قد لا يختلفُ إثنان أنّ الثورات عملٌ إستثنائي محكومٌ بحاجة و ظروف ، و أنّ الثورات إنْ لم تكن محكومة بهذه الطريقة فهي عملٌ فضويٌ ينافي قيم المُجتمع الإنساني الراقي. و الجدير بالذكر أنّ ما جعلها أمراً إستثنائياً هو أهدافُها النبيلة ، إذ أنّ الثوار يُبادرون في نشر قيم البناء و التعمير و التسامح و مصلحة الجميع و على ضوءِ ذلك يُقدمون أرواحهم رخيصةً في سبيل هذه الغاية العظيمة ، غاية تقديم مصلحة الكل على البعض... العملية تجري كالتالي : كلما اتجه مؤشر الثورات نحو التسامح و نشر قيمة المحبة كلما بعُدت عن كونها عملٍ فوضوي ، و كلما اتجه المؤشر نحو العنف و نشر قيم الكره و تصنيف الناس الى مع أو ضد كلما دنتْ من كونها عملٍ فوضوي ، و بالتالي لا قداسة للثورات على الإطلاق و ليس صحيحا أنّ الثورات كلها تتوق نحو الحُرية او حتى تؤسس لُحرية... بطبيعة الحال بين الثورات الحقيقية و بين منطق ( إما و إلا) بعد المشرقين ، هو بعد لا يُقاس بالمسافات بل بجوهر الفطرة الإنسانية و القيم النبيلة ، من حق أي أحد أن يُعبر عن قناعاته ما دامت لا تؤصل الى عنف ، و بالتالي فالثورات تسعى لإقناع من لم يقتنع ، هي كنبيٍ يحاور و يُقنع و يُرغِبُ و تذهبَ نفسُه حسراتٍ على من بالغ في عداوته إذ أنّ الثورة تسعى لبناء وطن يحتاج كل فرد و من هنا كان عملية تقسيم الناس الى ثوري و الى (بلطجي) لعنةٌ كُبرى تُخرج الثورة عن مسارها لتُصبح فوضى غير مُؤدبة... ومما يُحزن القول بأن مدعي الثورة الذي ينامون على عقيدة ( خيركم في النظام السابق خيركم في الثورة) سعوا بكل قوة الي أنْ يؤصلوا الى ثقافة إما و إلا ، و على مستويات قريبة جدا داخل أروقة الثورة ، إما أن تؤمن بأن علي محسن هو حامي الثورة وإلا فأنت (بطلجي)، إما أن تؤمن بأن عسكرة الثورة شيء ضروري حتى ينتصر الحق و يندحر الباطل و إلا فأنت ( بلطجي ) ، إما أن تقول أن الأحزاب لا تتحكم بقرارات الثورة و إلا فأنت (بلطجي ) ، أما أن تقول أنّ المسيرات العبثية التي تخرج و يُقتل العشرات بدمٍ بارد هي مسيرات حُرية و ضحاياها شُهداء و إما أنت (بلطجي) ، إما أنت تؤجل أي إنتقاد او الإشارة الى أي خطأ حتى تنتصر الثورة و إلا فأنت (بلطجي) ، إما أن تؤمن بدولة الخلافة الإسلامية في مطلع 2020 و إلا فأنت (بلطجي) ... سلسلة من ( إما و إلا) جعلت الثورة تنحاز عن هدفها النبيل ، أصبحت مطية تدافع عن شهوات طائفة معينة من الشعب للوصول الى الحكم ، و أصبحت كذلك تُعطي قوة و مبررات لعلي عبدالله صالح ليستمر في مكانه ، تلك السلسلة القبيحة عملت على تمييز الثورة فأصبحت (إما أو )، و ما أروع إبداعنا – نحن اليمنيين- في هذه المساحة من الشتات ، أولم يُبدع أحدادُنا في المثل المضروب : تفرق أيدي سبأ... إنّ صوت العقل و الفطرة الثورية السليمة و الحكمة اليمنية تصيح فينا و كأنها تنفخ نفختها الأولى لتقول إنّ الإنجرار وراء إيجاد فريقين و من ثَمّ الجنوح نحو الحسم المُسلح إنما هو حكمٌ بموتِ كل الأحلام التي أمَّل عليها هذا الشعب العظيم بفقرائه و بُسطائه و عامة عناصره ، و هذا الحُكم هو حكمٌ لا إستئنافَ له و لا مُعقب لمن يحكمُ به ، و سيستفيد منه طائفتان : تُجارُ الحروب و السلاح و الساعيين الى الحكم القانطين من الوصول اليه بطرق سلمية ، و في هاتين الطائفتين بلاءٌ مستطير سيعم البلاد بأسرها و حينها سنُردد بكل ساحاتنا الستينية و السبعينية : تفرق أيدي سبأ! لِنُعيد للثورة معناها النبيل لأجل الوطن، لِنُعيد لها سلميتها و حلمها المدني الأنيق، لنقول بملئ الفم : إن كان في الثورة أخطاء فلنبالغ في إنتقادها لأنّ الإنتقاد هو طريق تقدمها و إخراجها بصورتها الطبيعية من غير غلو او إحتقار، لنُعيد اليها سلميتها و نتبرأ من كل أعمال العُنف التي تطال شعبنا من الطرفين، ولنتكاتف حول الثورة السلمية كافةً سواء كنا ضد فشل النظام السابق أو معه فالأمر وصل الى ذروته و لا فائدة من التقوقع و التعصب لأي أمر سواء الثورة او الشرعية، الوطن ولا غير الوطن و أي نداءات تدعو الى غير ذلك سواء بإسم الثورة او الشرعية فإنها باطلة و زائلة لأن الباطل كان زهوقا.