في السادس عشر من شهر يوليو/ تموز الجاري، أعلنت اللجنة التحضيرية لشباب الثورة في اليمن قراراً مثيراً للجدل، تمثل في إعلان المجلس الرئاسي الانتقالي، الذي ضم 17 شخصية من مختلف الأطياف السياسية ومن مناطق مختلفة من البلاد . وبالقدر الذي كانت مثل هذه الخطوة حلماً لشباب الثورة منذ الأيام الأولى لاندلاع الاحتجاجات التي عمت اليمن، بقدر ما أحدث الإعلان عن تشكيل المجلس إرباكاً في صفوف الجميع بمن فيهم الثوار أنفسهم، خاصة أن عدداً من الائتلافات في ساحات التغيير رفض مثل هذا التحرك الذي يصفه الكثير بأنه "انفرادي"؛ فيما نفى عدد من الذين أعلنت أسماؤهم كأعضاء في المجلس علمه بالخطوة المتخذة، واعتذر البعض عن قبول المهام التي أوكلت إليهم، لأنه لم يجر التشاور معهم قبل التحرك الجديد الذي استجاب لضغوط الساحات، وبالتالي أضعفت هذه التطورات مهمة "الانتقالي" الذي جاء محاكاة لفكرة المجلس الانتقالي الليبي الذي يجري التعامل معه اليوم باعتباره الممثل الشرعي للشعب الليبي. جاء الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي بعد مخاض عسير من المشاورات في ساحات التغيير في كل مناطق البلاد المختلفة، وإن كان تركز بشكل أساس في العاصمة صنعاء، وتعزوعدن لما لهذه المناطق من مدلولات سياسية كبيرة ؛ فالعاصمة صنعاء هي عاصمة الدولة التي تتركز فيها المؤسسات الدستورية كافة، أما تعز فإنها قلب الثورة النابض بالثورة حتى اليوم، رغم الضربات الموجهة إليها منذ شهرين بشكل متواصل، وتحتل مدينة عدن أهمية وحدوية استثنائية في تاريخ اليمن، وتكمن أهميتها في كونها عاصمة لدولة الجنوب السابقة التي يتحرك العديد من السياسيين في الخارج لإعادة إعلانها عاصمة لدولة الجنوب المقبلة في ظل المطالبة بفك الارتباط عن دولة الوحدة التي يتبناها نائب الرئيس السابق علي سالم البيض. خطوة جريئة إعلان "الانتقالي" كان خطوة جريئة من قبل اللجنة التحضيرية لشباب الثورة السلمية، ومن أبرز رموزها الناشطة والصحافية توكل كرمان، التي أعلنت بنفسها المجلس الجديد، المكون من 17 شخصية سياسية، روعي فيها التمثيل السياسي لقادة يمنيين معروفين في الداخل والخارج، حيث تم وضع رئيس الوزراء الأسبق حيدر أبوبكر العطاس رئيساً للمجلس وعضوية عدد آخر من السياسيين الفاعلين في الساحة الذين أعلنوا تأييدهم المطلق للشباب ولمطالب إسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبدالله صالح، مثل الرئيس الأسبق علي ناصر محمد ورئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني محمد سالم باسندوة والأمين العام لاتحاد القوى الشعبية الدكتور محمد عبدالملك المتوكل والقيادية في اللجنة الوطنية للمرأة حورية مشهور والأمين العام لحزب رابطة أبناء اليمن ( رأي ) محسن بن فريد وصخر الوجيه وعيدروس نصر النقيب وغيرهم، إضافة إلى تعيين مستشار صالح للشؤون العسكرية عبدالله علي عليوه قائداً للقوات المسلحة والقاضي فهيم محسن رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، والأخير أكد بشكل رسمي رفضه المشاركة في المجلس وأكد أنه فوجئ باسمه ضمن قوامه. وجاءت هذه التوليفة لتشكل مزيجاً من السياسيين في الداخل والخارج، لكنها كانت خطوة ناقصة، لأنها لم تضم ممثلاً عن الحوثيين، وهم قوة لا يستهان بها في الساحة، بخاصة في المناطق الشمالية، حيث يهيمنون على جزء كبير من مساحة مناطق شمال الشمال، مثل صعدة وعمران والجوف وحجة وغيرها من المحافظات. وقد رحب العديد من الائتلافات الشبابية في ساحة التغيير بالمجلس الانتقالي ورأوه خطوة في إطار نقل المواجهة من مربع العمل الشعبي إلى مربع العمل السياسي، خاصة أن هذه الخطوة كانت مطلباً للجميع قبل الإعلان عن المبادرة الخليجية في شهر أبريل/نيسان الماضي، بمن فيها أطراف في المعارضة المنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك. ويرى النائب في البرلمان المنشق عن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم علي عشال أن "الناس صارت مدعوة بجدية لأن تتبنى فكرة مجلس وطني أو انتقالي لبناء شرعية جديدة مستندة إلى قاعدة جماهيرية يمكن أن تلتف حول مثل هذا المجلس ويبقى أداة تواصل مع المجتمع الدولي في أن ينشئ نواة لسلطة بديلة يمكن أن يتجاوب معها الداخل وتتعاطى معها أطراف من الخارج فلم يعد هناك من فكرة أو من خيار آخر عدا المضي قدماً". وحسب عشال فإنه "يجب على اليمنيين ألا يعولوا على الخارج في وضع الحلول لبلادهم"، مشدداً على وجوب الالتفاف من الداخل حول خيارات جادة وأساسية ويخلقون واقعاً يفرض نفسه، ويقول إن "مطالب الشارع بتشكيل مجلس انتقالي موجودة إلى اليوم وعلى القوى السياسية والمعارضة تحديداً أن تتعاطى بإيجابية مع مطالب الشارع، وإلا فإنها ستقدم على تقييد نفسها إذا ما راهنت على خيار واحد، إذ ينبغي أن تكون المراهنة على بدائل وخيارات مفتوحة وواسعة، مؤكداً أن المعارضة في حالة عدم مراهنتها على خيارات واسعة، فإن اليمنيين سيدفعون ضريبة حالة الانسداد التي وصلوا إليها وحالة تعثر الولادة لمشروع مقبل، سيدفعونها باهظة". تحريك المياه الراكدة ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور عادل الشرجبي أن "تشكيل مجلس انتقالي في المرحلة الحالية أصبح ضرورة وخطوة إيجابية ينبغي على الثورة القيام بها، بغض النظر عن الطريقة التي تم الإعلان بها والأشخاص الذين يمثلون أعضاء في المجلس، حيث لا جدوى من الانتظار حتى يتم تشكيل هذا المجلس، في ظل التدهور المستمر للأوضاع وضيق أحوال الناس، مشيراً إلى أن القوى الإقليمية والدولية ترتب أوراقها في اليمن"، ويطالب بضرورة إتباع إجراءات تقدم على التوافق بين كل المكونات الثورية سواء من قوى الثورة الشبابية أو من القوى الاجتماعية والعسكرية والسياسية التي دعمت الثوار وأعلنت تأييدها ونصرتها لهم، مضيفاً أن ذلك ينبغي التحرك فيه بسرعة . ويقول إن "تشكيل المجلس الانتقالي خطوة إيجابية سوف تؤدي إلى تحريك المياه الراكدة، بغض النظر عن نجاح المجلس أو عن استبداله"، ويرى أن "ما يهم هو أن على القوى الثورية أن تلتقي وتتدارس الأمر وتتشاور لتعلن عن سلطة ثورية تدير البلد في هذه المرحلة وتستكمل مهام الثورة التي لم تنجز حتى الآن، حيث لا يمكن للمواطن العيش في ظل هكذا أوضاع، فسلطة نظام صالح لم تعد قائمة إلا بهيكل شكلي، ما جعل المواطن يعاني مشكلات عدة، كما أن الثوار لم يتخذوا خطوة باتجاه بناء سلطة تستطيع أن تقدم الخدمات الأساسية وتقوم بوظائف الدولة تجاه المواطن". ويرى الشرجبي أن "الاعتراف الخارجي ليس مهماً بقدر أهمية الاعتراف الداخلي وفي المقام الأول توافق القوى الثورية، إذ إن شرعية أي دولة لا تقوم على الاعتراف الخارجي فحسب، والاعتراف الخارجي يأتي لاحقاً عاجلاً أو آجلاً". ويشير الأكاديمي في جامعة صنعاء إلى أن "مسألة المجلس الانتقالي قد لا تكون الحل، لكنها ضرورة لتحرك قوى الثورة إلى الأمام"، معتبراً أن "من أعلنوا المجلس الانتقالي اجتهدوا وقد يكونوا أخطؤوا في اجتهادهم، حيث ينبغي تصحيح الخطأ إن وجد لا أن يتم الوقوف عند النقطة السابقة نفسها". في موازاة ذلك وجدت خطوة إعلان المجلس الانتقالي رفضاً من بعض أطراف التكتلات الشبابية التي رأت في الإعلان محاولة للانفراد بالقرارات من دون التشاور مع الأطراف كافة ليكون القرار موحداً ومحل إجماع الكل، وفي هذا الإطار أعلن 12 تكتلاً شبابياً من مكونات الثورة في ساحة التغيير بصنعاء، في بيان مشترك لها رفضها للمجلس، معتبرة أنه "لا يعبر عن الثورة بجميع مكوناتها، بقدر ما يعبر عن الجهة التي صدر عنها الإعلان"، في موقف قالت إنه "يفتقر للمسؤولية تجاه ثورة شعبية بحجم الوطن". ورأت التكتلات الموقعة على البيان أن "تشكيل المجلس الرئاسي الانتقالي الصادر باسم شباب الثورة، تم بصورة منفردة تخدم تشتيت الجهود بدلاً من توحيدها، لكونه لم يكن نتاج مشاورات واتفاقاً تمليه مصلحة الثورة، بين مختلف القوى الثورية"، مشيرة إلى أن “الإعلان عن هذا المجلس تجاوز شباب الثورة في مختلف الساحات، وأحزاب اللقاء المشترك، وقوى الحراك الجنوبي، وجماعة الحوثي، ومعارضة الخارج، وسواها من القوى الفاعلة، كما أنه لم يتم التشاور حتى مع الأسماء التي تم اختيارها لعضويته". وأرجعت هذه التكتلات رفضها لتشكيلة المجلس المعلنة إلى "وجود علاقة مبيتة لإخراج الثورة عن سلميتها، من خلال تعيين قائد أعلى للقوات المسلحة، ودعوة أعضاء اللجنة التحضيرية لمجلس شباب الثورة للجيش بحماية الثورة، الأمر الذي يثير الشكوك بأن يكون المجلس في هذا التوقيت غطاء سياسياً لشرعنة حرب عسكرية تحت شعار حسم الثورة، وهو الأمر الذي يرفضه الثوار باعتباره فعلاً خارجاً عن الثورة السلمية". وأكدت التكتلات الرافضة للمجلس أن رفضها "لا يعبر بأي حال من الأحوال عن أي موقف في الأسماء التي وردت في الإعلان، بقدر ما يعبر عن رفضها لإلغاء الشراكة، واختيار المجلس بطريقة تكرس الاستبداد والإقصاء"، بل رأت أن “هذا الإعلان يخدم بقايا نظام صالح، ويشتت الجهود، بدلاً من توحيد الصفوف لبلوغ الثورة أهدافها". ويرى الأمين العام لحزب الرابطة محسن بن فريد، وهو الذي أعلن كعضو في المجلس الانتقالي أن "المنطق العملي السليم الذي اقترحناه مبكرا يستلزم أولا تشكيل المجلس الوطني الانتقالي بالتساوي بين الشمال والجنوب ؛ دون استثناء لأي من زملاء العمل السياسي وأن تمثل الساحات بكل مكوناتها بما لايقل عن 40% والأحزاب والحراك والحوثيين بالتساوي وعلماء وشيوخ وأكاديميين وأن يمثل من يؤيدون الثورة في الخارج بكل أطيافهم دون استثناء إلا من ينتمي لحزب في الداخل فإنه يمثل من خلال حزبه، ثم يختار المجلس الوطني المجلس الرئاسي وباقي الأطر". وفي رفض مبطن لعضويته في "الانتقالي" يشخص بن فريد الوضع في اليمن بالخطير، ويقول في بيان باسمه وباسم حزبه بعد ساعات من إعلانه عضواً في المجلس الانتقالي إن "المرحلة خطيرة وحساسة ودقيقة وأي خطأ قد يؤدي إلى كوارث"، وطالب الجميع ب "تهيئة الظروف المواتية لأي خطوة مهمة كهذه، سواء محلياً أو إقليمياً أو دولياً حتى نضمن لها الحد المعقول من أسس وعناصر النجاح". صمت المعارضة على الرغم من أن العديد من القوى السياسية في الداخل والخارج أدلى بدلوه في ما يتعلق بتشكيل المجلس الانتقالي، إلا أن المعارضة المنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك التزمت الصمت حيال الخطوة، وهو ما رآه المراقبون إحجاماً من المعارضة عن تأييد المجلس، لأن ذلك يتقاطع مع مواقفها المؤيدة للمبادرة الخليجية، ومن شأن تأييد خطوة تشكيل المجلس الانتقالي والمشاركة الرسمية فيه، الإقرار بنقل البلد إلى حرب أهلية، وهو ما حذر منه حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، ولا تقبل به الدول الراعية للحوار بين السلطة والمعارضة وساحات التغيير لنقل السلطة. وترى قيادات في المعارضة أن فكرة تطوير المجلس الانتقالي لأن يصبح "مجلساً وطنياً" هي الأقرب إلى الواقعية، خاصة أن فكرة المجلس الوطني ليست جديدة، ومن المفترض أن تسبق أي خطوة من شأنها تولي السلطة في البلاد، وتشير هذه القيادات إلى أنه من الضرورة أن يجري تطوير مبادرة المجلس الانتقالي المشكل من قبل الشباب، لتتحول إلى مجلس وطني يضم كافة الأطراف السياسية الفاعلة في الساحة في الداخل والخارج بمن فيها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، لأن من شأن ذلك أن يعمل على تكوين جبهة وطنية ذات طابع سياسي واجتماعي وشعبي واسع، تكون هذه الجبهة قادرة على التعاطي مع الأمور السياسية وتطورات الأزمة بشكل إيجابي . وبقدر أهمية المجلس الوطني الشامل، إلا أن ساحات التغيير تبدو غير قادرة على انتظار المبادرات السياسية التي قد تأتي بحل وقد لا تحمل جديداً، من هنا فإن المعارضة تدرك أن الإعلان عن تشكيل مجلس انتقالي يمكنه أن يعيد التوازن إلى هذه الساحات، بحيث تسير الخطوتان جنباً إلى جنب، بل إن أطرافاً في المعارضة ترى ضرورة دعم فكرة المجلس الانتقالي حتى لا يحصل إحباط في صفوفهم وينقسمون فيما بينهم. ويرى مراقبون أنه بقدر ما لقي إعلان تشكيل مجلس انتقالي معارضة من قبل بعض الأطراف السياسية وحتى الشبابية، فإن هذا الإعلان حرك المياه الراكدة في الساحة اليمنية، خاصة منذ الثالث من يونيو/ حزيران الماضي عندما أصيب الرئيس علي عبدالله صالح في هجوم أثناء وجوده في مسجد دار الرئاسة، وهو ما جعل الأطراف السياسية والوسطاء الذين يرعون الحوار يبحثون عن خطة لتسريع نقل السلطة من الرئيس علي عبدالله صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي باستيعاب بنود المبادرة الخليجية وتطبيقها بشكل يؤدي إلى تجنيب اليمن مخاطر الدخول في حرب أهلية. ويراهن الكثير على تصعيد العمل السلمي كخطوة للتغيير المقبل، وعدم الانجرار إلى خطة السلطة، خاصة العسكرية منها، القاضية بتحويل مسار الثورة السلمية إلى مربع العنف، لأن ذلك يفقدها روحها التي انطلقت بها قبل أكثر من خمسة أشهر، ويرون في إعلان المجلس الانتقالي في ظل عدم إشراك الجميع خطوة لتصعيد أعمال العنف أكثر ضد الثورة السلمية . الأهم من كل ذلك أن الظروف الإقليمية والدولية ليست متحمسة حتى الآن لفكرة التصعيد، لأن ذلك من شأنه أن يعرقل مساعيها للحل السياسي ويفتح الطريق للخيار العسكري، فالولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج ترفض فكرة المجلس الانتقالي حتى الآن، يضاف إلى ذلك أن الوضع في اليمن ليس كما هو الحال في ليبيا ؛ فالثوار لا تقع تحت أيديهم أي منطقة بشكل كامل، وهو ما يعطي المسألة بعداً أكثر تعقيداً.