ومازال السؤال يطرق الآذان ويستفز المشاعر، إلى أين من هنا في هذه اللحظة الفاصلة وعند مفترق الطرق المحيّر؟. ولقد جاء الحديث عن قوى تخدع بالأيديولوجيا وترهب بالسلاح ولم أقل إنها تربك بالإعلام، وأشرت إلى أخرى بعضها فاعل لا يحمل البندقية وثانية تحمل المشروع الوطني ولكنها شاردة وتائهة لا تقوى على شيء، وفيما أوضحت فإن قوى الفعل الثلاث هي ذاتها قوى التدمير، وفي الحديث جئت على اثنتين منها: الحوثيون والإصلاح وردائفه، وتوقفت عند القوة الثالثة المدمرة علي عبدالله صالح ورهطه. سأمضي مع هذه الثالثة وأقول: إذاً علي عبدالله صالح بتحالفاته القبلية وقوته العسكرية والمالية يشكل الخطر الأكبر، ولولاه ما استطاع الحوثيون امتلاك الآلة العسكرية التي حققت لهم نجاحاً باهراً وسريعاً، وقد بينت أحداث الأربعاء 11 يونيو في صنعاء أنه يحتفظ بجهاز أمني خاص محكم التنظيم. وأرجح الاحتمالات أن لديه مخزوناً سرياً كبيراً من العتاد العسكري موزعاً في مخابئ مختلفة وبما يتجاوز أضعاف السلاح الموجود في حوزة القوى الرابضة في ريمة حميد بسنحان، كان يتحسب لاحتمالات سقوطه بانقلاب عسكري أو بغيره ويثابر على توفير أدوات الحرب للوثوب إليها مرةً ثانية، يظهر هذا من الأموال الغزيرة التي ضخها للمؤتمر الشعبي العام خلال فترة حكمه، فقد يستنتج من الإنفاق الباذخ للمؤتمر أنه يحوز أرصدة واستثمارات مالية تحقق إجمالي الموازنة وتضاهي الموازنة العامة للدولة، رغم أنه تنظيم لا يفرض اشتراكات على أعضائه. صحيح أن هناك تدفقات مالية تصب من دول وأشخاص اعتباريين وطبيعيين تقلقهم سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الحكم في اليمن، إلا أن الإنفاق من هذه المصادر يجري من خارج إطار موازنة المؤتمر. وقد سمعت من مسؤول حكومي سابق أن إيرادات الدولة توجه بالتساوي للإنفاق الحكومي ولأغراض يتولاها صاحب الأمر. ومن غير شك أن جزءاً غير يسير منها يدخل في حسابات المؤتمر، وترصد منه مخصصات لاستثمارات أكثرها في الخارج. ولم أتحقق إن كان هذا النصف يشمل وفورات الموازنة العامة وبالذات وفورات السفارات اليمنية في الخارج غير ما كان يحصّل بشكل إتاوات من الشركات ورجال الأعمال غير العقارات الحكومية التي ملكت للمؤتمر، حتى مخصصات التدريب في بعض الشركات العامة كان يجري سحبها وكانت بملايين الدولارات في المؤسسات النفطية، وإذ كان يحرص على توفير المال فمن باب أولى فإنه اهتم بادخار السلاح. إن هذه القوى الثلاث تخوض الآن حروباً أتعفف عن استخدام الكلمة التي تصفها، والمشكلة أن كل واحدة منها تدرك عجزها عن تحقيق انتصار يبقي على اليمن موحداً تحت حكمها، وربما اعتقد الإصلاح بعد إسقاط صالح أنه - بوضع يده على جزء من السلطة - يستطيع أن يمد نفوذه للقبض عليها كاملة من خلال تواجده في المؤسسة العسكرية والأمنية ومن انتشاره التنظيمي وتحالفه مع الشيوخ والقبائل، وقد عمل منذ تولي حكومة الوفاق على ثلاثة محاور؛ أولها السيطرة الكاملة على ما تتولاه عناصره في الجهاز الإداري للدولة وبينها جهاز الشرطة، وثانيها إحكام الحصار على الرئيس عبدربه منصور هادي لتوجيه السياسة العامة للدولة وفق أهوائه وأغراضه، والثالثة الاستفادة من حضوره في الشارع لتعزيز نفوذ علي محسن وتأثيره في إكمال الاستيلاء على القوات المسلحة، غير أنه في الأيام الأخيرة تلقى ضربات قاتلة تسببتها عقم سياساته؛ فقد خسر على الصعيد الشعبي بما لم يكن في الحسبان ولكن خسرانه الكبير كان في الصدام المسلح مع جماعة الحوثي التي ألحقت به هزائم ماحقة في دماج وكتاف وفي معقل قياداته في حاشد، وأخيراً فضيحة عمران التي انتهت بسيطرة الحوثي على اللواء 310 مدرع، والاستيلاء على عتاد كبير هُرّب من الفرقة الأولى. لقد حاول أن يجر الجيش إلى حرب مع الحوثيين في ظرف لم تكن قيادة الدولة ترغب بتوسيع جبهات المعارك السياسية والعسكرية، وبينما تحرز تقدماً في الحوار مع قادة الحراك الجنوبي عمل الإصلاح على إشعال الجبهة الشمالية، وفي حين يتعقب الجيش فلول القاعدة في شبوة أراد تخفيف الضغط عليها بإثارة حرب انتهت بكارثة. وليس أسوأ من تمرد حميد القشيبي على قرارات الرئيس وأوامر وزير الدفاع ليضع القوة التي يقودها في خدمة الحزب ثم يكشف عن ضعف كفاءة أدت إلى تلك النهاية المأساوية. إحدى مشكلات الإخوان في كل مكان هي التذاكي، ولقد كانوا هنا في الجبهة المقابلة للحوثي يبالغون في التشدد ويحاولون إملاء شروطهم ثم لا يملوا عن القول عند الضعف إنهم ليسوا طرفاً في الحرب، كما لو أن مهمتهم توريط الدولة في حروب يقررونها ويختارون زمانها ومكانها. ولذلك لحقت ضربة الحوثي صفعة أخرى وجهها الرئيس لإجراء تغييرات في القيادات العسكرية أضعفت رجلهم الأول في القوات المسلحة اللواء علي محسن، وإن صار محتماً أن تواجه الدولة خطر الحوثي فهي تحرص على أن لا يعبث الإصلاح بقرارها. من أجل هذا عززت التغييرات بقرار تولي نائب وزير الداخلية مسؤولية الإشراف على الأمن في العاصمة ومحافظة صنعاء؛ لكي لا يستثمر الوزير افتعال مشاكل تفجر الوضع في أية لحظة.أمام الضعف السياسي للإصلاح يظهر الحوثيون كفاءة لافتة، لكن خطر الاثنين مازال ماثلاً ومعززاً بخطر ثالث يمثله الرئيس السابق المتحالف مع جماعة الحوثي، فما الذي سيكون، وأين دور القوى الأخرى، وما هو تأثير القوى الخارجية، ثم ما الذي تريده؟ وإلى أين من هنا؟.