عادل الصلوي - كفرص استثنائية طرأت على هامش أزمة سياسية محتدمة، استقطبت معسكرات الجيش الموالي والمناوئ، مجاميع قياسية من المجندين الجدد الذين لايتجاوز عمر الكثير منهم السن القانونية المحددة للانخراط في العسكرية أو حتى الأعمال المدنية . التصاعد المضطرد لتداعيات الأزمة السياسية القائمة في البلاد منذ أكثر من تسعة أشهر وتنامي التوجسات من تزايد احتمالات الاحتكام إلى خيار الحسم المسلح، دفع إلى الواجهة بحالة غير مسبوقة من التهافت على استقطاب المجندين الجدد من قبل القوات الموالية للنظام والمنشقة عبر فتح باب التجنيد التطوعي لتعزيز صفوفها كجزء من استعدادات مبكرة لخوض مواجهات مسلحة محتملة . وكشف عبدالعزيز أحمد المقرمي، الناشط الحقوقي في مجال حماية الطفولة في تصريحات ل “الخليج" أن ما يزيد على نصف أعداد المجندين الجدد الذين تم استقطابهم للانخراط في صفوف القوات الموالية للرئيس صالح والقوات المناوئة له، تتراوح أعمارهم بين 12- 16 عاماً، وهو ما يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل وتجاوزاً للمواثيق والقوانين الوطنية والدولية التي تحرم توظيف وتشغيل الأطفال قبل بلوغهم السن القانونية، ناهيك عن الزج بهم في صفوف العسكر وتكليفهم بمهام لاتتواءم وقدراتهم الجسدية والذهنية مثل العمل كحراسات عسكرية على الثكنات والمنشآت أو الدفع بهم للصفوف الأمامية لخوض مواجهات مسلحة في مناطق التماس مع القوات الحكومية الموالية للنظام . طفل يتأبط بندقية محمد ناصر عبده الحزمي، صبي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، لكنه يبدو وكأنه تجاوز سنوات عمره الحقيقية بعد أن اضطرته ظروف أسرته المعيشية الصعبة إلى الانصياع لرغبة والده بالانخراط المبكر في العسكرية والإقلاع عن ارتياد مدرسة التعليم الأساسي الحكومية التي يدرس فيها ليتوجه ذات نهار قريب برفقة الأخير إلى منطقة تجمع الراغبين في الالتحاق بمعسكر فرقة اللواء الأول مدرع الكائنة أمام البوابة الشمالية للمعسكر قبيل أن يتحول خلال أيام إلى “طفل كبير يتأبط بندقية" ويقف بانضباط في إحدى نقاط التفتيش المستحدثة في حي النهضة . وعبر الحزمي، الذي التقته “الخليج" في موقع خدمته العسكرية بنقطة تفتيش عسكرية تقع على مدخل أحد الأحياء السكنية المتفرعة من حي “النهضة" بشمال العاصمة عن توجسات شخصية باتت ترادوه منذ اضطر إلى ارتداء البزة العسكرية وحمل رشاش كلاشينكوف والتمركز في إحدى نقاط التفتيش المستحدثة من قبل القوات المنشقة وطبيعة الاعتبارات التي دفعته إلى الانقطاع عن الدراسة والالتحاق بالجندية رغم صغر سنه قائلاً “أبي قال لي إن هناك من هم أصغر منك سناً وتعسكروا والمدارس لن تنفعك بشيء وطالما أنهم لا يطلبون شهادة الثانوية لقبول مجندين جدد فاذهب للمعسكر أو شوف من يصرف عليك، فذهبت معه وتم قبولي لكنني أخاف من الحراسة في الليل لأن الكهرباء تنقطع والظلام يشعرني بالوحشة" . التنافس المحموم في استقطاب المجندين الجدد عبر فتح باب التجنيد وإسقاط معايير القبول التقليدية للمتقدمين من قبيل المواصفات البدنية والمؤهل التعليمي المحدد بشهادة الثانوية العامة حفز الكثير من الأسر المعدمة إلى الدفع بأبنائها القصر واقتيادهم من المدارس وساحات اللعب في الأحياء الشعبية إلى مراكز تجمع المتقدمين للتجنيد التطوعي لانتهاز فرص التوظيف الاستثنائية المتاحة في المعسكرات التابعة لقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي وفرقة اللواء الأول مدرع المنشقة . واعتبر حمود عبدالله عثمان المحفدي (50 عاماً)، وهو بائع متجول لم يتردد في إلحاق نجله الأصغر البالغ من العمر 16 عاماً للالتحاق بمعسكر قوات الأمن المركزي بعد فتح باب التجنيد في تصريح ل “الخليج" أنه اضطر إلى تجنيد نجله رغم صغر سنة لاعتبارات تتعلق باحتياجه لمصدر دخل إضافي لمساعدته على تحمل المصاريف الضرورية لمعيشة أسرته . ويقول: “ابني لن يذهب ليحارب في الصحراء أو ليقاتل الحوثيين أو تنظيم القاعدة كي أشعر بالندم أو الذنب لأنني بادرت إلى تجنيده وإلحاقه بمعسكر الأمن المركزي، سيعطونه سلاحاً وبدلة عسكرية ويكلفونه بالوقوف في إحدى الجولات أو الشوارع للحراسة، لاخطر على حياته لكن إذا كان هناك ما يحز في نفسي فهو أنني حرمته من لعب كرة القدم مع أصحابه والذهاب معهم إلى المدرسة" . لم تفلح الأصوات المتصاعدة المنددة بظاهرة “عسكرة الأطفال والمراهقين والقصر" والحملات التي نفذتها منظمات محلية ودولية من أبرزها منظمة “سياج" لحماية الطفولة لمناهضة عمليات الاستقطاب والتجنيد للذين لم يبلغوا السن القانونية في الحد من استمرار معسكرات القوات الحكومية والمنشقة في استقبال واستيعاب أفواج جديدة من صغار السن ضاربة عرض الحائط بالدعوات والمناشدات التي أطلقتها المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال حماية الطفولة ومناهضة ظاهرة عمالة الأطفال . واعتبر فضل القدسي المدير التنفيذي لمنظمة “سياج" لحماية الطفولة أن استمرار عمليات تجنيد الأطفال والقصر من قبل طرفي المعادلة العسكرية القائمة في مشهد الأزمة السياسية القائمة في البلاد يمثل انتهاكاً غير مقبول للقوانين والتشريعات المحلية والمواثيق الدولية التي تحظر استغلال الأطفال أو استخدامهم في الصراعات المسلحة، مؤكداً أن ثمة جهوداً حثيثة تبذلها المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال حماية الطفولة لتصعيد الفعاليات المناهضة لمثل هذه التجاوزات الصارخة .