إيران: دمرنا مايكروسوفت في بئر السبع بصاروخ واحد فقط لتواطئها مع الكيان    حسابات تأهل الأهلي المصري.. الأمل معلق بالبرازيليين    اختتام ورشة إعداد خطة العام 1447ه ضمن برنامج سلاسل القيمة في 51 مديرية نموذجية    الحشود تتوافد الى ساحات (ثابتون مع غزة وإيران ضد الإجرام الصهيوأمريكي)    من "فتاح" إلى "سجيل".. تعرف إلى أبرز أنواع صواريخ إيران    القبض على عصابة تنتحل صفة جهاز أمني في حضرموت    آل الشيخ عن دوري «روشن»: انتظروا من «ثمانية» نقلا مختلفا وأعلى جودة    كارثة كهرباء عدن مستمرة.. وعود حكومية تبخرّت مع ارتفاع درجة الحرارة    أتلتيكو يداوي الجراح بثلاثية سياتل    ميسي ينضم إلى ظهير باتشوكا    الذهب في طريقه لتكبد خسائر أسبوعية    العرب والمسلمين بين فن الممكن المهين والاقتصاد المكثف المفخرة    الطريق الدولي تحت سيطرة الحزام الأمني.. خنق لخطوط الإرهاب والتهريب    شبوة تودع شهيدي الواجب من قوات دفاع شبوة    المبرّر حرب ايران وإسرائيل.. ارتفاع أسعار الوقود في عدن    المستوطنة الأثيوبية في عتق.. خطر داهم على حياة المواطن وعرضه    خسائر معهد "وايزمان" نحو اثنين مليار شيكل جراء القصف الإيراني    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    صحيفة أمريكية تكشف حجم خسائر إسرائيل اليومية    البيت الأبيض يعلق على موعد قرار ترامب بشأن الهجوم المحتمل على إيران    في ظروف غامضة    قضاة يشكون تعسف وزير المالية إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى    عن العلاقة الجدلية بين مفهوم الوطن والمواطنة    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    فريق الرايات البيضاء يكشف عن اخر مستجدات إعادة فتح طريق رئيسي يربط بين جنوب ووسط اليمن    نتائج الصف التاسع..!    كأس العالم للاندية : ميسي يقود انتر ميامي لفوز ثمين على بورتو    "مسام" ينتزع نصف مليون لغم حوثي خلال 7 أعوام    مراجعات جذرية لا تصريحات آنية    الحوثيون يقرّون التحشيد الإجباري في الحديدة بدعوى نصرة إيران    ذمار تضيق على نسائها    المعبقي يكشف عن اجراءات نقل مقرات البنوك إلى عدن وكيف ستتعامل مع فروعها في مناطق سلطة صنعاء    خيانة عظمى.. علي ناصر محمد يتباهى بمنع انضمام الجنوب لمجلس التعاون الخليجي    من عدن إلى الضمير العالمي    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    صنعاء .. اعلان نتيجة اختبارات الشهادة الأساسية    من يومياتي في أمريكا .. هنا أموت كل يوم    اليوم نتائج الشهادة الاساسية وهذه طريقة الحصول على النتيجة    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    انهيار متواصل للريال اليمني.. أسعار الصرف تواصل التدهور في عدن    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    إصابة 3 مواطنين إثر 4 صواعق رعدية بوصاب السافل    مباراة تاريخية للهلال أمام ريال مدريد    الصبر مختبر العظمة    مواطنون يشكون منع النقاط الامنية ادخال الغاز إلى غرب محافظة الضالع    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس : النظام السابق يعود عبر الانتخابات
نشر في براقش نت يوم 24 - 12 - 2014

بالنسبة الى منتقديه فإن مسيرة الباجي قائد السبسي -السياسي المخضرم الفائز في أول إنتخابات رئاسية حرة في تونس- قد تختزل في أكثر من خمسة عقود من العمل السياسي في نظام حزب واحد قمعي مستبد شغل خلالها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية ورئيسا للبرلمان مع الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

لكن بمقدور الزعيم الثمانيني الآن أن يضيف بندا آخر الى سيرته الذاتية ألا وهو انه اصبح أول رئيس منتخب بشكل حر وديمقراطي في تونس التي أطاحت برئيسها السابق زين العابدين بن علي في احتجاجات وقعت قبل أربع سنوات.

تكمن المفارقة في ان الشعب التونسي الذي أطاح بالنظام السابق باحتجاجات ألهبت دول المنطقة عاد بعد أربع سنوات لينتخب مسؤولا عمل مع نفس الرئيس السابق بل كان قياديا في حزبه لاكثر من عشر سنوات.

بالنسبة الى خصومه فإن انتخاب رجل من الحرس القديم انتكاسة وضربة للثورة التي ألهمت المنطقة مثل الانتكاسة التي شهدتها مصر العام الماضي حين أطاح الجيش بالرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي.

لكن قد لا تكون عودة رجل من الحرس القديم من نظام بن علي للحكم بالضرورة انتكاسة للثورة في مهد انتفاضات الربيع العربي بقدر ما هي نجاح لها وقدرة على دمج كل الفرقاء السياسيين وتجنب السقوط في متاهات قد تكون أكثر قسوة ومرارة من عودة رموز النظام السابق.

وتونس ليست ليبيا التي تتقاتل فيها مجموعات تابعة لنظام الزعيم السابق معمر القذافي مع مجموعات اخرى شاركت في إنهاء حكمه.

في تونس رجع السبسي وحزبه نداء تونس عبر صناديق الانتخابات وأيضا عبر توافقات سياسية مع خصومهم الاسلاميين ما يؤكد انهم يتعاملون بشكل جيد مع الواقع السياسي الجديد في البلاد.

والعام الماضي رفض حزب النهضة الاسلامي وعدة أحزاب علمانية مشروع قانون لاقصاء مسؤولي النظام السابق من المشاركة في الانتخابات ضمن توافق سياسي أنهى أزمة سياسية أعقبت اغتيال اثنين من القادة العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وأظهر السبسي (88 عاما) -الذي كان أبرز معارض للاسلاميين- قدرة بارعة على الوصول للتوافقات مع خصومه. وكانت لقاءاته مع راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في كل مرة تنهي أزمة سياسية في البلاد التي تسعى لاستقرار سياسي وأمني يكمل سنوات من الانتقال الديمقراطي الهش.

تقول إحدى المؤيدات للسبسي أثناء الاحتفال بفوزه أمام مقر الحزب "إنه الرجل المناسب في المكان المناسب" وتضيف سناء بن سعيد لرويترز "نحتاج خبرته وهدوئه ورجاحة عقله لنكمل الطريق الشاق ونقطع مع سنوات عجاف لم نر فيها سوى كثير من الآلام".

والسبسي الذي بدأ مشوراه كمحام تقلد عدة مناصب مع أول رئيس لتونس بورقيبة ومع بن علي وظل مسؤولا في فترات حالكة من تاريخ البلاد في سجل الحريات.

لكن السبسي يفتخر بسنواته الطوال التي قضاها في خدمة تونس مع بورقيبة ويقول "بورقيبة رجل عظيم قدم الكثير لشعبه ومنح المرأة مكانة متقدمة وكان دائما رجلا متفتحا يريد شعبا متعلما ومتطورا".

ولكن رغم عمله مع بن علي كرئيس للبرلمان في بداية التسعينات وبقائه عضوا في اللجنة القيادية لحزب بن علي لفترة طويلة فان السبسي يحاول في كل مرة ان ينأى بنفسه عن بن علي ويقول إن الفاسدين في نظام بن علي يجب ان يحاسبوا أمام القضاء بينما من حق الآخرين ان يشاركوا مادامت أيديهم نظيفة.

يقول السبسي الذي يقر بان الماضي الديمقراطي لتونس لم يكن مشرقا بأنه سيكون ضامنا لكل الحريات مادام رئيسا للبلاد وان المخاوف من عودة الاستبداد ليست واقعية ولن يسمح بها.

والسبسي نفسه -الذي يخشى معارضوه من ان يعيد تجربة استبداد بن علي وبورقيبة- تعهد بالالتزام "بمستقبل ديمقراطي مشرق يستلهم ايجابيات الماضي ويقطع مع ممارساته السيئة".

ولا يقنع هذا الكلام منتقديه الذين يقولون إن الثورة كانت ضد النظام السابق الذي لم ينتظر سوى أربع سنوات ليعود للهيمنة من جديد عبر رئيس للبرلمان ورئيس للجمهورية من نفس حزب نداء تونس اضافة الى حكومة يتوقع ان يشكلها نفس الحزب خلال أيام بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية والرئاسية.

يقول علي المكي وهو شقيق شاب قتل بالرصاص في انتفاضة 2011 لرويترز "دفعنا الثمن غاليا واليوم النظام السابق يعود بشكل جديد وكأن شيئا لم يكن.. سنقاتل من أجل حريتنا ولن نستسلم مهما كلفنا".

لكن السبسي الذي يتمتع بدهاء سياسي وشخصية كاريزمية يقول "لكل التونسيين الحرية الكاملة في ان يلبسوا ما شاؤوا وان يعبروا كما شاؤوا.. سأحترم كل حرياتهم وأكون الضامن لاحترامها بما فيها حرية المعتقد الديني.. كل المخاوف لا مبرر لها".
ويضيف انه لن يلاحق أي صحفي عبر القضاء وانه "يفضل ان يرى صحافة حرة وفيها فوضى على ان تكون صحافة مقيدة".
حتى خصومه السياسيين يشيدون به.

ويقول راشد الغنوشي زعيم النهضة إن السبسي رجل يصلح لرئاسة البلاد وهو قادر على توحيدهم ويتعين مساندته في منصبه الجديد. ونائب رئيس النهضة عبد الفتاح مورو يري بدوره ان "السبسي رجل مسؤول أظهر شجاعة في التعامل مع المواقف ومسؤولية في حل عديد الازمات العالقة وهو رجل وفاق".

والسبسي كان له دور في إنجاح المسار الانتقالي حين سلم الحكم بسلاسة للاسلاميين في 2011 بعد فوزهم في انتخابات المجلس التأسيسي لصياغة دستور جديد. وبعد خروجه ظل معارضا شرسا لهم وأسس حزب نداء تونس ولكن كان في كل أزمة يتفاوض مع الاسلاميين.

ويظهر الترحيب الدولي الذي ناله السبسي عقب انتخابه من قادة غربيين مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما انه ليس مصدر قلق ولن يكون حجر عثرة في الطريق الديمقراطي الجديد.

والسبسي نفسه قال في أول تصريح بعد فوزه في الانتخابات إن تونس ستكون بحاجة لخصمه في الانتخابات الرئاسية المنصف المرزوقي وانه يتعين ان تبقى تونس منارة للتغيير الديمقراطي في العالم العربي عبر التوحد والشراكة بين الجميع دون إقصاء أي طرف على حد قوله.

لكن ليس هذا فقط فهناك كثير من المسائل التي قد تجعل من عودة بعض مسؤولي النظام السابق أمرا لا يدعو للقلق من امكانية تفردها بالسلطة من جديد. فحكومة تونس المقبلة التي سيشكلها حزب السبسي ستحتاج قروضا ومساعدات بحوالي اربعة مليارات دولار من الغرب لانعاش اقتصادها المنهار.

ومن المتوقع ان يجبر المقرضون الدوليون الحكومة المقبلة على مزيد من الاصلاحات الاقتصادية الجريئة التي تحتاج حكومة ائتلافية قوية لمواجهة أي توترات اجتماعية نتيجة خفض الدعم ورفع الاسعار.

لكن الواقع السياسي الجديد في تونس سيكون ايضا حائط صد لأي تجاوزات محتملة من قبل السبسي او حزبه نداء تونس الذي كونه قبل عامين للحد من سيطرة الاسلاميين.

فالسبسي ونداء تونس محاطون الان بفسيفساء من الاحزاب السياسية ومجتمع مدني قوي لن يقبل بأي تجاوزات او تكرار لأخطاء الماضي أو الخروج بتونس من نادي البلدان الديمقراطية الناشئة التي أشادت بها واشنطن.

فحركة النهضة والجبهة الشعبية وهما حزبان قويان ومنظمان لا يتوقع ان يسمحا بالتضييق على الحريات وحتى حلفائه الليبراليين مثل آفاق تونس والمسار لا يتوقع ان يصمتا أمام أي ممارسات قديمة والعودة بالبلاد الى ما قبل الثورة.

ولعل تعليقا صحفيا في التلفزيون الحكومي التونسي للسبسي اثناء اول مقابلة له بعد انتخابه رئيسا للبلاد يظهر مدى تشبث التونسيين بالحرية التي منحتها اياهم الثورة مهما كان الرئيس من الحرس القديم او الجديد.

يقول الصحفي معز بن غربية مخاطبا السبسي خلال المقابلة التي أذيعت على الهواء مباشرة "الترويكا (الائتلاف الحكومي الذي قادته النهضة الاسلامية) صبرت علينا كثيرا وسمعت منا نقدا واسعا ونحن نخبرك الان سيدي الرئيس أننا لن نفرط في مكسب حرية التعبير والصحافة وسيأتي الدور عليك بالنقد وانت يجب ان تكون ضامنا لهذه الحريات".


تونس : النظام السابق يعود عبر الانتخابات
براقش نت – رويترز : بالنسبة الى منتقديه فإن مسيرة الباجي قائد السبسي -السياسي المخضرم الفائز في أول إنتخابات رئاسية حرة في تونس- قد تختزل في أكثر من خمسة عقود من العمل السياسي في نظام حزب واحد قمعي مستبد شغل خلالها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية ورئيسا للبرلمان مع الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

لكن بمقدور الزعيم الثمانيني الآن أن يضيف بندا آخر الى سيرته الذاتية ألا وهو انه اصبح أول رئيس منتخب بشكل حر وديمقراطي في تونس التي أطاحت برئيسها السابق زين العابدين بن علي في احتجاجات وقعت قبل أربع سنوات.

تكمن المفارقة في ان الشعب التونسي الذي أطاح بالنظام السابق باحتجاجات ألهبت دول المنطقة عاد بعد أربع سنوات لينتخب مسؤولا عمل مع نفس الرئيس السابق بل كان قياديا في حزبه لاكثر من عشر سنوات.

بالنسبة الى خصومه فإن انتخاب رجل من الحرس القديم انتكاسة وضربة للثورة التي ألهمت المنطقة مثل الانتكاسة التي شهدتها مصر العام الماضي حين أطاح الجيش بالرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي.

لكن قد لا تكون عودة رجل من الحرس القديم من نظام بن علي للحكم بالضرورة انتكاسة للثورة في مهد انتفاضات الربيع العربي بقدر ما هي نجاح لها وقدرة على دمج كل الفرقاء السياسيين وتجنب السقوط في متاهات قد تكون أكثر قسوة ومرارة من عودة رموز النظام السابق.

وتونس ليست ليبيا التي تتقاتل فيها مجموعات تابعة لنظام الزعيم السابق معمر القذافي مع مجموعات اخرى شاركت في إنهاء حكمه.

في تونس رجع السبسي وحزبه نداء تونس عبر صناديق الانتخابات وأيضا عبر توافقات سياسية مع خصومهم الاسلاميين ما يؤكد انهم يتعاملون بشكل جيد مع الواقع السياسي الجديد في البلاد.

والعام الماضي رفض حزب النهضة الاسلامي وعدة أحزاب علمانية مشروع قانون لاقصاء مسؤولي النظام السابق من المشاركة في الانتخابات ضمن توافق سياسي أنهى أزمة سياسية أعقبت اغتيال اثنين من القادة العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وأظهر السبسي (88 عاما) -الذي كان أبرز معارض للاسلاميين- قدرة بارعة على الوصول للتوافقات مع خصومه. وكانت لقاءاته مع راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في كل مرة تنهي أزمة سياسية في البلاد التي تسعى لاستقرار سياسي وأمني يكمل سنوات من الانتقال الديمقراطي الهش.

تقول إحدى المؤيدات للسبسي أثناء الاحتفال بفوزه أمام مقر الحزب "إنه الرجل المناسب في المكان المناسب" وتضيف سناء بن سعيد لرويترز "نحتاج خبرته وهدوئه ورجاحة عقله لنكمل الطريق الشاق ونقطع مع سنوات عجاف لم نر فيها سوى كثير من الآلام".

والسبسي الذي بدأ مشوراه كمحام تقلد عدة مناصب مع أول رئيس لتونس بورقيبة ومع بن علي وظل مسؤولا في فترات حالكة من تاريخ البلاد في سجل الحريات.

لكن السبسي يفتخر بسنواته الطوال التي قضاها في خدمة تونس مع بورقيبة ويقول "بورقيبة رجل عظيم قدم الكثير لشعبه ومنح المرأة مكانة متقدمة وكان دائما رجلا متفتحا يريد شعبا متعلما ومتطورا".

ولكن رغم عمله مع بن علي كرئيس للبرلمان في بداية التسعينات وبقائه عضوا في اللجنة القيادية لحزب بن علي لفترة طويلة فان السبسي يحاول في كل مرة ان ينأى بنفسه عن بن علي ويقول إن الفاسدين في نظام بن علي يجب ان يحاسبوا أمام القضاء بينما من حق الآخرين ان يشاركوا مادامت أيديهم نظيفة.

يقول السبسي الذي يقر بان الماضي الديمقراطي لتونس لم يكن مشرقا بأنه سيكون ضامنا لكل الحريات مادام رئيسا للبلاد وان المخاوف من عودة الاستبداد ليست واقعية ولن يسمح بها.

والسبسي نفسه -الذي يخشى معارضوه من ان يعيد تجربة استبداد بن علي وبورقيبة- تعهد بالالتزام "بمستقبل ديمقراطي مشرق يستلهم ايجابيات الماضي ويقطع مع ممارساته السيئة".

ولا يقنع هذا الكلام منتقديه الذين يقولون إن الثورة كانت ضد النظام السابق الذي لم ينتظر سوى أربع سنوات ليعود للهيمنة من جديد عبر رئيس للبرلمان ورئيس للجمهورية من نفس حزب نداء تونس اضافة الى حكومة يتوقع ان يشكلها نفس الحزب خلال أيام بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية والرئاسية.

يقول علي المكي وهو شقيق شاب قتل بالرصاص في انتفاضة 2011 لرويترز "دفعنا الثمن غاليا واليوم النظام السابق يعود بشكل جديد وكأن شيئا لم يكن.. سنقاتل من أجل حريتنا ولن نستسلم مهما كلفنا".

لكن السبسي الذي يتمتع بدهاء سياسي وشخصية كاريزمية يقول "لكل التونسيين الحرية الكاملة في ان يلبسوا ما شاؤوا وان يعبروا كما شاؤوا.. سأحترم كل حرياتهم وأكون الضامن لاحترامها بما فيها حرية المعتقد الديني.. كل المخاوف لا مبرر لها".
ويضيف انه لن يلاحق أي صحفي عبر القضاء وانه "يفضل ان يرى صحافة حرة وفيها فوضى على ان تكون صحافة مقيدة".
حتى خصومه السياسيين يشيدون به.

ويقول راشد الغنوشي زعيم النهضة إن السبسي رجل يصلح لرئاسة البلاد وهو قادر على توحيدهم ويتعين مساندته في منصبه الجديد. ونائب رئيس النهضة عبد الفتاح مورو يري بدوره ان "السبسي رجل مسؤول أظهر شجاعة في التعامل مع المواقف ومسؤولية في حل عديد الازمات العالقة وهو رجل وفاق".

والسبسي كان له دور في إنجاح المسار الانتقالي حين سلم الحكم بسلاسة للاسلاميين في 2011 بعد فوزهم في انتخابات المجلس التأسيسي لصياغة دستور جديد. وبعد خروجه ظل معارضا شرسا لهم وأسس حزب نداء تونس ولكن كان في كل أزمة يتفاوض مع الاسلاميين.

ويظهر الترحيب الدولي الذي ناله السبسي عقب انتخابه من قادة غربيين مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما انه ليس مصدر قلق ولن يكون حجر عثرة في الطريق الديمقراطي الجديد.

والسبسي نفسه قال في أول تصريح بعد فوزه في الانتخابات إن تونس ستكون بحاجة لخصمه في الانتخابات الرئاسية المنصف المرزوقي وانه يتعين ان تبقى تونس منارة للتغيير الديمقراطي في العالم العربي عبر التوحد والشراكة بين الجميع دون إقصاء أي طرف على حد قوله.

لكن ليس هذا فقط فهناك كثير من المسائل التي قد تجعل من عودة بعض مسؤولي النظام السابق أمرا لا يدعو للقلق من امكانية تفردها بالسلطة من جديد. فحكومة تونس المقبلة التي سيشكلها حزب السبسي ستحتاج قروضا ومساعدات بحوالي اربعة مليارات دولار من الغرب لانعاش اقتصادها المنهار.

ومن المتوقع ان يجبر المقرضون الدوليون الحكومة المقبلة على مزيد من الاصلاحات الاقتصادية الجريئة التي تحتاج حكومة ائتلافية قوية لمواجهة أي توترات اجتماعية نتيجة خفض الدعم ورفع الاسعار.

لكن الواقع السياسي الجديد في تونس سيكون ايضا حائط صد لأي تجاوزات محتملة من قبل السبسي او حزبه نداء تونس الذي كونه قبل عامين للحد من سيطرة الاسلاميين.

فالسبسي ونداء تونس محاطون الان بفسيفساء من الاحزاب السياسية ومجتمع مدني قوي لن يقبل بأي تجاوزات او تكرار لأخطاء الماضي أو الخروج بتونس من نادي البلدان الديمقراطية الناشئة التي أشادت بها واشنطن.

فحركة النهضة والجبهة الشعبية وهما حزبان قويان ومنظمان لا يتوقع ان يسمحا بالتضييق على الحريات وحتى حلفائه الليبراليين مثل آفاق تونس والمسار لا يتوقع ان يصمتا أمام أي ممارسات قديمة والعودة بالبلاد الى ما قبل الثورة.

ولعل تعليقا صحفيا في التلفزيون الحكومي التونسي للسبسي اثناء اول مقابلة له بعد انتخابه رئيسا للبلاد يظهر مدى تشبث التونسيين بالحرية التي منحتها اياهم الثورة مهما كان الرئيس من الحرس القديم او الجديد.

يقول الصحفي معز بن غربية مخاطبا السبسي خلال المقابلة التي أذيعت على الهواء مباشرة "الترويكا (الائتلاف الحكومي الذي قادته النهضة الاسلامية) صبرت علينا كثيرا وسمعت منا نقدا واسعا ونحن نخبرك الان سيدي الرئيس أننا لن نفرط في مكسب حرية التعبير والصحافة وسيأتي الدور عليك بالنقد وانت يجب ان تكون ضامنا لهذه الحريات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.