كثرت الأحاديث مؤخراً عن التعصب الديني وصُناعه، وكثرت التصريحات ومحاولة إيجاد الحلول لنزع فتيل انفجار المواقف..وكثرت أصابع الاتهام والتحليل والتسليم بحقائق وهمية ليست بعيدة كل البعد عن "حقيقة" واحده غبية وهي استمرار تبني العقل العربي لنظرية المؤامرة "شماعة الخيبات". هل هو غائب عن ثقافتنا مفهوم وأدب الاختلاف في الرأي؟! أدب التعامل الأخلاقي مع الآخر.. ليس من الغريب أن يكون البشر مختلفين في العقائد والتقاليد والأفكار والمعتقدات، لكن الغريب هنا هو محاولة البعض اختزالنا في فكر واحد ومعتقد واحد ونية واحده واحتكار الحقائق لهم وحدهم! منذ أيام كنت قد بدأت قراءة رواية شدني جداً عنوانها - ولا أخفيكم عادتي في اختيار ما أقرأ:العنوان فقط - فالكاتبة عربية، موصوفة بأنها صانعة أفكار يقدرها العالم كله!! وبالطبع فقد زينت الرواية بعنوان لا يخلو من زركشات زائفة أوحت لي بالنور، لكنه سرعان ما لبث أن أصبح هذا الإحساس كالغبار المتطاير ضاحكاً بسخرية في وجهي!. الفصول الأولى للرواية لا تخلو من التهكم الشديد والغير مبرر على المسلمين ابتداء من نعتها النساء المسلمات بالجواري في معاملتهن لأزواجهن، وهو الأمر الذي يصيبك معها بالغثيان ! .. مسهبة في وصفها رجال المسلمين بمن لا يكتفون بما لديهم من أبناء، وبالتالي من خلال ما تفضلت به أصل لنتيجة هامة غابت عن ذهن الكاتبة على ما يبدو .. وهي "أن الرجال من المسلمين من أهم عوامل الإنفجار السكاني العالمي !". لم تتوانى الكاتبة في إبداء شكها السخيف من الأثر "السيئ" لصداقة ابنها الصغير مع الابنة الصغرى لجارتهم العائلة المسلمة .. فهي كما ذكرت طفلة جل اهتمامها تعلم فنون الرقص الشرقي ! أستغرب جدا ًمن هذا الفكر أو المرض فلا أعرف في أي خانة يوضع ما يصاب به من يسمّوا بالمثقفين والمفكرين، والحاملين على عاتقهم إعادة تشكيل نظرتي والأخر للعالم من حولنا .. التفاصيل قد تبدو صغيرة جدا ًولكنها تحمل في ثناياها الغباء والسذاجة .. وحملت لي الإندهاش الكبير . كنت قد بدأت العام بالتفاؤل العارم.. ظنننت أن بإمكاننا دائماً أن ندخر بعضاً من الأمل للمواجهة .. وقدم العام في جعبته الألم .. أحداث الإسكندرية جريمة منكرة نالت من مسجد وكنيسة ومن مسلمين ومسيحيين تواجدو في نفس المنطقة .. فاختيار المكان والزمان لم يكن عبثاً، واليوم جريمة أخرى نالت من قبطي وجرح خمسة آخرين في محطة قطار. بوادر ما كنا على شفير مواجهته من نزاع طائفي في اليمن بين سنة وشيعة في صورة جديده غير مألوفة لنا كيمنيين كادت تودي بنا للسقوط في هذا المستنقع، وأثبتنا أن كل من ينادي بصراع من هذا النوع هو منبوذ منبوذ . أسئلة أطرحها وأعلم مسبقا ًأن لا جواب مقنع تماماً، ما هو مصدر هذه الثقافة التعصبية؟ وانتشار هذا الفكر الإسلامي الراديكالي المتطرف؟ وكيف لنا أن نحد من طغيان أفكار تيار المحافظين الجدد على السياسة الخارجية والإعلام الأمريكي خاصة عقب أحداث 11 من سبتمبر.. وانقياد الكثير من غير المسلمين حول العالم له؟ هل يمكن أن نبني جسراً لعبور هذه الهوة المخيفة بين الجانبين؟! وما الدور الذي يجب أن نقوم به لنعزز قيم التسامح والتعايش والعثور على الأجزاء الناقصة وخلق نوع من التوزان للمفاهيم السلبية التي تم تلقينها لنا؟ فعدم المعرفة تعطي سياقاً غير مكتمل للتفكير. أردت هنا استحضار ما توصل إليه الخليفة المأمون حين قال أن العقل والدين أمران لا ينفصلان أحدهما عن الأخر وأن إتاحة قدر من الحرية والفكر وإطلاق العنان للإبداع الإنساني بوسعه أن يفعل المعجزات بما فيها إحلال السلم. الأكيد أن الاختلاف ضرورة نفعية وصحية للمجتمعات، وأدب الاختلاف في الرأي هو من أساسيات الرقي الإنساني وأحد الدعائم الرئيسية الواجب الاتكاء عليها.. هذا الاختلاف غير خاضع لإرادة البشر بقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين). كل القتلة لا دين ولا مذهب لهم ولو أدّعوا خلاف ذلك، فهل حان الوقت كي نقوم بكسر هذه الشماعة المطلق عليها عناصر خارجية (من الفضاء !) والتي نعلق عليها أسباب كل ما يجري وما يحل بنا. إن ما حدث في اليمن ويحدث في العراق واليوم في مصر ما هو إلا استهداف للعرب كل العرب مسلمين ومسيحيين .. ضحاياه وقود يغذي العنف والتطرف، واستثمار رابح للأجواء المشحونة. إن محاولة تصعيد الخلاف وتوسيعه هي من الأمور التي اعتبرها في حكم السذاجة المطلقة فهي لا تثمر إلا بالخراب، والخلط ما بين التفكير والتكفير هو الجهل بعينه، والقول "نحن أصحاب الحقيقة المطلقة والجلية" ورمي الغير بنيران أشعلناها بأنفسنا والإنحسار لتبني النظريات فقط ما هو إلا العجز معرفاً، وبه سيبقى العالم من حولنا أبدا ًدوامة من المؤامرات تجرنا معها للغرق.