دانت لجنة لتقصي الحقائق، أداء صندوق النقد الدولي، مبرزة فشله في رصد أزمة المال العالمية وتحذير دوله الأعضاء من آثارها الكارثية التي بلغت كلفة مواجهتها، بحسب تقديرات المؤسسة الدولية ذاتها، 12 تريليون دولار، ما يزيد على 20 في المئة من الناتج العالمي. وشملت الإدانة التي لا سابق لها، عمل الصندوق على إرضاء الدول الكبرى وتغليب مصالحها على حساب النظام المالي والاقتصاد العالميين. وأعلن مدير «مكتب التقويم المستقل» في صندوق النقد موسى شوارتز ملخصاً سنتين من عمل لجنة التقصي، التي شكلها لدرس أداء المؤسسة الدولية في فترة مخاض أزمة المال (2004 إلى 2007)، أن «الصندوق أصدر القليل من التحذيرات الواضحة حول الأخطار ومكامن الضعف المرتبطة بالأزمة قبل انفجارها في منتصف عام 2007». وعزا فشل الصندوق في أداء مهمته الأكثر خطورة، المتمثلة في التحذير من الأخطار التي تهدد الاقتصاد العالمي، إلى «ثقته المفرطة في متانة المؤسسات المالية الكبرى ومرونتها وتبني ممارسات المراكز المالية الرئيسة، إضافة إلى التقليل من الأخطار المرتبطة بالطفرات العقارية والمشتقات المالية المبتكرة، وما تتطلبه من تعزيز القواعد والنظم المالية لمعالجتها». ولاحظ شوارتز أن صندوق النقد الذي اعتمد في منهجه على استبعاد احتمال نشوب أزمات مالية خطيرة في الاقتصادات المتقدمة الكبرى، اتخذ في الآونة الأخيرة «بعض الخطوات» لتحسين دوره الرقابي، مشدداً في الوقت ذاته على الحاجة إلى «مزيد من التغييرات لإصلاح منهجه وحوكمته وممارساته بهدف تحسين جاهزيته لمواجهة التحديات المستقبلية». لكن لجنة التقصي التي نشرت تقريرها أمس، بعد مناقشته في مجلس المديرين التنفيذيين نهاية الشهر الماضي، أوضحت أن فشل صندوق النقد في أدائه لا يعود إلى قصور في المنهج والحوكمة والممارسات فحسب، بل إلى وجود «بعد سياسي» يفرض ذاته بقوة على خبراء المؤسسة وما ينتجونه من تقارير وتحليلات واستنتاجات وتوصيات، ويترجم في «بعض الحالات» إلى إرضاء الدول الكبرى وتغليب مصالحها على حساب النظام المالي والاقتصاد العالميين.
وكشف التقرير، أن خبراء الصندوق يتلقون مطالب من الدول الكبرى الأعضاء بتغيير استنتاجاتهم وتوصياتهم أو استبدال أعضاء معينين في بعثاتهم، ويتعرضون كذلك لضغوط سياسية تضطرهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية، فيما يحررونهم من تقارير تجعلهم أقل قدرة على «قول الحقيقة للسلطات».
وأوضحت اللجنة أن الضغوط السياسية تختلف في شدتها باختلاف الدول (الكبرى)، وقالت إن «الولاياتالمتحدة على سبيل المثال لا تمارس ضغوطاً ظاهرة لدفع خبراء الصندوق على تغيير استنتاجاتهم، بينما تتعامل الدول الكبرى الأخرى بيد ثقيلة مع الاستنتاجات الحساسة جداً»، مشيرة إلى أن ذلك يعزز «الاعتقاد السائد لدى حكومات بأن الصندوق لا يتعامل مع دوله الأعضاء على قدم المساواة، خصوصاً أن خبراءه لا يجدون صعوبة في عرض استنتاجاتهم على الدول النامية مهما بلغت حساسيتها.
وأكد التقرير ممارسة الدول الكبرى ضغوطاً لدفع صندوق النقد على تنبي مبادرات خدمت مصالحها، لكنها شغلت المؤسسة عن أداء مهماتها، بينما الأزمة المالية في طور التشكل.
وأشار إلى أن إحدى هذه المبادرات تمثلت في تبني الصندوق عام 2007 قرار «الرقابة الثنائية»، الذي نقل اهتمام الخبراء، إلى درس مسألة أسعار الصرف مكثفاً تركيز المؤسسة الدولية على قضية الاختلال المالي العالمي. أما الثانية فجاءت في العام التالي على شكل مبادرة تقشفية فرضت على الصندوق خفض نفقاته وكادره الإداري والبحثي.
إلا أن لجنة التقصي لم تعف الصندوق من المسؤولية عن فشله في رصد أزمة المال، وتحذير الدول التي شكلت مركز انطلاقها وكذلك الدول الأعضاء، من أخطار المشتقات المالية المبتكرة وفق الأصول والطفرات العقارية. ولامت «الصندوق لأنه أمضى معظم فترة المخاض في لفت انتباه دوله الأعضاء إلى أخطار الاختلال المالي العالمي على سعر صرف الدولار، من دون أن يولي سوى اهتمام بسيط لتردي أوضاع قطاع المال ومسائل تعزيز الرقابة المالية، وفقاعات الائتمان والعقار التي فجرت أزمة المال».