إذن وقعت الواقعة وقامت الحرب المشهره بسكينها منذ اسابيع، ربما تكون غاضب أو ربما منحاز لطرف أو ربما تتمنى الخلاص من الجميع لكن اخطر مافي هذه الحرب انها كانت متوقعة لاقصى الحدود، وهذا التوقع لقيام الحرب هو بحد ذاته يبطل كثيراً من اهمية انشغال البعض بفكرة تحديد موقف ادانته حسب من بدأ بالعدوان. فمن اطلق الرصاصة الأولى بالتأكيد لم يكن ليطلقها دون أن يكون على اتم الثقة إن هناك رصاصة تنتظر الانطلاق على الجهة الأخرى. لم تكن هذه الحرب الدائرة بالحصبة بإستثناء عن هذه القاعدة بدأ الرئيس بالضرب والاستفزاز لجر البلاد لحرب اهليه وكان الطرف المقابل مستعداً متأهباً بل ومنتظراً تواقاً للحظة القتال التي يحظى فيها بشرف مواجهة الرئيس المكروه. لم يكن رد فعل بسيط او دفاعي بل رد فعل قوياً يكشف عن جاهزية ليس للدفاع بل للحرب ولخوضها، بدا هذا واضحاً منذ البداية. فهاهو رئيس يرى في الحرب الأهلية مخرجاً لمأزقه ويلوح بها ويأتيه الرد سريعاً من الشيخ صادق الأحمر" نحن أهل لها". منطق عنيف وبدائي لكلا الطرفين لايراعي سلامة البلاد ولامستقبلها، فالرئيس الذي تخلى عن ابسط ادواره في حماية بلاده يهدد بحرب اهليه وشيخ قبيلة ينضم لثورة سلمية لايتردد لحظة في التأكيد على جاهزيته لخوض الحرب، ولم يحاول أن يفوت فرصة المواجهة لسلامة البلاد، فالعصبية القبلية التي تحتم الرد غلبته ولم تجعله قادر على تجاوز او ابتلاع محاولة الرئيس الاستفزازية كما بلعت اسر مئات الضحايا مراراتها واحزانها ولم تنجر لمربع الرد والمواجهة. في بلاد غرق تاريخها الحديث بالحروب وتلبستها ثقافة العنف، كانت سلمية الثورة هي الثورة بذاتها، لكن القوى التقليدية التي يمثلها الرئيس وبعض الاطراف الحليفة له آلان أو سابقاً لاتستطيع أن تتخلى عن هذه الثقافة بسهولة فهي سر قوتها وارتكازتها الحقيقية. الشيخ صادق استهدف لانه وقف الثورة، هذا بالفعل صحيح لكن لابد أن نتذكر اصل الحكاية حتى نفهم، وإلا فلماذا يدرس الناس تاريخهم ويحتفظوا بقصصهم؟ فالأمور دائما ماتعد لاصولها الحقيقي وإلا ضللنا بالكامل في حل مشاكلنا وفهم واقعنا. فأصل التحالف بين الطرفين كان قبلي عصبوي لاعلاقة له بالسياسة أو المباديء وبالتالي الخلاف كان كذلك. كذلك من الضروري مراجعة اسباب معارضتنا للرئيس، حتى نستطيع تقدير الموقف الذي يجب على الثوار ومن يدعمهم اتخاذه اثناء هذه المواجهة بعد ماذهب بعض الثوار بعيداً في دعمهم وتعاطفهم للشيخ صادق. نظام الرئيس هو عبارة عن ديكتاتورية عسكرية لجيش تكوينه قبلي، ودولة عطلت القانون وصارت القبيلة تتصرف كدولة بينما تتصرف الدولة كأنها قبيلة،هذا هو تعريف نظام علي صالح بشكل مبسط وغير مخل على ما اظن. في هذا النظام ارتكازات مهمه على رأسها القبيلة التي كان يمثلها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر حليف الرئيس حتى دخلت البلاد في نفق مظلم حسب رأي الشيخ عام 2004م. قبل ذلك كان الرجلان حليفان في بناء دولة القبيلة لمدة لاتقل عن خمس وعشرين عاماً، كان اثناءها يختلف حزبيهما المؤتمر والاصلاح دون أن يؤثر على علاقتها ويفسد تحالفهما. لتتصارع الاحزاب وينتقد الاصلاح حزب المؤتمر والحكومة ورئيس وزرائها لكن ابعد من هذا لاشيء وكل هذه ترهات حقيقية كما يبدو واضحاً، فهاهي البلد تعيش بلا حكومة منذ اكثر من شهر ونصف. التحالف كان عصبوي في الاصل، يرتبط بالقبيلة المشتركة وبالتالي المصالح المشتركة، والخلاف بينهما كان كذلك. فالرئيس لم يتغيرعام 2004،وإن كانت المشاكل تراكمت وتفجرت بسبب ادارة الدولة لربع قرن بهذا المنطق القبلي لكن لم يكن هذا بيت القصيد. البداية كانت في المواجهة الشهيرة في اكتوبر عام 2002 امام السفارة البريطانية وهي مواجهة تاريخية لمن يتذكر، حيث اصر ابناء الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر على سير موكب زفاف اختهم في شارع السفارة المغلق لجميع ابناء الشعب، لكن فكرة معاملة أبناء الشيخ بالتعليمات التي تحكم الجميع بدت مهينة بالفعل لأبناء الشيخ واطلقوا الرصاص على حراس السفارة، وفي المقابل نزل ابن اخو الرئيس يحيى محمد صالح بمدرعته لضرب ابناء الشيخ. بالتأكيد كان الحدث بأكمله يحمل ذلك القدر من العنف والعصبية المقيته وهو لم يكن حدثاً خارج السياق بل حلقة من سلسلة احداث بين ابناء الشيخ من جهة وابناء الرئيس وأبناء اخيه من جهة اخرى حول المشروعات التجارية واستعراضات القوة والعصبية كانت تلعب فيها احاديث المقايل والمنافسة التجارية ادواراً رئيسياً بالفعل. المواقف السياسية والآراء الدينية قد توفر اطاراً شرعياً مناسباً جداً للصراعات الشخصية حول السلطة أو بسبب الثأر والانتقام، وفي اليمن صار هناك توجه سياسي مرعب منذ فترة طويلة يعطي لك حق المعارضة بلاحدود لمجرد إنك خارج السلطة، استمرأت المعارضة اليمنية كثيراً هذه اللعبة وصارت تكتسب شرعية من مجرد عدم شعورها بالمسؤولية وقدرتها على النقد لأنها خارج السلطة لكن خروجك عن السلطة لايعفيك من مسؤوليتك الوطنية. هذا بالتأكيد يبدو امراً سهلاً، فالحكومة توفر لك مادة للمعارضة التي تصورت كثيراً إنه لأمر عظيم أن ننتقد الحكومة بلاملل دون تقديم أية بدائل أو طرح أي رؤى ودون حتى اثبات إنها تفكر بشكل مختلف. وليس هناك افضل من قناة سهيل مثالاً، فمن يتابع قناة سهيل لأي درجة يشعر إنها مختلفة في خطابها الإعلامي وكذبها عن القناة اليمنية الرسمية، لماذا تكذب سهيل وتجاوزات الحكومة كبيرة والثورة فيها زخم شعبي كاف بطريقة يغنيها عن كل هذا القدر من الاكاذيب؟ في النهاية المباديء والمعايير الاخلاقية مشتركة بين الطرفين، والسياسة بلا مباديء تتحول لعمل اجرامي بالكامل لكن يتبع اليمنييون بسذاجة فكرة كل الرجال طيبين طالما هو بعيدين عن السلطة، ويؤسفني القول إنه لاتوجد سلطة شريرة واخرى طيبة. لكن هناك شعوب استطاعت أن تخلق دولة فيها من الأطر مايحمي حقوق الشعب من تعنت السلطة مما يجعلها تتصرف بالسياق الطبيعي لها في خدمة مجتمعها ودولتها. والقبيلة اليمنية ليست شريرة أو متغولة وعنيفة بلاسبب، فغياب أطر الدولة وتراجع الاعراف القبلية جعل من القبيلة مشكلة حقيقية لكنها بحد ذاتها كمكون اجتماعي ليست مشكلة على الاطلاق. لااخفي سعادتي إن الشيخ صادق الاحمر اعاد تذكيرنا باعراف القبيلة عندما وصف محاصرة السفارة الإماراتية بالعيب الاسود لكن كم اود أن يتذكر هو واخوانه إنه احد الاعراف القبلية هوالامتناع عن دخول المدن وعلى رأسها صنعاء بسلاح ناهيك عن الجيش الجرار الذي كشفته المواجهات الاخيرة، وهذه ليست إلا احد تجاوزات كثيرة للاعراف القبلية التي لم تعد تلتزم بها القبائل وليست قبيلتهم حاشد بإستثناء. أن يتقاتل الرئيس مع شيخ قبيلة هذا ليس بخبر وأن تنام صنعاء على اصوات القنابل والمدافع ليس بخبر ايضاً، لكن أن تشهد البلاد ثورة سلمية هذا امر يستحق فعلا التوقف عنده والحفاظ عليه. بالتأكيد الحفاظ على سلمية الثورة يعني حيادها وحيادها يعني ادانتها لأطراف العنف مجتمعة ولكل اعمال العنف سواء طالت بيت الشيخ أو مؤسسة حكومية. هذا امر للأسف لم يبدو واضحاً في بيان الثورة إذ كان فيه تأكيد لسلمية الثورة لكن لم تكن واضحة في إدانتها العنف إلا لما ارتكبه الرئيس بينما غضت الطرف طوعاً عن ذكر الطرف الثاني. أن يتم الاعتداء على الشيخ بزعم دعمه للثورة أمر يستحق التعاطف معه ربما بالنسبة للبعض، لكن من الناحية العملية ولمصلحة البلاد العامة أن تعطي الثورة له مايشبه الضوء الاخضر بتسامحها معه فهذا أمر له دلالات خطيرة على مستقبل البلاد. الثورة صارت تمتلك الشرعية الحقيقية في البلاد بسبب الزخم الشعبي الذي حظيت به ومطالبها الوطنية الشاملة وكذلك شرعية اخلاقية بالتزامها النهج السلمي، فبالتالي تغاضيها عما فعله مسلحو بيت الأحمر وإن افتراضنا إنه بالكامل كان دفاع عن النفس فهو غير مقبول لأنه يعطي الشرعية بشكل ما لانتهاج العنف كوسيلة في الرد على حكومة فاقدة للشرعية والعقل في آن واحد مما يعطي الشيخ صادق ذلك القدر من التمادي في استخدام العنف بشكل يهدد مستقبل البلاد ويضعه على المحك. التعاطف مع فريق أو حتى اعطائه مبرر أمر فيه انتحار حقيقي ليس فقط للثورة بل للبلاد مهما بلغ التعاطف ومهما تصورنا إن هذا الطرف مظلوم ويستحق التعاطف فهو طرف في النهاية قادر أن يرد ويدافع عن نفسه، لكن مصلحة البلاد تحتاج من يدافع عنها وفي صراع الاقوياء هناك الكثير من الضحايا الحقيقين يضيعوا دون ذنب وعلى الثورة أن تكون معنية فقط بحماية مصلحة البلاد وحقوق هؤلاء الضحايا، أما الطرفين المتقاتلين فلهم سلاحهم ورجالهم الذين يحمهوهم.