طالما تمنّيت أن أرى مسؤولي الحكومة وهم يتقشفون، وإن كنت أشك أن أمنيتي هذه ستتحقق. يمكن للحكومة من خلال المراقبة الصارمة لميزانيتها أحمدغراب التشغيلية أن تدّخر الكثير من الأموال. والتقشف ينبغي أن يبدأ من المسؤولين، وعليهم أن يكونوا أول من يقدّم مثالا جيّدا في الفترات العصيبة. رئيس الوزراء الايطالي برلسكوني تقشف فقرر ألا يرتدي البرمودا (لباس الاستجمام)، والمستشارة الألمانية ميركل قضت إجازتها في قرية ألمانية صغيرة مقتنعة بوجبة "النقانق"، ورئيس الوزراء السويدي سافر لقضاء إجازته بالسيارة، حتى ساركوزي ذهب لقضاء الإجازة بيت عمه (أبو مرته). الدور والباقي على المسؤولين حقنا؛ لننظر كيف سيتقشفون ويشدوا الأحزمة على الكروش، وأنا على ثقة أن عشرة مسؤولين يستطيعون أن يغطوا عجز الميزانية، وأن يستروا عورتها. بالنسبة للشعب، كمواطن يمني استطيع أن أؤكد لكم أننا شعب متقشف بالفطرة ولو مش مصدقين اسألوا "مرقة ماجي"! أسألوا "قشف الراتب"! انظروا في وجوهنا وستجدون بصمة السحاوق والزبادي! اسألوا الصين الشعبية وستخبركم أننا أكثر شعب يستهلك البضاعة الرديئة على كوكب الأرض، المهم تكون رخيصة! اختزلنا البروتينات والنشويات في العصيد، واستخرجنا السعرات الحرارية من حرضي السلتة، ونحن -بلا فخر- أول من اخترع "الكُدمة". متقشفون في المواصلات، تجدنا مدردحين فوق الحافلات وكأننا في سوق خضار، وعددنا فوق الباص أكثر من سعته، وكلما شاف صاحب الباص راكب، قال له: تعلّق، أو اطلع الطابق الثاني.. هل بعد هذا التقشف من تقشف؟! ألا يكفي أيها المسؤولون أنكم ركّبتم المواطن "موتر" لكي تركبوا اللاكسزات والهمرات والمونيكات ودم الغزالات؟! كلمة تقشف أيها السادة تعني وقف الهدر والهبر والهبش، تعني وقف ترهل الكروش، ومنع الجمل أي جمل من أن يلتهم بلقمة واحدة ما جمعه العصفور طوال سنة. أما أن يكون التقشف إعلان حرب على المواطنين والموظفين، فذلك ركود فوق الركود. جزء كبير من الإنفاق العام يذهب على قطاعات وفعاليات وورشات وأنشطة غير منتجة ووجودها مثل عدمها، ولا تقدم للبلد شيئا سوى المزيد من الهبر والهبش والفساد، فضلا عن عشرات الصناديق التي تحرق المليارات على الفاضي، بل إنها تشارك في الأزمة المالية للبلاد حين تضارب بالأموال العامة المخصصة لأهداف تنموية واجتماعية في شراء أذون الخزانة.