كان العرب قديما يقولون: "السعيد من وعظ بغيره". وأتذكر هنا مقولة رائعة للأخ رئيس الجمهورية: "لنحلق لأنفسنا قبل أن يحلق لنا الغير". وكان المقصود ب"الغير" هنا هو الخارج، كما حدث في العراق؛ لكن المقص كما يبدو لم يعد في أيدي الأميركيين بعد ورطة العراق تلك الورطة التي لخصتها عبارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: "لقد فتحنا أبواب جهنم في العراق، ولكننا وقفنا عاجزين عن إغلاقها". الموقف الأميركي من الأحداث في تونس كان مفاجأة من العيار الثقيل للمسؤولين العرب، حيث بدت الإدارة الأميركية وكأنها تشجع الشعوب على الثورة والتغيير، وهو موقف عملي بالنسبة لرؤيتهم الاستراتيجية التي عبروا عنها من خلال تسريب وثائق "ويكليكس" بشكل غير مباشر، وعبر تصريحات هيلاري كلينتون بشكل مباشر؛ فالحاكم الذي يخسر شعبه يصبح مجرد "فرد" في جميع الحسابات الإقليمية والدولية، حتى في حسابات المنتفعين وأصحاب المصالح والمقربين منه؛ لأن مصلحتهم تتحول إلى الاستفادة من المد الجماهيري لتحقيق منافع أكبر، وبالتالي فأفضل وسيلة يلجأ إليها الحاكم هو كسب شعبه. والتاريخ يذكر هنا أن فقراء الشعب الفنزويلي كانوا سببا في بقاء تشافيز في كرسي الحكم. أحداث تونس الأخيرة لا تخلو من الطرافة، فهي من ناحية قطعت الطريق على الكثير من الحكومات العربية التي كانت قد أضمرت النية لرفع الأسعار وملاحقة الديمقراطية وشد عضل حرية الكلمة. لكن ثورة البوعزيزي المباركة وصدمة الهروب المخجل ل"زين الهاربين" جعلت تلك الحكومات هادئة وقورة وكأن على رأسها الطير، فوجدنا الحكومة التي تلغي إجراءات رفع أسعار كانت قد اتخذتها ووجدنا شعوبا تحظى بكرامات ديمقراطية مفاجئة لم تكن تعهدها من قبل وآخرون يمنحون شعوبهم تصاريح مجانية لإصدار صحف. صاحب البوفيه الذي كان يواجه صعوبة في استخراج رخصة البلدية صار بإمكانه الحصول على تصريح لإصدار صحيفة سياسية، ولو حب يعمل له حزب ما فيش مانع!! حكومات أخرى ارتسمت على وجوهها ابتسامة عريضة أمام شعوبها بطريقة لم تكن مألوفة من قبل، ولسان حالها يقول: "شعبي العزيز، وأنا فدى روحك، لموه تحرق نفسك؟ ما بش حاجة تستاهل، ايش تشتي وانا فدى نخسك، الجرعة؟ أبوها! رفع الدعم؟ بطلناه! تشتي تلعب العب، تشتي تكتبت اكتب، تشتي تسوي لك صحيفة سوي... ووعد مني أبزك كل خميس وجمعة الحديقة". باقي احنا منتظرين حكومتنا تبدي علينا ولو بكلمة على سبيل جبر الخاطر كأن تقول: "تخزينة الخميس والجمعة علينا".