ماذا في اليمن؟ هل صحيح ان الوحدة، التي عمرها تسعة عشر عاما، مهددة؟ قبل كل شيء، لا بد من الاعتراف بان اليمن، مثله مثل اي من البلدان الفقيرة في المنطقة يواجه صعوبات داخلية مردها الى الهبوط المفاجئ لاسعار النفط. يواجه اليمن وضعا فريدا من نوعه على الصعيد العالمي بسبب اسعار النفط. يعود ذلك الى ان اليمن ليس بلدا مهما على الصعيد النفطي، لكن لديه من الانتاج ما يكفي لسد حاجاته الداخلية وتصدير كمية صغيرة من الذهب الاسود بما يعوّض جانبا من العجز في الموازنة. جاء الهبوط الكبير المفاجئ لاسعار النفط ليوجه ضربة الى الاقتصاد اليمني الذي يعاني اصلا من مشاكل كبيرة عائدة الى الزيادة الكبيرة في عدد السكان وقلة الموارد الطبيعية في دولة عريقة ذات حضارة قديمة لم تدخل القرن العشرين الا في السادس والعشرين من ايلول من العام 1962، لدى سقوط النظام الامامي الذي كان يصرّ على عزل اليمن عن العالم. من يعرف اليمن منذ نحو ربع قرن، يدرك ان التحديات التي تواجه البلد كثيرة. يضاف الى الازمة الاقتصادية التمرد الحوثي في الشمال، وهو تمرد صار عمره نحو خمس سنوات، يبدو كل يوم ان ايران ليست بعيدة عنه، وتململ في بعض المناطق الجنوبية. اتخذ التململ في الاشهر القليلة الماضية طابع مواجهات بين مجموعات باتت تدعو علنا الى الانفصال من جهة والسلطة المركزية من جهة اخرى. ساهمت كل هذه العوامل في عودة اليمن الى الواجهة. وزاد الوضع تعقيدا النشاط المتزايد لارهابيي "القاعدة" الذين صاروا يركزون على اليمن اكثر في ضوء اضطرارهم الى مغادرة العراق, عسى تجدد الاضطرابات في باكستان وافغانستان يحمل هؤلاء الارهابيين على الانصراف، ولو بعض الشيء عن اليمن، وعدم الرهان على الاستفادة من المتاعب التي يخلقها الحوثيون للسلطة في صعدة والمناطق القريبة منها وما يسمى "الحراك السلمي الجنوبي" الذي لا يبدو سلميا الى حد كبير. هل يدرك التحرك الذي تشهده بعض المحافظات اليمنية ان الازمة الاقتصادية التي تضرب العالم لا يمكن ان تؤسس لسياسة تبني مؤسسات لدولة؟ كل ما يمكن ان يؤدي اليه تحرك من هذا النوع هو الاساءة الى مؤسسات الدولة لا اكثر والى اليمنيين انفسهم بشكل عام. كان الرئيس علي عبدالله صالح واضحا في التحذير الذي وجهه في الخامس والعشرين من نيسان الماضي والذي تحدث فيه صراحة عما يمكن ان يحل باليمن في حال المساس بالوحدة. قال بالفم الملآن ان اليمن مهدد ب"الصوملة" و"العرقنة". بكلام واضح، قال ان اليمن لن يكون دولتين مستقلة كل منهما عن الاخرى كما كانت عليه الحال قبل العشرين من ايار 1990، بل هو مرشح لان يصبح دولا عدة بعد سلسلة من الحروب الداخلية ليس معروفا كيف تبدأ كما ليس معروفا كيف يمكن ان تنتهي. لا يمكن تجاهل المشاكل التي تواجه اليمن. ولكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاهل ما حققته الوحدة لليمن على الرغم من حصول اخطاء كثيرة من هنا او هناك او هنالك. لا يجوز تحميل طرف واحد المسؤولية. ولا يجوز التصرف بعيدا عن الاسباب التي املت تحقيق الوحدة. كانت الوحدة نتيجة مباشرة لسقوط النظام الماركسي في الجنوب الذي كان نتاجا للحرب الباردة. لم يسقط النظام في الجنوب في العام 1990 عندما هرب الى الوحدة، انما سقط في العام 1986 حين حصلت حرب داخلية بين القبائل الماركسية. وقتذاك، خرج الرئيس السابق علي ناصر محمد من السلطة واقام في صنعاء. لم يحل خروج علي ناصر اي مشكلة من مشاكل النظام في الجنوب لسبب في غاية البساطة مرده الى ان الاتحاد السوفياتي، الذي بدأ ينهار في تلك المرحلة، لم يعد قادرا على ضبط اللعبة بين الاطراف المتصارعة في الجنوب كما لم يعد مستعدا للاستثمار في بلد حوله موطئ قدم له في شبه الجزيرة العربية. كل ما في الامر ان الوحدة انهت النظام في الجنوب وانقذت اهل النظام بدل ان يدخلوا في حروب لا تنتهي في ما بينهم. مرة اخرى، هذا لا يعني انه لم تحصل اخطاء على صعيد كيفية التعاطي مع قضايا معينة تهم المواطنين في الجنوب والشمال والوسط. ولكن يبقى في الذكرى التاسعة عشرة للوحدة اليمنية ان لا بديل منها في اي شكل. ثمة حاجة الى مراجعة كل طرف لمواقفه والعودة الى لغة المنطق لا اكثر ولا اقل. اليمن ليس في وضع ميؤوس منه، خصوصا اذا فهم العرب القريبون منه ان مساعدته اقتصاديا هي بمثابة مساعدة لهم ايضا. ليس مسموحا ان تستمر هذه الهوة بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي. اليوم قبل الغد، لا بد من خطة شاملة تساعد في تهدئة الوضع الداخلي في اليمن وتوفر مساعدات للمجتمع في الوقت ذاته. هناك سؤال في غاية البساطة. من يضمن بقاء الجنوب موحدا في حال تعرضت الوحدة لاي هزة؟ الوحدة ضمانة للجميع، لكنّ الكلام عن اللامركزية لا بد ان يتحول الى افعال على الارض. وهذا في حاجة الى هدوء والى اعادة كل طرف من الاطراف النظر في حساباته بعيدا عن روح المغامرة التي لا تفيد احدا بدليل ما حصل في حرب صيف العام 1994 عندما قرر الحزب الاشتراكي اعادة النظر بالوحدة! ليس مطلوبا اعادة النظر في الوحدة بمقدار ما ان المطلوب البحث في كيفية اخراج اليمن من سوق المزايدات التي لا تصب سوى في الشرذمة. هل من مصلحة لليمن في الشرذمة؟ هل من مصلحة خليجية وعربية في ذلك؟