كيف يمكن التأكد أن "الجارديان" نشرت تحليلا يقطع بأن أي شخص ينقد علي محسن، هو حوثي بالتأكيد، وفي حال أن "الجارديان" قالت هذا، فهي صحيفة حمقاء، ولو صدرت من لندن. تناقل البعض تحليل "الجارديان" المزعوم بفرح من وجد أخيرا الدليل القاطع على كل ما يزعمه هو في معركة مجانية مع عدد كبير من الكتاب والسياسيين، في مواجهة ساذجة من النوع الذي يتسلح بالتقارير الدولية لممارسة الابتزاز والترهيب بأشكال من التهم التي لا يدري أحدنا أين يضعها في قائمة التهم الوطنية الحديثة. ما إن تم تفخيخ الثورة حتى منح كل مضطغن نفسه الحق في لعب دور المدعي العام يتهم بالأمن القومي والانفصال والحوثية وبيع المبادئ للرئيس المخلوع، وهكذا، مع أنه لم يقل أحد حتى من الكبار الذين يختبئ المتحمسون تحت معاطفهم، لم يقل إن الحوثية تهمة، وهي حقا ليست تهمة إلا بما نظنه نحن حقيقتها وطموحاتها، وقد لا يكون ظننا صحيحا في النهاية. ما أسوأ اللعب مع الصغار، هكذا مجاميع تتلقف خبر تحليل "الجارديان" بتشفي مواصلة القفز حول طريق الكبار الذين يجب إدراك ما يحتاجونه بدون أن يكون عليهم اتهام حركة قوية إنما يدارونها اتقاء لقوتها، وليس رغبة صادقة في الشراكة. قد لا أملك الحق في الكلام الأخير عن نوايا الكبار وتقييم أدائهم على أساس ما نظنه نواياهم، فهم مطالبون فحسب بما يعلنونه بشأن قضايا البلد العالقة، كالحوثي تماما ليس ملزما إلا بما يعلنه أمامنا، وهكذا يجدر بنا نحن أيضا عدم الاتكاء على ما يضمره أي طرف باعتبار ذلك المخبأ تهمة. ما يهم هنا هو هذه العادة السيئة في إدمان خلق يحاولون تسميته "خلقا ثوريا"، قوامه ما يكون ضد فلان إلا من كان مع علان، والتشبيه الأخير ليس من أسلوبي، فلم يحدث أن استخدمت يوما مفردة علان التي لا أدري كيف قفزت إلى هذه المقالة، ربما لأنك حين تتورط في مكارحة، تتورط أيضا في استخدام أدواتها ومفرداتها. ثم إنني لست مقتنعا البتة بأن "الجارديان" المؤسسة الصحفية العريقة، وهي تصنع السياسات، وتتجول بتاريخها العريق الأقرب لنصب بريطاني أصبح جزءا من الشخصية البريطانية الصارمة، "الجارديان" باعتبارها أحد ساسة العالم الكبار، لا يمكنها أن تلعب دور متحمس انضم للإصلاح مؤخرا، وقد تم تدوين اسمه في كشوفات الفرقة. سيقول أحدكم هذا كلام عادي تناقله بعض المتحمسين، غير أن الأمر بالنسبة لي بحث في ظاهرة سياسية منهجها السذاجة والابتزاز، وتعتمد منطق مزعوم يتم استخراجه وتوثيقه من مؤسسات الخارج. كأن يحتفي رجال الرئيس السابق بمقولة مزعومة للرئيس أوباما وهو يلزم رئيسنا الجديد بتجنب إغضاب رئيسنا السابق، وهكذا قائمة من التحليلات حول ما تريده السعودية، وعلى من تعتمد أكثر داخل اليمن، وكيف أن السفير الفرنسي اختار طرفا هو الآخر، وانتزاع مقولة للدبلوماسية الأوروبية تحدد من الأصلح لقيادة اليمن. لن يكون علي محسن جيدا على حساب أي خطأ يرتكبه الحوثيون، والعكس، ولن نقبل بأية فضيلة مجانية للمشترك على حساب أخطاء النظام السابق. كلما تفاقمت أخطاء من يقودون البلاد، أجدني أقل عدائية تجاه علي عبدالله صالح، وأتورط نفسيا في معضلة شخصية اليمني المضطر دائما للمفاضلة بين مستويين للسوء.