المقبرة هي قنطرتنا وجسرنا إلى العالم الآخر، ومن حق أي إنسان مهما كانت ملته وطائفته وجنسيته. أن يكون له مكان يُدفن فيه ويكون له مقبرة. في عهد الاستعمار البريطاني كانت عدن تتسع للجميع كوطن وتتسع كمقبرة.. كان فيها مقابر بعدد الملل والنِّحل والطوائف الدينية المتواجدة، وكانت مقبرة البهائيين هي الأشهر والأكثر غموضاً.
في كتابها :"أنْ تقرأ لُوليتا في طهران" تسرد لنا الكاتبة الإيرانية (أذر نفيسي) مأساة ولد ذكي ومتفوق في دراسته ومحبوب من أساتذته، كان الولد راغبا في الالتحاق بكلية الطب، وكان قد نجح بتفوق في امتحان القبول لكنه حُرِم من الحصول على مقعد في الجامعة لأنه كان قد اعترف بأنه بهائي. تقول أذر: كان البهائيون قد عاشوا إبّان حكم الشاه حقبة من الازدهار والحماية، وكانت تلك خطيئة الشاه التي لم يغفرها له النظام مطلقا. وبعد قيام الثورة صودرت أملاكهم وأعدِم زعماؤهم ولم يعد للبهائيين أي حقوق مدنية في ظل الدستور الإسلامي الجديد، ومُنِعوا من الالتحاق بالمدارس والجامعات. كان الولد في ذلك الوقت يعيش مع جدته التي كانت مريضة منذ أمد طويل، وذات يوم اتصل الولد بأستاذه من المستشفى يخبره بموت جدته. وعندما حضر الأستاذ وجد تلميذه البهائي بباب المستشفى يقف حائراً إلى جوار امرأة ضعيفة مثل خرقة قد ابتلّت بدموعها وكانت تلك هي خالته. كاد الولد ينفجر بالبكاء غير أنه كان المستحيل عليه أن يبكي أمام أستاذه الذي يحترمه، فحاول التصرف كرجل عاقل لكن عينيه أضمرتا ما هو أقسى من البكاء. هل تعرفون لماذا كاد الولد البهائي ينفجر من البكاء ؟ ليس لأن جدته ماتت ولكن لأنه كان يحس بالذنب كونه لم يستطع دفنها. هل تعرفون لماذا لم يستطع الولد البهائي القيام بدفن جدته؟ لأنه لم يكن هناك ثمة مكان لدفن البهائيين في عهد الدولة الإسلامية. هل تعرفون لماذا لا يوجد مكان لدفن البهائيين؟ لأن النظام كان قد دمر مقبرة البهائيين منذ السنوات الأولى للثورة وأزال القبور بالجرافات. والآن ليتخيل كل واحد منكم أنه بهائي في صنعاء ويقول لنا ماذا بوسعه أن يفعل لو أن جدته ماتت ولم يكن ثمة مقبرة للبهائيين!