لو صحَّ ما نُسب لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلنتون، عن دعم بلادها لإرهابيي جماعة داعش في العراق وغيرها، لتسيطر على المنطقة من خلالهم، فالخبر المستقى من كتاب ألَّفته ونشرته مؤخراً، خبر جديد، وصادم، ويرينا أن أمريكا مستعدة للتعامل مع أبشع جماعة في التاريخ لتحقيق أهداف سياساتها النفعية.. لكن دعونا ندقِّق في الذي قيل، إذ المعروف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت تراهن على جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق مشروعها الكبير، حين تصوروا لها أنهم معتدلون، وأنهم عندما يحكمون سيكبحون الإرهاب الإسلامي! فأدركت في النهاية أنهم خدعوها، وبتعبير كيري: دعمناهم فخيَّبوا أملنا. المشروع الأمريكي في العراق فشِل منذ 2003، وكان يُراد منه أن يكون أنموذجاً ناجحاً، ليعمَّم بعد ذلك، كما لم تستطع تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد بسبب عدم وجود قوى محلية تحمل المشروع، إذ كانت الأنظمة العربية المراد التخلص منها لا تزال قوية، وأشبه ما تكون بجبهة ممانعة، ولم تستجب للضغوط الخارجية بشأن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وبعد أن يئست الولاياتالمتحدة من تحقيق مشروعها حاولت تجريب أداة بديلة للتغيير الذي تريده، وهذا البديل هو جماعات العمل الإسلامي، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون.. وقد بدأت الاتصالات الأمريكية مع الجماعة الأم وفروعها في بعض البلدان العربية منذ نحو عشر سنوات، وكان الإخوان يقدمون أنفسهم بوصفهم القوة البديلة التي لم تُجرَّب بعد، والتزموا بإقامة حكم ديمقراطي، ودولة المواطنة المتساوية، ووعدوا بتبني سياسات اقتصادية منفتحة، ولكي يزيلوا المخاوف الأمريكية والغربية التي رسَّختها تجربتهم الطويلة المتَّسمة بالعنف، والتمييز والإقصاء وكراهة الآخر، أكدوا لأمريكا والأوربيين أنهم سيكونون حماة الحريات الدينية، ومطبقي الديمقراطية، وأنه لا مانع لديهم من أن يكون رئيس الدولة غير مسلم. لقد تمكَّن الإخوان من خداع الجميع، حيث حشدت أمريكا إلى جانبهم منظمات دولية وإقليمية ومحلية، وناشطين، ووسائل تأثير، وقدَّمت لهم ما يكفي من الدعم عن طريقها وعن طريق دول عربية وإقليمية معروفة لإسقاط الأنظمة العربية.. وفي النهاية أصيبت الولاياتالمتحدة بخيبة أمل، إذ تبيَّن لها أن تطبيقات هذا البديل كانت متخلِّفة وفاشية وفاشلة وتتعارض مع المساواة والمواطنة، فسقط هذا البديل في مصر، ويسير في أماكن أخرى مثل سوريا وليبيا في نفس الطريق. بات من المؤكد أن تقديرات الأمريكيين حول الإخوان خابت، ودعمها لهم أوجد إخواناً إرهابيين خُلَّص، تمثِّل جماعات الدواعش أبرز صورهم.. فهل هذا البديل المطوَّر مطلوب للأمريكيين، لتدمير البلاد العربية نهائياً؟