اعترف الجهاز الرقابي على صندوق النقد الدولي بأن الصندوق أخفق بصورة رديئة في الانتباه إلى المخاطر التي أدت إلى اندلاع الأزمة المالية العالمية، بسبب الإعجاب الساذج باللمسة الخفيفة للتنظيم المالي في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وعقلية "التفكير الجماعي" في اتخاذ القرارات دون مراعاة للمحاذير. ووفق تقرير اتسم بلهجة انتقادية حادة صادر عن مكتب التقييم المستقل لأداء الصندوق، فإن صندوق النقد كان متأخراً للغاية في الانتباه إلى وجود المشكلات الحادة المترابطة، فيما بينها في اقتصادات بلدان العالم المتقدم. وقال "حتى وقت متأخر في صيف عام 2008 كانت إدارة الصندوق واثقة من أن الولاياتالمتحدة تجنبت الدخول في هبوط مؤلم، وأن أسوأ الأنباء أصبحت من الماضي". وخلص التقرير، الذي نشرته صحيفة فاينانشال تايمز أخيرا، إلى أن قدرة صندوق النقد على التعرف بصورة صحيحة وتحديد المخاطر المتصاعدة تعرضت للعرقلة بفعل الدرجة العالية من التفكير الجماعي، والوقوع في الأسر الفكري لصناعة المال، وعقلية عامة مفادها بأنه كان من غير المرجح وقوع أية أزمة مالية كبرى في البلدان المتقدمة اقتصادياً، وبفعل المناهج التحليلية الناقصة، وأيضا إلى حد كبير ركز التحليل الذي قام به الصندوق والنماذج الاقتصادية التي استخدمها على مناهج اقتصادية كلية تقليدية، وأخفق في تحديد المخاطر الكبيرة التي كانت تتراكم في الأنظمة المالية في بلدان مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وقال التقرير "أخفقت المراقبة الثنائية للاقتصاد الأمريكي في تحذير السلطات من المخاطر الكامنة ونقاط الضعف في السياسة، وكان يبدو على الصندوق في الغالب أنه نصير للقطاع المالي الأمريكي والسياسات التي تتبعها السلطات الأمريكية، وكانت وجهات نظره في العادة متمشية مع وجهات نظر البنك المركزي الأمريكي". وأضاف أنه في العادة كان يتم تجاهل الأصوات الانتقادية من موظفي الصندوق وخارجه، وحتى التحذيرات التي جاءت في عام 2005 من كبير الاقتصاديين في الصندوق نفسه وهو راجورام راجان حول وجود خطر بانتشار واسع النطاق لعدم الاستقرار المالي لم يعمل بصورة مهمة على تغيير التفكير السائد داخل الصندوق". كما ركز التقرير على الصعوبة التي يواجهها صندوق النقد في توسيع تحليلاته لتشمل الاستقرار المالي، بسبب المنهج التحليلي الذي عفى عليه الزمن، ونقص الخبرات المناسبة، وعدم الارتياح والقبول من بعض الحكومات الأعضاء، لافتة في هذا الصدد إلى أنه في السنوات التي سبقت الأزمة كانت الولاياتالمتحدة ترفض بصورة منهجية طلبات الصندوق بالسماح له بإجراء تقييم للاستقرار في النظام المالي الأمريكي. أمام ذلك، قال دومنيك شتراوس كان الذي أصبح العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي في الفترة التي كانت الأزمة تنتشر فيها في أيلول (سبتمبر) 2007، إنه يتفق مع كثير من النتائج التي خلُص إليها التقرير. وتابع "إن الصندوق يوسع الآن من مراقبته ورصده لاقتصادات البلدان الأعضاء وأنظمتها المالية، وعلى الرغم من إخفاق الصندوق في رؤية مَواطن الضعف في الاقتصاد العالمي، إلا أنه أُعطي في الفترة الأخيرة دوراً معززاً في محاولة للتوصل إلى تسوية للاختلالات العالمية والسعي مرة أخرى لتطوير نظام للإنذار المبكر للأزمات المالية". وفي جواب من هيئة موظفي الصندوق، ذُكِر أنه في حين أن كثيراً من الانتقادات التي وجهت لسياسات الصندوق هي في محلها، إلا أن التقرير قلل من أهمية وجهات النظر المعارِضة التي تم التعبير عنها في صندوق النقد ومن عدم كفاية البيانات المتاحة للمحللين العاملين فيه. وأضاف "خلال معظم الفترة السابقة على الأزمة كان صندوق النقد والبلدان الأعضاء البارزة في الصندوق عالقة في معركة داخلية حول المتابعة الاقتصادية، لكنها تركزت على الاختلالات في الحساب الجاري وسياسة أسعار الصرف في بلدان الأسواق الناشئة بدلاً من التركيز على فقاعة الإسكان والفقاعة المالية في البلدان الغنية"، مشيرا في هذا السياق إلى أن صندوق النقد - وتحت ضغط الحكومة الأمريكية - تبنى نهجاً متصلباً حول تقييم الاختلال في أسعار صرف العملات، وهو الأمر الذي أثار رد فعل عنيف من الصين وبلدان الأسواق الناشئة الأخرى. وقد قال راجان في مرحلة لاحقة إن هوس صندوق النقد بمتابعة أسعار صرف العملات كان "كارثة تامة"، وهو ما جعل الصندوق يبدو متحيزاً ضد بلدان الأسواق الناشئة. ورغم أن الجهاز الرقابي لم يلق اللوم في صرف الأنظار عن هشاشة الوضع المالي على هذا النزاع، إلا أنه خلص إلى "أن صندوق النقد رغم أنه ركز بصورة مناسبة على الضرورة الملحة للتصدي للاختلالات المتواصلة والمتزايدة في الحساب الجاري العالمي، إلا أنه لم يبحث في كيفية ارتباط هذه الاختلالات بالمخاطر المنهجية الشاملة التي كانت تتراكم في الأنظمة المالية".