الفتنة هي الفتنة ليس هناك أخطر منها ولا أبشع د. عبده البحش من ويلاتها ومآسيها في كل زمان ومكان, وأينما ذرت قرنها سواء في المجتمعات المدنية المتحضرة أو في المجتمعات ذات المستوى الوسطي في التحضر أو في تلك المجتمعات البشرية ذات الطبيعة القبلية التي غالباً ما تتسم بالعصبية الشديدة والولاءات الضيقة سواء في إطار القبيلة بشكل عام أو في أطر متعددة ومتشعبة داخل كيان القبيلة نفسها, تلك العصبية والنعرة القبلية غالباً ما تعبر عن نفسها بعلاقة تتسم بالصراع والعنف والاقتتال الدامي والاحتكام إلى السلاح ولغة القوة التي تأخذ مشهداً من موجات الثأر المتبادل لها بداية ولكن من الصعب أن يكون لها نهاية. ولأن الفتنة مستنقع آسن وخطير بل ومدمر لحياة الشعوب والمجتمعات في كافة جوانب الحياة الاجتماعية بدءاً من الأمن والاستقرار والتطور والتقدم والبناء وصولاً إلى الشلل التام في مجالات العمل والشغل والحصول على الرزق والدخل اليومي لتوفير احتياجات العائلة والمستلزمات الأسرية ناهيك عن توقف التعليم والخدمات الإنسانية في مجال الصحة والمواصلات والمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الاجتماعية الأخرى التي يستحيل تقديمها في ظل انتشار الفوضى والعنف والفتنة التي تنتهك في أجواء اشتعالها وسريانها الحرمات مثل قتل النفس الزكية التي حرم الله قتلها وانتهاك الأعراض واغتصاب الأموال والحقوق التي حرم الله علينا كمسلمين اقتراف هذه الأعمال, لكنه من المستحيل منعها والسيطرة عليها في ظل انتشار الفتنة واشتعالها. إن ديننا الإسلامي الحنيف يحذرنا من الوقوع في شرك الفتنة عبر العديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي تنهانا من مغبة الانزلاق إلى مستنقع الفتنة كونه مستنقعاً مدمراً ومهلكاً للحياة برمتها, وحلبة مفتوحة لارتكاب الجريمة والقتل والسرقة ونهب الأموال والحقوق وانتهاك الأعراض والحرمات ومفسدة وإثماً كبيراً يفوق كل الذنوب والمعاصي جرماً وبشاعة ووحشية وعقاباً عند الله الذي توعد من يثيرون الفتنة ويعملون على إيقاظها باللعنة والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة فهل يدرك الذين يتحمسون لبعض الدعوات التي تحرض الناس على الخروج والصدام والعنف لتغيير واقع معين بالقوة والغلبة, إن الاستجابة لمثل هذه الدعوات هي الفتنة بعينها, حفظنا الله منها ومن شر الوقوع في أتونها وويلاتها التي ستصيب الجميع بدون استثناء إن اشتعلت وذرت بقرنها. نحن في اليمن نختلف عن الكثير من الدول العربية من حيث الواقع الاجتماعي والواقع السياسي أيضاً, فمن حيث الواقع الاجتماعي يتسم المجتمع اليمني بتركيبته القبلية المعقدة ذات النزعة التعصبية الشديدة والتي قد تترجم في اقتتال داخلي وحرب أهلية واسعة النطاق خصوصاً وان القبائل تمتلك الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة أيضاً مما يجعل من الصعب جداً السيطرة عليها في حال اندلاع الفتنة لا سمح الله, ومن حيث الواقع السياسي في اليمن الذي يتميز أيضاً بالكثير من التناقضات والإشكالات الخاصة التي تنعدم في المشهد السياسي في العديد من الدول العربية, إذ يتسم المشهد السياسي في بلادنا بنوع من التعقيد والإشكالات الخطرة مثل الدعوات المتزايدة إلى الانفصال والعودة إلى حالة التشطير البغيض وكذلك الوضع الخاص الذي تشهده محافظة صعده, مما يجعل وحدة الوطن مهددة بالزوال والتشظي في حال اندلاع الفتنة لا سمح الله. إني أكاد لا افهم مواقف البعض في الإصرار على التصعيد ودفع الأمور نحو مزيد من التأزم وصولاً إلى الانفجار والفوضى والفتنة العارمة التي قد تحرقنا جميعاً, ولذا فاني أناشد القيادات السياسية المعارضة مراجعة النفس والعقل والاستفادة من الدرس الليبي الذي يثبت أن العنف والصدام ليس حلاً, خصوصاً وان الرئيس يدعو بين الحين والآخر إلى الحوار ملبياً ومستجيباً لكل مطالب المعارضة السياسية لتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق إلى الفتنة والفوضى والحرب الأهلية, غير أنني مندهش من موقف المعارضة عدم الاستجابة لدعوة الحوار والرغبة في التصعيد خصوصاً وان الحوار هذه المرة يقوم على تلبية مطالب المعارضة السياسية لتحقيق الوفاق والسير في العملية الديمقراطية والسياسية, ولذا فاني أناشد قادة المعارضة العودة إلى طاولة الحوار من اجل اليمن ودرءاً للفتنة, وفي هذا تجسيد لمعاني الوطنية الصادقة . * باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني