تتردّد في واشنطن منذ فترة، سيرة التجربة اليمنية واحتمالات اعتمادها كمخرج للأزمة السورية. طلعت في البداية كمقترح. ثم طرحت من باب جسّ النبض، الإقليمي والدولي. مع مجيء خطة المبعوث الأممي العربي كوفي أنان، غابت عن الشاشة. والآن تعود إلى التداول، بعد وقوع هذه الأخيرة في الغيبوبة. لكن هذه المرة يبدو أنها مطروحة بصورة جدّية. مشروعها بات جاهزاً بعد أن أشرف أنان نفسه على صياغته. كل ما ينقصها هو تحقيق الإجماع حولها، لوضعها موضع التنفيذ. وهنا التحدي الكبير الذي يواجهها. وكان الحديث عن الخطة الجديدة سبق وصول كوفي أنان إلى واشنطن اليوم . موجة التسريبات والتلميحات عن ما يحمله في جعبته وينوي التباحث بشأنه مع الإدارة الأميركية، انطلقت بالتزامن من اسطنبولوموسكووواشنطن. وكلها تقاطعت عند موضوعين: واحد يحظى بالإجماع وهو أن خطة أنان ونقاطها الستة، لفظت أنفاسها. والثاني يقوم على خطة بديلة بدا أنان المزوّد بأكثر من ضوء أخضر تسويقها تحت عنوان «خريطة طريق» لحلّ الأزمة السورية. إزاحة الأسد الخريطة، كما كشف عن خطوطها العريضة كاتب الرأي المعروف والموثوق في جريدة «واشنطن بوست» دافيد اغناتيوس، تحدّد الآليات لعملية إزاحة الرئيس بشار الأسد بطريقة سلمية، تتولى التفاوض بشأنها مجموعة دولية تضم «الدول الكبرى الخمس إلى جانب إيران وتركيا والسعودية وربما قطر كممثل للجامعة العربية». يكون دور هذه التشكيلة الدولية المؤثرة بشكل أو بآخر في الوضع السوري، «وضع مسودّة تتضمن الدعوة لانتخاب رئيس يخلف الأسد كما لإجراء انتخابات نيابية ووضع دستور جديد، مع تحديد سقف زمني لإنجاز هذه الخطوات، ثم طرحها على الرئيس السوري والمعارضة». يستتبع ذلك، لو سارت الأمور في هذا الاتجاه، «لجوء الأسد إلى روسيا أو إيران حيث يقال إن كليهما عرض عليه الاستضافة». كما نسب إلى أنان قوله بأنه «يفضّل أن يأتي المشروع مفصلاً كفاية بحيث يشتمل على خطة لإصلاح قوات الأمن السورية».
بموازاة الكشف عن هذه المعلومات، صدرت إشارات من موسكو تشي بأن الروس منفتحون على خيار الحل السياسي بشكل عام. تمثل ذلك في عدم اشتراطهم بقاء الأسد، لتمرير مثل هذا الحلّ. كما صدرت تلميحات ولو ملتبسة، عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال جولتها الأوروبية، تصبّ في هذا الاتجاه، إذ لم تصرّ على إزاحة الأسد كشرط مسبق. عزّز هذا الاعتقاد تأكيد الخارجية لوجود تشاور في هذا الخصوص. «نعمل عن قرب مع روسيا »، قال الناطق مارك تونر في جوابه عن سؤال «البيان» عن خيارات الإدارة بعد فشل خطة النقاط الست.
«خريطة الطريق»، كما أطلق عليها، ما زالت على الورق. يطرحها صاحبها امام مجلس الأمن. في اليوم التالي يتباحث حولها مع الوزيرة كلينتون في واشنطن. حتى الآن تقاطعت الإشارات بخصوصها عند الاستعداد للبحث فيها. لكن أكوام من العقبات تعترضها. المراهنة في واشنطن، أن موسكو تملك المفتاح وليس من المستبعد إقناعها بالتعاون. لكن الثمن الذي تريده روسيا لا يقل عن تصفية حساب معلّق منذ عقدين، مع واشنطن. يشتمل على تنازلات أميركية استراتيجية، في أوروبا ووسط آسيا كما على صعيد العلاقات الثنائية، فضلاً عن ضمان مصالح موسكو في الشرق الأوسط وبالتحديد في سوريا ما بعد الأسد. إدارة أوباما لا تقوى على تلبيتها ولو جزئياً قبل الانتخابات، في احسن الأحوال. لا يبدو أن ظروف هذه الخريطة قد نضجت. طرحها فرضته الحاجة إلى حرق المزيد من الوقت في ضوء تعذر المخارج. فضلاً عن عدم القدرة على نفض اليد كلياً من الأزمة. ربما جاؤوا بها كبديل لخطة أنان التي ينفد مفعولها بعد حوالي شهر ولا قدرة على تسويغ تمديدها لأنها عجزت عن تحقيق أي خطوة. كله ترحيل فيما تغرق سوريا بالمزيد من دمائها.