في الوقت الذي شهدت فيه الأسواق العالمية ضخاً لكميات كبيرة من السيولة خلال أزمة "الديون السيادية وحرب العملات" لتحفيزها على النمو، أكد خبير مالى أن التحدي الكبير يتمثل في اعادة هذه السيولة لارصدة البنوك الأوروبية المركزية وهو مايمكن وصفه بانه "الاختبار الرئيسي للاقتصاد العالمي حاليا"، محذراً من الاخطار التي من الممكن أن تتبع الأزمة المالية العالمية في السنوات المقبلة نتيجة للتوقعات غير المدروسة للمخاطر لاسيما في العام الحالي. وقال جورج ريشاني، رئيس مجموعة الاستثمارات في بنك الكويت الوطني خلال ندوة اقامها البنك ان الازمة المالية تجلت في عام 2008 في أزمة "الرهن العقاري" في الولاياتالمتحدةالامريكية بينما تمثلت في عام 2009 بأزمة "الائتمان" في حين كانت الأزمة في 2010 متمثلة في ازمة "الديون السيادية وحرب العملات"، متوقعاً أن تستمر أزمة الديون السيادية في أوروبا خلال العام الحالي 2011، إضافة إلى مشاكل أخرى في البنوك الأوروبية. وأضاف ريشاني أن الأزمة المالية العالمية الاخيرة ليست استثنائية انما التاريخ لابد وان يعيد نفسه بسبب الطبيعة البشرية المتمثلة بالجشع والخوف، مشيراً إلى أن الأسواق العالمية ولاسيما اسواق العملات تأثرت جدياً بهذين العاملين خلال الاعوام الثلاثة الماضية رغم أن الازمة الحالية ساهمت في تحسين المعرفة الاقتصادية وزيادة الادوات في توقع المخاطر. وأشارت شبكة "بلوم برج" الاخبارية إلى أن لعنة الديون السيادية هددت في أحد مراحلها بانهيار العملة الأوربية في الوقت الذي تعرضت فيه كل من ايرلندا واليونان لمخاطر الإفلاس ، كما انه حتى بعد تلقي تلك الدولتين برنامج إنقاذ سريع في إطار دولي ، رجحت بعض التقديرات إمكانية احتياج البرتغال هي الأخرى لمساعدات بجانب أيضا اسبانيا. وأوضح التقرير أن البنك المركزي الأوروبي يخوض مهمة شاقة في مواجهة أسوا فترة ركود تمر بها اقتصاديات منطقة اليورو في ظل أزمة الديون السيادية التي أفقدت العملة الموحدة قرابة ال 9 % من قيمتها مقابل الدولار خلال العام 2010 . ويبدو إن الأمر قد يتطلب من واضعي السياسة النقدية في أوروبا المزيد من عمليات خفض أسعار الفائدة على اليورو للوصول بها لمستويات قياسية في أطار إجراءات الحد من تأثيرات أزمة الديون وتفاقم عجز الميزانيات التي تواجه بعض دول منطقة اليورو . وعن التوقعات الاقتصادية، قال ريشاني انها تعتمد بصورة رئيسية على الوقت والاسواق حيث ان الازمة اظهرت ان "الاحداث السلبية في الاسواق تجلب تداعيات سلبية والاحداث الايجابية تجلب تداعيات ايجابية"، مبينا ان الاسواق العالمية شهدت تقلبات كبيرة جدا خلال الفترة الماضية. وأشار إلى أن الاسواق العالمية تعلمت الكثير من الازمة حيث وجدت ان المخاطر المالية مشتتة ولا تقبع في مكان واحد وان هناك ترابط بين الاصول وان استراتيجية التنوع بالاستثمار لا يحمي المستثمرين خلال الازمات مما يلزمهم "بمعرفة متى يدخلون السوق ومتى يخرجون منه". وأوضح ريشاني في كلمته التى أوردتها وكالة الأنباء الكويتية "كونا" أن الاسواق العالمية شهدت ضخا لكميات كبيرة من السيولة خلال فترة الازمة لتحفيزها على النمو، معتبراً أن التحدي الكبير يتمثل في اعادة هذه السيولة لارصدة البنوك المركزية وهو مايمكن وصفه بانه "الاختبار الرئيسي للاقتصاد العالمي حاليا". وتطرق الى التباين في اداء الاسواق العالمية بين الولاياتالمتحدةالامريكية والاتحاد الاوروبي والاسواق الناشئة مبينا انه فيما تعاني اوروبا والولاياتالمتحدة من صعوبات اقتصادية تشهد الاسواق الناشئة طفرة اقتصادية كبيرة لاسيما الارتفاع في قيمة اصول هذه البلدان وارتفاع اسعار الفائدة فيها. واوضح ان الاسواق الناشئة ساهمت في استقرار الاسواق العالمية نسبيا لاسيما مع احتفاظ الصين باحتياطي ضخم من الدولارات الامريكية اضافة الى استثماراتها الكبيرة في سوق الولاياتالمتحدة من خلال السندات الحكومية. وبالنسبة للاقتصاد الامريكي، قلل الخبير المالي من اهمية البيانات الايجابية الصادرة مؤخرا عن الاقتصاد الامريكي موضحا ان الدولار الامريكي خسر حوالي 28% من قيمته خلال السنوات العشر الماضية في حين خسر اليورو 6.6 من قيمته خلال العام الماضي فقط متوقعا ان يكون وضع الدولار قويا في حال تحمل الولايت المتحدة للمزيد من المخاطر في ظل المشاكل التي تعصف بمنطقة اليورو. اما بالنسبة للاقتصاد الاوروبي توقع ريشاني ان تستمر تداعيات ازمة الديون السيادية في منطقة اليورو مشبها اياها "بالدومينو" لاسيما بعد اعلان ايرلندا واليونان عن حاجتهمها لخطة انقاذ من الاتحاد الاوروبي، مشيراً إلى أن تداعيات ازمة الديون السيادية قد تصل لكل من اسبانيا والبرتغال وايطاليا.
واشار ريشاني الى عدم وجود استثمارات خالية من المخاطر بصورة مطلقة في الفترة المقبلة بعد ان طالت الازمة المالية السندات حكومية للدول مؤكدا في الوقت نفسه ان الفضل في استقرار الاقتصاد الاوروبي واليورو على حد سواء يعود بالدرجة الاولى الى المانيا رغم المعارضة الكبيرة التي تلاقيها من الداخل.
واكد ان الدور الالماني لانقاذ منطقة الاتحاد الاوروبي وعملتها سيعزز من نفوذ المانيا مستقبلا لافتا الى ان اعتماد بعض الدول الاوروبية على اليورو قيد السياسات النقدية لهذه الدول في مواجهة الازمة المالية لعدم وجود مؤسسات مالية قادرة على اتخاذ مثل هذه السياسات على الصعيد الاوروبي ككل "كوزارة مالية واحدة".
ويشير أحد الخبراء إلى إن البنك المركزي قد أوضح إن الأزمة الراهنة يتطلب الأمر علاجها من خلال الحكومات ، غير انه مع عدم سرعة التحرك سيظل لدى البنك شعور بضرورة التدخل ، كما إن التحدي الذي ينتظر الرئيس القادم للبنك المركزي الأوروبي خلفا لجين كلود تريشيه ، يتمثل في العمل على تشكيل منطقة اليورو لتكون كيانا ماليا واقتصاديا أكثر تماسكا . وقد توقع البنك المركزي الأوربي في وقت سابق تباطؤ النمو على مستوى دول منطقة اليورو في 2011 إلى 1.4 % مقارنة بتقديرات النمو للعام الحالي التي تبلغ 1.7 % ، كما توقع ارتفاع التضخم إلى 1.8 % مقابل 1.6 % في العام الحالي ، غير إن ذلك المعدل المتوقع مازال في حدود اقل من المستوى المستهدف والمسموح به .