لطالما كنت أشعر بالمغص وبالخيبات كلما سمعت عبارة "الجيش اليمني"؛ ذلك لأن جيش "علي حيرو" هذا ظل لسنوات طوال – خصوصاً أثناء الحروب الأهلية، وما أكثرها – ظل يذكرني على الدوام بحروبنا أيام كنا أطفالاً نخرج إلى أزقة الحارة ونلعب حرباً، متأثرين بمعارك المسلسلات التأريخية. كنا نقتسم فريقين من نفس الحارة، وكان كل واحد منا يصنع لنفسه - من أطرف سيخ حديدي - سيفاً أو رمحاً، وعينك ما تشوف إلا النور. كل واحد منا يندع الثاني بسيفه أو برمحه، وهات يا صياح وملاحقة من زقاق إلى آخر، وما تنتهي سويعات تلك الحرب إلا وقد طلع الغبار إلى الحارة الرابعة. المشكلة أن الفريقين المتحاربين كلاهما كان يقاتل الآخر وهم يهتفان بنفس الحماس: الله أكبر.. قاتلوا الكفار.. قاتلوا المشركين، حتى لم نكن نعرف بصراحة من هو الكافر ومن هو المسلم، المهم نتنادع وبعدا يحلها ملك. وأما المضحك في حروبنا الطفولية تلك هو أن كلا القتلى الإفتراضيين - من الطرفين - كلهم محسوبون شهداء، تماماً، كما لو أن الجنة دكان الحج "هزاع الجُماعي" وهذا الأخير طبعاً هو عاقل الحارة الذي كان يلعب أثناء كل تلك المعارك دور المتفرج اللبيب. إنه يذكرني تماماً ببعض مشائخ الدين الأجلاء الذين يغضون الطرف عن كل تلك الحروب التي خاضها اليمنيون ضد بعضهم بعضاً، وحين يكون الأمر متعلقاً بالقاعدة، هذا الوباء الذي أساء للدين وللبلد تجدهم – بالصلاة على النبي – "ينبعوا" ليقدموا النصح للحاكم! أعتقد صواباً أن حروب الجيش اليمني – خلال ال 50 الفائتة كانت كلها - بلا استثناء - شبيهة بتلك الحروب العبيطة، عدا هذه الحرب الأخيرة والجادة ضد عناصر القاعدة أو من يسمون أنفسهم "أنصار الشريعة". إنها برأيي الحرب المُحترمة الوحيدة التي خاضها الجيش اليمني بغية الانتصار لأجل اليمن، في حين ظلت بقية الحروب السابقة مجرد مهرجانات دماء خاضها الجيش لإرضاء شهوة زعطان وفلتان. الآن فقط يستطيع الفلاح والمدرس والطبيب والمهندس والممرضة والطالبة والفنان والأديب والرسام والقبيلي، جميع شرائح المجتمع بوسعهم الآن أن يؤشروا باتجاه البزة العسكرية للجيش اليمني وهم يتحدثون بزهو: هذا جيشنا، ضاربين له تعظيم سلام . سنوات طويلة من التواطؤ مع أنصار الموت والبارود ورثت للبلد سنين من النياح والخراب، فضلاً عن قوافل من الشهداء الذين لو فكر أتقياء هذا البلد وعلماؤه الربانيون أن يقوموا الآن برصف بزات الشهداء من الجنود والمدنيين معاً لأصبح لليمنيين طريق معبد من الأرض - مباشرة – إلى الجنة. جيش "علي حيرو" الذي خاض حروباً 6 في صعدة كان على ما يبدو يقاتل لأجل مخصصات اللجنة السعودية الخاصة، كان يقاتل تحت بند مخصصات "مكافحة الروافض" ولم يكن يقاتل لأجل اليمن. لأسباب كثيرة – على أي حال - ظل الجيش اليمني لسنوات طوال مجرد أضحوكة، أو مجرد عصابة يتوزعها.. علي وعلي، وكلا العليين كان ولايزال حيرهم على اليمنيين فقط. وأكثر ما أخشاه الآن هو أن ينزلق الرئيس عبدربه منصور هادي إلى نفس تلك المحاصصة السمجة و"تنبع" لنا "أبين" بدلاً عن "سنحان!". هادي الذي يقود هذه المرحلة الصعبة بهدوء مثمر لا أظنه سيخيب آمال اليمنيين فيه ويسمح بأن يتحول الجيش اليمني ثانية إلى "هكبة" تستلمها في كل حقبة قرية أو محافظة بعينها. شخصياً، أبدو فخوراً جداً بما حققه الجيش اليمني من انتصار ضد تلك القوى المؤذية، ذلك الانتصار الذي لن يعيد الاعتبار لعبارة "الجيش اليمني" فحسب، بل سيعيد الاخضرار إلى دلتا أبين الجريح. الجيش اليمني.. لأول مرة أنطق هذه العبارة وأنا أشعر بالرهبة وبالزهو. رائعة ستصبح الكلمات والحياة معاً إذا ما استطاع "هادي" أن يكون رئيساً لكل اليمنيين. أفكر أن أتحدث في العدد القادم عن أهم الأشياء التي أضعفت الجيش وعن التحريض الذي مورس - خلال هذه الفترة - ضد وحدات بعينها بغية التقليل من شأنها وضرب الجيش بعضه ببعض، ولكنني – بصراحة - أخشى أن يأتي موعد الإصدار يوم الأحد القادم وقد الأخبار تقول: إن "أنصار الشريعة رجعوا أبين من ثاني" يااااايوم الجن، رجاءً خلونا نفرح شوية ومش وقت هذا المزاح الثقيل. [email protected]