المناداة بالإصلاح والتغيير يمكن فهمها ببساطة في ضوء الخلل السياسي والاقتصادي والفكري الذي يحدث في كثير من الدول العربية ولذلك يمكن الفهم أن المناداة بالإصلاح لا يمكن أن تكون ثورية المسار عندما يعتنقها المجتمع بأكمله لأنها بذلك تتحول إلى حق مطلوب. عندما بدأ الشعب التونسي بتقديم قربانه السياسي حيث تكفل البوعزيزي بذلك فاحترق جسد عربي احرق وسوف يحرق بعده الكثير من البشر ، عندها كانت القيادة السياسية في تونس قد نسيت تاريخ شعب (قرطاجة) وقائدها التاريخي الشهير (حنبعل) وهكذا فعل شعب قرطاجه عندما نسئ المسئولين عنه أن يقرؤه كل صباح ليدركوا تاريخ شعبهم. بعدها بأيام قدم المصريون يوم الخامس والعشرون من يناير قربانا للتاريخ المصري الفرعوني حيث أن الفراعنة مهووسون بالأرقام والحسابات والفلك فكما فعل أجدادهم ببناء أهرامات تدخلها الشمس بيوم محدد خلال العام ولهدف محدد اختار المصريون يوما من العام لتشرق عليه الشمس في ميدان التحرير في كل عام وبنفس التاريخ ، لقد نسيت القيادة المصرية كما يبدو تاريخ الفراعنة وصدقت كذبة منظمة اليونسكوا بأن أهرامات الجيزة وأسيوط ومعبد الكرنك وتاريخ الشعب هو مجرد أثار لحفظ تاريخ المصريين فقط . عندما تم استدعاء تاريخ الفراعنة في مصر على يد شباب في ميدان التحرير هب (بلطجية) من حراس تلك الأهرامات في محاولة للقضاء على تلك الأيدي التي مسحت المصباح السحري لتاريخ الأهرامات ومن بنوها فمن جر أحجارا تزن ملايين الأطنان ليس بعاجز عن أن يجر ماسوها وهذا ما حدث. وكما يبدو في الثورات العربية أن مصطلح (بلطجية ) أصبح المصطلح المضاد لقوة التاريخ المجتمعي وهذه فكرة يتوجب على المختصين محاورتها علميا وعمليا من اجل فهم تلك العلاقة الغائبة بين الشعوب العربية وقياداتها تاريخيا. علي الطريق هناك الليبيين الذين قال قائدهم التاريخي عمر المختار للايطاليين (نحن شعب نموت آو ننتصر) فلذلك لم يكن أمام الليبيين سوى استحضار تاريخيهم الذي جاء بسرعة البرق يحمل السلاح والبنادق ، فلقد تصرف القذافي عندما أدرك صورة التاريخ الحقيقي الذي غُيبه عنه سنوات طويلة ليس بجنونه وهرقطاته المعروفة إنما تصرف بتاريخ مجتمعه لذلك يمكن مشاهدة تلك السرعة الهائلة التي تسلح فيها المجتمع الليبي سواء من هو مع الثوار أو مع القذافي. اعتقد القذافي بأنه خلال العقود الأربعة استطاع أن يجعل الشعب الليبي ينسى التاريخ بينما احتفظ هو بذلك التاريخ ، لذلك يتحدث القذافي اليوم والثوار عليه بنفس اللغة والكل منهم يدّعي انه عمر المختار فالشعب يريد أن يتحرر من قائده والقائد يريد أن يتحرر من الشعب فالجميع بشعار شخصية تاريخية هي شخصية (عمر المختار). اليمن يتصارع بقوة التاريخ الاجتماعي أيضا فالرئيس نسي نفسه خلال العقود الماضية ولكن الشعب كما يبدو في ساحتي التغيير والتحرير يفتح صفحات التاريخ مرة أخرى، وكما أسلفت التاريخ وحده يمسك بزمام الأمور عندما يفقد المجتمع السيطرة عليها ، الصراع ليس على السلطة ، فالسلطة هنا رمز للتغير لأنها ستملاء فورا بشخص بديل ولن يستغرق ذلك دقائق ولكنها معالجة لنفس الأخطاء السابقة في ثلاث دول سبقت اليمن والرابعة والخامسة وغيرها على الطريق. في اليمن يختلط معطى القبلية مع معطى السياسة في أجساد وعقول بشرية تشكل اصل الجسد العربي في نسبه ومعانيه ومعطياته ، ما نراه اليوم في اليمن ليس هو ذلك المجتمع الفقير الذي يتهم بأنه يتعاطى القات ، انه معطى مختلف يستجلب كل قوى التاريخ فمنبع التاريخ العربي سيضل نفس المنبع وبنفس التركيبة القبلية ولن يستطيع احد ردم تلك المنابع القبلية مهما كان ومهما كانت براعته السياسية. سيضل اليمن بشكله القبلي مهما تضاعف الضغط التاريخي عليه ومن لا يتعامل مع اليمن بهذه الحقيقة لن ينجح ، لذلك فإن صراع القبائل اليمنية ليس صراعا سياسيا انه صراع يمثل صورة مصغرة لكل مجتمعات العرب وتاريخها في المنطقة، اليمن والتاريخ قلق مستمر وتاريخ قبلي في ذاكرته وفهم يصوغه واحد من أقوى أنواع الإسلام في العالم. في الخليج العربي يمارس الفرس محاولاتهم الدائمة بأن يكونوا طرفا في سبيل إذكاء الطائفية وتتولى إيران هذه المهمة فقد بقيت الجزيرة العربية عصية عليهم طوال تاريخهم منذ معركة (ذي قار) وحتى اليوم ، ولكنهم اليوم يستخدمون المذهب الذي اعتنقه الكثير من أبناء العرب ولذلك يحاول الفرس اليوم استخدامهم لتغطية التاريخ بغطاء من الحقوق الجغرافية والحقوق الوطنية. في منطقة الخليج ليس هناك تاريخ عميق وبعيد لتلك الفئات التي تحاول الخروج على مسار التاريخ حيث ضلت إيران فارسية بكل أبعادها ومع تعاطفها المصطنع مع العرب من أتباع المذهب الشيعي فهي لا تقدم لهم الاحترام حتى في إعطائهم حقهم التاريخي في تسمية الخليج العربي فهي تسميه الخليج الفارسي وهذا يطرح السؤال المهم لمن المذهب الشيعي اليوم للفرس آم للتاريخ الإسلامي...؟
الخليج العربي اليوم كمجتمعات وثقافة بحاجة إلى مشروع فكري حقيقي لبتر القضية التاريخية في المذهب من سياقها الفارسي وإعادتها إلى أصلها الإسلامي بعيدا عن تصورات مختلطة بين تاريخ الفرس ومذهب آل البيت رضوان الله عليهم ، وهذا يتطلب نشر المرجعيات المحلية في الخليج وتكثيف الاستقلالية التاريخية وربطها بمصدرها وليس بتبنيها. التاريخ الذي يغفل عنه الفرس ، وليس المسلمون الشيعة وهم أبناء مذهب إسلامي كبير ومؤثر، وذلك عندا يحاولون إقلاق الخليج، هو إشاعتهم الفكرية بان معتنقي المذهب من العرب يواجهون خطر الذوبان لذلك لابد من العودة إلى التاريخ الكبير للإسلام والمسلمين لإثبات أن المسلمين الشيعة كانوا دائما وعلى مر التاريخ الإسلامي بعيدين عن المواجهات مع السنة إلا في حالة واحدة وذلك عندما يكون للفرس كيان مستقل فإنهم يبادرون إلى إشعال الفتنة في داخل الصف العربي باستخدام المذهب. العالم العربي اليوم يحمّل سياسيا ما لا يحتمل فالكثير يردد إنها ثورة الحريات وبعضهم يسميها ثورة البطون وهي في الحقيقة التي نراها اليوم هي ثورة الثروة لملء البطون فكل ثورات العالم العربي وبكل بساطة حسابية استخدمت عبارات الثروة وتوزيعها بشكل يعادل تقريبا خمس مرات اكثر من استخدام الحقوق السياسية. بشكل مختصر الحقوق المالية في الثروة هي التي طغت لذلك يصبح من نافلة القول أن الثورات العربية حركها التاريخ وصنع مقدماتها الحقيقية عندما اغفل القادة العرب الحديث عن التاريخ الحقيقي وليس التاريخ الذي صنعوه هم فالمقصود تاريخ الشعوب وليس تاريخ القيادات. التاريخ الحقيقي للشعوب والمجتمعات يشبه الأشجار في نموها جذور تخترق الأرض لتوفر قوة لحمل السيقان والأوراق والأغصان التي تنمو فقط إلى الأعلى وليس إلى أي اتجاه أخر وإذا ما تلاعب احد بشجرة التاريخ وحاول تغيير مسارها نحو اليمين أو اليسار فإنها تعاقبه في نهاية المطاف ، لذلك لن ينجو من تلك الثورات سوى أولئك الذين يدركون تاريخ مجتمعاتهم ويتقاسمون معهم الحياة بدلا من الانفصال عنهم.