تواصلت المعارك الضارية على جبهات كثيرة في حلب، أمس، ولليوم الثالث على التوالي، بين قوات الرئيس بشار الاسد ومقاتلي المعارضة، فيما قامت القوات النظامية بمداهمات في دمشق، حيث دارت اشتباكات في أحد أحيائها الجنوبية، وارتكبت مجزرة جديدة في ريفها، وفي الوقت نفسه واصلت قصفها الجوي والبري على محافظات عدة، مما اوقع عشرات القتلى والجرحى. تزامن ذلك مع تشكيل «القيادة المشتركة للمجالس العسكرية الثورية»، التي تضم جانبا كبيرا من القوى الفاعلة على الأرض في مختلف المحافظات السورية، ووفق هيكلية تعتمد على ثلاثة مستويات رئيسية للقيادة، تتكون من القيادة العامة، ومكتب التنسيق والارتباط، والمجالس العسكرية لكل المحافظات السورية. ودعت القيادة المشتركة في بيانها جميع القوى الثورية والعسكرية الى الانضمام إليها، والعمل المشترك من أجل «خدمة الثورة والشعب وإسقاط النظام»، مؤكدة أن الهدف هو «بناء عمل مؤسساتي متكامل.. وخطط عسكرية لإنهاء النظام القائم مهما تكلف الثمن». وتزامنت هذه الأحداث مع تباينات إضافية في الموقفين الأميركي والروسي من النزاع المستمر في سوريا منذ أكثر من 18 شهرا، إذ أعلنت واشنطن تقديم مساعدات إضافية «للمعارضة غير المسلحة»، بينما اتهمت موسكو الغرب بتعميق الأزمة في سوريا. ويأتي ذلك غداة سقوط 120 قتيلا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويصعب التأكد من حصيلة القتلى من مصدر مستقل، كما يتعذر التحقق من الوقائع الميدانية بسبب الوضع الأمني والقيود الحكومية المفروضة على تحركات الإعلاميين.
معارك على كل الجبهات وأفاد المرصد عن وقوع اشتباكات صباح أمس في حلب «بين القوات النظامية ومقاتلين من الكتائب الثائرة المقاتلة في أحياء باب أنطاكيا والجلوم وباب جنين ومحيط حيي الشيخ خضر وبستان الباشا وحي الميدان، وحي الإذاعة الذي تعرض لقصف جوي وبري عنيف». سبق ذلك «اشتباكات عنيفة في حي صلاح الدين (جنوب غرب) إثر الهجوم، الذي نفذه مقاتلون من الكتائب الثائرة المقاتلة على نقطة عسكرية للقوات النظامية للحي»، بحسب المرصد. كما أفاد مراسلون في المدينة عن وقوع اشتباكات فجرا في أحياء الصاخور (شرق) وبستان القصر والكلاسة في جنوب غرب المدينة، التي شهدت ليل الجمعة السبت اشتباكات، مع محاولة مقاتلي المعارضة التقدم على عدد من المحاور، منها الوسط، حيث «دارت اشتباكات عنيفة (...) في الأعظمية والسبع بحرات ودوار الجندول»، بحسب المرصد.
السوق القديم يحترق وأدت الاشتباكات الى اشتعال النيران «في المحال التجارية في سوق المدينة التاريخي الشهير، الذي يعتبر من أهم الأسواق التجاربة في حلب»، بحسب المرصد. ومدينة حلب القديمة واحدة من عدد من المواقع في سوريا، التي أدرجتها منظمة اليونيسكو ضمن المواقع الأثرية في العالم، والمعرضة للخطر الآن جراء القتال. وتنحو قوات الأسد ومقاتلي المعارضة باللائمة على بعضهم البعض في اندلاع الحريق. وتشهد حلب منذ فجر الخميس الماضي معارك «غير مسبوقة»، و«على جبهات عدة»، بحسب المرصد، بعدما شن المقاتلون المعارضون هجمات على القوات النظامية وعلى أكثر من محور في الوقت نفسه، في محاولة لدفعها خارج بعض أحياء المدينة.
مداهمات واشتباكات في دمشق وفي دمشق، شنت القوات النظامية حملة مداهمات واعتقالات في حي برزة، الذي شهد «حالة نزوح بين الأهالي خلال الاقتحام». كما أفادت الهيئة العامة للثورة السورية عن «اقتحام الحي بالدبابات من قبل قوات الأمن والشبيحة، وكسر أقفال أحد المحال التجارية مقابل جامع السلام وسرقتها بالتزامن مع حركة نزوح للأهالي». وأوضح المرصد أن اشتباكات بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين «سجلت في منطقة البساتين الفاصلة بين برزة وحرستا»، أدت الى مقتل مقاتلين اثنين. كما دارت اشتباكات في حي التضامن «تبعها انتشار للقوات النظامية في الحي وحملة مداهمات». ورغم إعلان القوات النظامية في يوليو الماضي سيطرتها على مجمل أحياء العاصمة، لا يزال بعض منها لا سيما في الجنوب، يشهد اشتباكات في جيوب مقاومة للمقاتلين المعارضين.
في الأثناء، قال ناشطون إن الأمن السوري والشبيحة ارتكبوا مجزرة جديدة في قدسيا (في دمشق)، راح ضحيتها عشرون قتيلا، بينهم نساء وأطفال.
45 مليون دولار إضافية الى ذلك، تلقت المعارضة السورية دعما أميركيا إضافيا، مع إعلان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون (الجمعة) عن زيادة المساعدات «للمعارضة غير المسلحة»، تزامنت مع تأكيد وزير الدفاع ليون بانيتا قيام الحكومة السورية بنقل بعض من مخزونها من الأسلحة الكيميائية. وقالت كلينتون، التي وصفت طهران ب«خشبة خلاص للنظام السوري»، عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن بلادها ستقدم «مساعدة إضافية بقيمة 30 مليون دولار لمساعدة السكان في الحصول على الغذاء والماء والبطانيات والخدمات الطبية الأساسية، ومساعدة أخرى بقيمة 15 مليونا لدعم المجموعات المدنية للمعارضة السورية». وأعلن نظيرها البريطاني وليام هيغ تخصيص 12.9 مليون دولار علاوة عن 30.5 مليونا تم تخصيصها لصندوق انساني. وشدد نظيرها الفرنسي لوران فابيوس على مساعدة «المناطق المحررة.. كوسيلة ملموسة لمساعدة الشعب السوري».
روسيا تتهم الغرب في المقابل، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب بعرقلة تطبيق اتفاق جنيف، الذي لا يتحدث عن تنحي الأسد. ودعا لافروف، في كلمته أمام الجمعية العامة، أعضاء مجموعة العمل حول سوريا الى تأكيد التزامهم باتفاق جنيف، الذي يوفر «الوسيلة الاسرع لإنهاء» النزاع، مذكرا بان موسكو اقترحت على مجلس الامن تبني قرار بذلك، لكن «هذا المقترح تم تعطيله» من قبل الغرب، وحذر من أن «أولئك الذين يعارضون تطبيق الاتفاق يتحملون مسؤولية كبيرة»، من دون أن يشير الى دول أو جهات بالاسم.
«شتاء ثانٍ للحرب في سوريا» تحت عنوان «شتاء ثان للحرب» نشرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية أمس تحقيقا تتناول فيه المعاناة الانسانية للمواطنين السوريين الذين بات كثير منهم من دون مأوى مع تواصل القتال في مناطقهم هذا الشتاء، حيث يرزحون تحت وطأة ارتفاع اسعار المواد الغذائية وشح الادوية، وسط ما تقول الصحيفة مخاوف متزايدة من استمرار النزاع لسنوات. ويصف مراسل الصحيفة مايكل بيل الأوضاع الانسانية الصعبة للنازحين من القتال، المتجمعين في عمارات غير مكتملة البناء، كانت ضمن مشروع حكومي لعمارات سكنية للموظفين الحكوميين في مدينة عدرا شمال شرقي العاصمة دمشق. وينقل المراسل عن مواطن سوري يدعى ابو فاضل هرب مع عائلته من قتال دار في منطقة السيدة زينب جنوبيدمشق قبل شهرين، ويعيش الآن في شقة مع 13 شخصا من افراد عائلته، قوله «كل ما أريده أن استعيد حياتي السابقة. اريد ان أعود الى بيتي، البيت الذي قضيت حياتي كلها في بنائه». ويقول المراسل ان ابا فاضل هو واحد من عدد متزايد من النازحين السوريين بسبب القتال الذين يواجهون خيارا صعبا كما يصفه العاملون في مجال الاغاثة بين «التجمد من البرد أو القصف». في وقت دخلت «اطول انتفاضة في الربيع العربي وأكثرها تدميرا في شتائها الثاني وسط معاناة انسانية ضخمة لجموع السوريين العالقين في مأزق بين عنف النظام، وعمليات القتل الوحشية المتزايدة التي يمارسها وشرذمة جماعات المعارضة المسلحة التي تخوض حرب عصابات ضده».