من العالم. وهذا لا يعني أن نبقى حبيسي هُويتنا بل هي تسترشد على مدى تاريخها من هُويات أخرى. المعطيات الجديدة التي يشهدها اليمن هي في الأخير ليست سوى محاولة للتأثير على الهُوية وتدخل ضمن استراتيجية دولية لها أبعادها، ولا نستطيع جزافاً أن نرميها على كاهل الدولة، ولكن نقول إن إضعاف الهُوية هو من أهداف أي استراتيجية تريد أن يكون لها موضع قدم في مكان ما في الجغرافيا وفي وعي الناس وأفكارهم.
٭ كنتم خلال عملكم وزيراً لشؤون الوحدة في عهد التشطير تواجهون مشكلة شطرين في اليمن لكن اليمن يواجه الآن مشكلة أشطار تتشكل وقد تتصارع؟
٭ علينا أن نُدرك أن ما آلت إليه الأحوال كانت له مقدماته، ومن أهم المقدمات كان فساد الأوضاع، ذلك أن فساد الأوضاع يُضعف التنمية والتعليم والثقافة، ومع تراكم الفساد يتلاشى الطموح، ومع تراكم هذا الفساد أكثر تواصل غياب مشروع بناء الدولة. كانت الآمال اليمنية كبيرة جداً في أن تشكل استعادة الوحدة اليمنية 1990 بداية المشروع بكل المقاييس، ذلك أنه قبل استعادة الوحدة كانت البلد تصطدم ببعضها، بدليل أن الجولات الدموية كانت مستمرة، وكان الناس معها يتلهفون للاستقرار والأمن، وكان لابد أن تغيب صراعات الكراسي وتتجه كل الجهود للتنمية التي تشغل الناس بحياتهم الحديثة والتنمية والمعرفة ودخولهم في استثمارات أفراد المجتمع. دعنا نبتعد عن المزايدة بالديمقراطية والتعددية والحزبية، ونقول إن المشروع المؤسسي في بناء الدولة هو في بناء مؤسسة عسكرية وطنية وبناء مؤسسة قضائية نزيهة، ومؤسسة أمنية منضبطة. كل ذلك يخلق استقرارا يجعل الجميع يراهن على المهارات لا على الولاءات القبلية والمناطقية، وكم هو مخجل أن يبحث خريج الجامعة عن سند قبلي أو مناطقي للاحتماء به ويحصل من خلاله على درجته الوظيفية. كانت مهمة مشروع دولة الوحدة أن يفرض نفسه منذ عام 1990 إلى اليوم، لكن بعد ثلاثين سنة لم يحدث ذلك الإنجاز، فسبب لنا كارثة حرب صيف عام 1994 وتوالت الكوارث حتى أحداث عام 2011 والذي كان نتيجة لما كانت عليه الحال، لكن لو نجحنا في إنجاز دور مؤسسي للدولة ما بعد الوحدة مباشرة لكنا قطعنا شوطاً كبيراً ولم تحصل هذه المأساة.
٭ في تقديرك أين تكمن أسباب ذلك كله؟
٭ لم تكن السياسات صادقة في بناء دولة حقيقية. كل ما كان يحدث هو أن الدولة كانت عبارة عن تفصيل قميص للحاكم القائم بدون أن تكون فيها أبعاد مستقبلية لمشاركة الآخرين. لهذا كل البرامج كانت تمر بإحباطات من داخلها.
٭ ولماذا لم تنجح أحداث 2011 من وجهة نظرك؟
٭ أحداث عام 2011 كانت محصلة تُعبّر عن مرحلة تغيير كما ذهب إليه بعض البلدان العربية، وهي تجربة تُعبّر عن تطلع حقيقي لمحاولة الخروج من أسباب ضَعف الدولة والتنمية والمشاركة السياسية، كل هذه الأسباب دفعت إلى هذا، ولكنها اصطدمت بالضعف من داخلها واصطدمت بأن مَن حاولوا أن يركبوا موجتها من رموز فساد النظام ورموز الضَعف، فاحتووها وأصابوها وأصابوا أنفسهم وأصابوا البلد، بينما كان يمكن أن تُشكل بداية لمشاركة شعبية وبدء دور مؤسسي لو لم يكن هناك احتواء من فصيل سياسي معين، كما واجهت تآمرا من خارجها، بما في ذلك ما آلت إليه المبادرة الخليجية، ذلك أن المبادرة لم تأت بحسن نية لا من الداخل ولا من الخارج، لأنها كانت مبنية على استراتيجية كيف تكون هناك فرصة لإجهاض هذا التطلع، وفرصة للانتقام، وبالفعل تم اجهاض التطلع وتم الانتقام على حساب دمائنا.
٭ لكن هناك مَن يرى أن تلك الأحداث كانت مقدمة للحرب الراهنة؟
٭ الناس عامة يلتفون حول فكرة مفادها كيف يمكن تفادي سفك الدماء، وكانوا متطلعين للخروج من المأزق، ويفسر هذا خروجهم لانتخاب عبد ربه منصور رغم انه كان المرشح الوحيد، كانوا يرون أن يتم هذا الانتخاب حتى نستطيع تجاوز الصدام الذي كانت بوادره قد ظهرت في أكثر من مكان، لكن هذا لم يحدث، لأن المبادرة الخليجية كانت مثل المسكنات لفترة مؤقتة، وقد لعبت هذه الآلية دوراَ لفترة، وبمجرد ما انتهى تأثيرها حصل ما حصل، خاصة مع التباطؤ زمنياً أكان ذلك أثناء مؤتمر الحوار الوطني أو بعده لتنفيذ مخرجاته، كما أن الاستعجال، وعدم الأخذ بالقواعد اللازمة لتفكيك قوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى وهما المؤسستان الوحيدتان اللتان تمثل الجيش داخل العاصمة أو في بعص المناطق خارجها، وهو ما أربك الوضع العسكري والأمني وحدث ما حدث في 2014 وبتلك الصورة العجيبة.
٭ هل أفهم أنك تحمّل عبد ربه منصور، كامل المسؤولية؟
٭ أنا لا أحمله كامل المسؤولية، ولكني لا أعفيه بالنظر لما كان يواجهه من ضغوط وتحديات أمامه أو محيطة به.
٭ كيف تقرأ مستقبل الوحدة اليمنية في ظل ما حصل ويحصل؟
٭ كان يمكن أن نقول إنها تواجه مخاطر قبل هذين العامين، ولكن مع هذه الحرب والدمار والمخاض الذي أحدثته الظروف في عدن وما ظهرت عليه الأطماع الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية في بلدنا، وهذا الفعل غير المسؤول في مناطق الجنوب سواء في حضرموت أو عدن أو شبوة أو في القطاع الغربي أو الجزر، كل هذا أعطى جرعة قوية للوحدة الوطنية لتواجه هذا التحدي، وهذا التدخل في شؤون اليمن. مواجهة هذه الأطماع لن تأتي بتشتيت اليمن وإنما من خلال وحدته، وأشعر أن الوحدة اليمنية هي المقاومة القوية لهذا التدخل الذي تشهده البلاد. لا أشك في أن وحدتهم ستشكل مقاومة لهذا الشتات المناطقي والطائفي والمذهبي، ولما آل إليه اليمن كساحة صراع سعودي إيراني.
٭ في الأخير، ماذا عن مذكراتك؟
٭ الإصدارات التي صدرت لي وإن كانت ذات طابع وثائقي اعتبرها مقدمة لإصدار مذكراتي، والتي هي عبارة عن نبش في زوايا الذاكرة، وتتصل بجوانب اجتماعية وعادات وتقاليد وتجربتي كمبعوث شخصي لرئيس الجمهورية على مدى عملي وزيراً لمدة 23 عاماً و13 عاما أخرى سفيراً و10 سنوات عضو مجلس الشورى.
اقتباسات
توظيف الدين في السياسة أو السياسة في الدين يمثل خطراً كبيراً على الدين وعلى السياسة
الجهل عندما يشكل حضوراً قوياً في المجتمع القبلي يمثل كارثة
الوحدة هي المقاومة القوية للتدخل الذي يشهده اليمن
رفض الآخر ما زال جزءاً من وعي النُخب السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.