في السودان تجرى غدا عملية الاستفتاء في جنوبه على خيار بين انفصاله وبين الوحدة مع شماله. * في النظرة العامة يبدو الاستفتاء عملية إجرائية ترتبط بما عرف اتفاق السلام الذي قام بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وبين الحكومة السودانية. وأن القيام بهذه العملية يضع نهاية للفترة الانتقالية التي حددها اتفاق السلام، وهي كانت ست سنوات. والمفترض أن تكون المسائل المثارة في هذه اللحظة تتعلق بسير عملية الاستفتاء وإجرائها في أجواء تمكّن المواطنين الذين لهم حق التصويت من مُمارسة حقهم وأن يكون التركيز على ضمان الاستفتاء بنزاهة وشفافية. وأن يُعاد التأكيد من قبل طرفي الاتفاق على القبول والتسليم بنتائج الاستفتاء طالما جرى في أجواء صحية، ومن مسؤولية الطرفين وفق الاتفاق الدفع بالعملية في اتجاه الوحدة في شمال السودان وجنوبه. * غير أن ما سيجرى غدا في السودان لا يدخل في سياق هذه العملية المفترضة، هي تجرى تحت مظلة الاتفاق الذي جرى، لكن طرفي الاتفاق استبدلا مسؤولياتهما والأهداف التي رسمت لتحققها في الفترة الانتقالية استبدلاها بالتقاسم ولاستئثار على وضع البلاد والعباد في شمال السودان وجنوبه.. وعلى هذا التقاسم كان الانفصال قائما وتداعى ليصير دائما. ودونما الخوض فيما وفّره هذا الوضع من مناخ أمام الأوساط والأطراف اللاعبة والمتلاعبة بهذا البلد ومصيره، من المناسب القول إن الاستفتاء الذي سيجرى غدا في جنوب السودان هو الأول الذي يتأخر عن نتائجه، هو في أي حال حصيلة ما كانت عليه الفترة الانتقالية المهدورة. * السودان لم يعد مطروحا على ما بعد الاستفتاء.. بل على ما بعد الانفصال جنوبه عن شماله. القضايا التي تطرح نفسها ومنذ الآن عديدة وأولوياتها تعايش الدولتين الذي يتوقف عليه المستقبل وهذا رهن تفاهمات ترسي قواعد راسخة للثقة والتعامل دون تأجيل ولا تسرع في ذات الوقت مع قضايا الحدود والثروات والمواطنين السودانيين الجنوبيين المقيمين في الشمال والشماليين المقيمين في الجنوب لسد الثغرات وإغلاق الأبواب والنوافذ أمام استغلال هذه القضايا لإعادة إنتاج الحرب في السودان بين شماله وجنوبه. * ما هو جدير بالإشارة، على العرب حكاما ومواطنين سلطات ومعارضة وأصحاب الأموال وقبل وبعد جامعة الدول العربية مغادرة حالة انتظار إلى أين سيذهب السودان بعد انفصال جنوبه عن شماله؟ لأن ما جرى جاء من هذا الانتظار أيضا والمفتوح على الضياع عينه والوقت لم ينته والفرص لا زالت أمام التواصل ومد الجسور بين أبناء السودان شماله وجنوبه.