عندما اردج البرلمان قبل اشهر قانون الإنتخابات عارف الدوش في جدول اعماله، التقى أمناء عموم احزاب المعارضة بفخامة الرئيس علي عبد الله صالح الذي منح الحوار فرصة أخرى من أجل المصلحة الوطنية العليا لعل وعسى ذلك يسمح بالوصول الى إجراء انتخابات برلمانية في أجواء هادئة، فاستبشر الناس خيراً بنجاح الحوار والتوصل الى توافق سياسي يخفف من حالة الإحتقان ويسير الجميع الى انتخابات هادئة والحكم بينهم صندوق الإقتراع، لكن بإقرار البرلمان أمس الأول السبت تعديلات قانون الانتخابات التي كان الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة قد اتفقت عليها في 2008م وإضافة مادة انتقالية تعتبر جداول الناخبين الحالية نهائية ويعتمد عليها لإجراء الانتخابات البرلمانية في 27 إبريل المقبل ينفض "مولد" الحوار والإتهامات المتبادلة بين النخب السياسية -سلطة ومعارضة- حول من كان سبب العراقيل التي أفشلت الحوار وتضيع الفرصة التي كان قد منحها فخامة الرئيس للمتحاورين، وأصبح في حكم المؤكد أن البلاد سايرة الى انتخابات برلمانية في موعدها المحدد 27 أبريل 2011م شاركت المعارضة أو قاطعت. وقد كان واضحاً من مجريات الحوار واللجان التي تشكلت بالمئات أن أزمة الحوار قائمة في النخب السياسية وأنها لن تصل الى توافق سياسي وبات معلوماً لدى الجميع ان الحزب الحاكم لم يعد لديه استعداد للدخول في صفقة جديدة تؤدي الى تمديد البرلمان مرة أخرى كما حصل في اتفاق فبراير 2009م، ولهذا كان فخامة الرئيس واضحاً في كلمته أمام منتسبي معسكر بدر في عدن بأن الاستحاق الدستوري في 27 ابريل القادم لا يمكن تجاوزه باعتبار ان البلاد ستدخل فراغا دستوريا بعد هذا التاريخ، وأن إجراء الإنتخابات أمر مفروغ منه سواء شاركت المعارضة ام قاطعت؛ لأن ذلك يتعلق بشرعية الدولة والنظام سلطة ومعارضة. وإذا كان العديد من العقلاء في الحزب الحاكم والمعارضة خلال الفترة الماضية قد أكدوا على ضرورة التوافق السياسي والوصول الى إجراء الإنتخابات البرلمانية في أجواء هادئة، فإن معضلة الحوار الرئيسية تتلخص بإجراء إصلاحات سياسية وتعديلات دستورية جذرية حول شكل الحكم ونوعه رئاسياً أو برلمانياً، وحول النظام الانتخابي فردياً أو بالقائمة النسبية أو مزدوجاً بين الاثنين، وأضيف إليها اشتراطات أخرى مثل الإفراج عن المعتقلين في إحداث صعدة والحراك الجنوبي ومشاركة المكونات الجديدة في الساحة مثل الحوثيين والحراك وهذا كله لا يمكن أن يتم خلال ما تبقى من وقت الى 27 إبريل القادم رغم تصريحات بعض قيادات المعارضة بأن الوقت كافٍ لإنجاز ذلك مع أن الأمر يحتاج الى وقت أطول. وهناك إشارات ودعوات من قبل بعض قادة المعارضة تتحدث عن تأجيل الإنتخابات مرة أخرى بطريقة التوافق عن طريق اتفاق جديد لتسوية الملعب السياسي باعتبار أن القضايا المطروحة للنقاش تحتاج لفترة انتقالية، لكن هذا الأمر يبدو محسوماً بأنه لا تأجيل مرة أخرى باتفاق.
ومن المتعارف عليه في التجارب الديمقراطية على مستوى العالم أن الأحزاب الحاكمة هي التي تطالب بتأجيل الإنتخابات، وأحزاب المعارضة دائماً وأبداً تدعو الى إجراء الإنتخابات في موعدها وتشدد على ذلك بل وتطالب بانتخابات مبكرة لأنها تبني دعواتها تلك على قدرتها باكتساح الأحزاب الحاكمة في الانتخابات التي ترفض تأجيلها، إلا في المشهد السياسي اليمني الأمر معكوس تماماً فأحزاب المعارضة هي التي تطالب بتأجيل الإنتخابات وهنا يصبح المشهد السياسي اليمني غير قابل لإدراك مبهماته من قبل المتابع والمراقب نظراً لاختلاط الكثير من أوراقه السياسية، وتبدو مجريات الأمور في سياق ذلك المشهد وكأنها طلاسم وألغاز تحتاج الى خبراء على قدرعال من الذكاء لإدراكها. وقد قلنا أكثر من مرة، وقال الكثير من الكتاب والمحللين، انه لا يوجد حزب حاكم ولا دولة في العالم كله تسمح بتسليم رقبتها للمعارضة من خلال التخلي عن شرعيتها الدستورية والسماح بدخول البلاد في فراغ دستوري؛ لأن اتفاق فبراير 2009م كان فعلاً غلطة تم ارتكابها لان المواقف التي حدثت بعده لم تفض الى ما كان مطلوباً منه إنجازه بل زادت عدم الجدية وأضيفت نقاط وشروط جديدة الى الاتفاق واختلف المتحاورون على تفسير نقاط الإتفاق مع أنها واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، وأثبتت الوقائع أن هناك تمترسا خلف المواقف بهدف إضاعة الوقت والوصول الى تأجيل جديد للانتخابات بشروط جديدة تتجاوز اتفاق فبراير وما تلاه من اتفاقات حول الآليات التنفيذية أو إيصال البلاد إلى الفراغ الدستوري والمساس بشرعية النظام والدولة. ويذكرنا تمسك طرفي الحوار- الحزب الحاكم والمعارضة – بوجهتي نظرهما بقصة التمسك بتنفيذ السطر الأول أوالبند الأول والإصرار عليه قبل حرب صيف 94 المشؤومة الذي أدى في النهاية الى الحرب وخراب مالطة وخسارة كبيرة تعرضت لها البلاد والعباد وما لحق ذلك من تداعيات تعاني منها اليمن حتى اليوم.
وختاماً أصبح المهم الآن المحافظة على الشرعية الدستورية بإجراء الانتخابات في ال27 ابريل القادم بمن حضر سواء شاركت المعارضة أم لم تشارك أو التوصل، فيما بقي من وقت الى توافق سياسي وتحديد فترة زمنية للتنفيذ؛ لأن غير ذلك معناه دخول البلاد في المجهول في حالة الوصول الى الفراغ الدستوري فلا ستبقى سلطة ولا حزب حاكم ولا معارضة وأنياب ومخالب التفتيت جاهزة والسيناريوهات معدة وكله لصالح تجزئة المجزأ، ولنا في الصومال الذي بدأت محنته المستمرة بتدمير البرلمان والقضاء على الشرعية الدستورية وفي العراق الذي انتقل من أقوى دولة في المنطقة الى دولة ممزقة عبرة فهل من معتبر؟