بالإسلام وبرسوله الخاتم المُتمّم محمد صلى الله عليه وآله وعلى أخويه عيسى وموسى، كان العرب أو بالإسلام كُنا وبه عرفنا العدل بتشريع تساوينا به أمام القضاء وولي الأمر، وبما أن الإسلام كغيره من الديانات السماوية، يقوم أساساً على رفع ظلم الإنسان للإنسان، فقد عرفنا به الحرية الحقة، كما عرفنا القبول بالآخر وبناء الدولة، والجيوش وبيت المال والبريد وكيف نُقيم دولة.. إلخ، وتعلمنا أشياء كثيرة إن لم نقل كل شيء.. وهذا مايجعل المفكرين من غير المسلمين يعيدون كل شيء في حياتنا إلى الإسلام ورسوله، كما ورد في قول المفكر الفلسفي برناردشو -كما أعتقد- لولا الإسلام ومحمد في حياة العرب لما كانوا شيئاً.. وجاء على لسان مفكر غربي آخر قوله “لقد علّمهم محمد كل شيء حتى التخلص من فضلاتهم” من هذه الرؤية حكم على وجودنا وتفاعلنا مع الأمم الأخرى من خلال الإسلام ورسوله، كما ينظر إلى أفعالنا وتصرفاتنا من خلال الإسلام ويعيدونها إليه -إيجاباً وسلباً- وإن كانت أفعالاً وتصرفات ومفاهيم مشوشة أو ناتجة عن المفاهيم الخاطئة للإسلام والخروج عن جوهره كما حدث لبقية الديانات السماوية المجمعة على العدل والمحبة والتآخي ونبذ الكراهية والبغضاء بين الناس؛ مادام الأمر كذلك، ومادامت أفعالنا وأحكامهم عليها، تأتي من النظر إلينا كمسلمين أولاً، وهذا ما يتضح بجلاء من خلال ما شاعت من ردود فعل معادية للإسلام والمسلمين في دول غربية جراء ربط الأعمال الإرهابية وجرائم القتل الجماعي العشوائي بالإسلام أولاً والمسلمين ثانياً. من هنا تأتي الدعوة النابعة من احتياجات لا حاجة واحدة، لوقفة جادة ومسئولة، أمام صورتنا ومكانتنا وما آلت إليه أوضاعنا كمسلمين.. وقفة ننطلق منها إلى ما يصلحنا أولاً ويصلح علاقتنا بالآخر ثانياً. كنت أود أن أُعنون هذه الدعوة بالقول: هل نحن أحوج إلى ربيع إسلامي؟.. فتنبهت لآراء من يعيدون تسمية الربيع العربي إلى المطبخ الغربي لإطلاق التسميات والمصطلحات.. وكيف أساء الناتو وحلفاؤه إلى هذا المصطلح، رجحت أن تكون التسمية -لما ندعو إليه- إسلامية نابعة من تراثنا وموروثنا كأن نتبنى ما يمكن تسميته أو الاصطلاح عليه بالإشراقة الإسلامية، كون الإشراقة في المفهوم الإسلامي والتيار أو الفكر الصوفي الفلسفي على وجه الخصوص، تعني صدق وصف المكاشفة المستمدة من التواصل النقي مع الروح الإلهية.. لا تهم التسمية، المهم أن نعرف جيداً كيف نغسل أرواحنا ووجوهنا وأيدينا بماء المحبة والتسامح، والقبول بالآخر، ونرتقي بالإسلام وفكره ونهجه وأهله، وأن نبدأ بأنفسنا كما علمنا رسولنا الكريم.. رسول الرحمة ومكارم الأخلاق، والأهم هو أن نحدث الثورة المطلوبة لتثمر التغيير المنشود. نريد تغييراً في كياننا -إسلامياً وعربياً- لا يرفع شعار “الشعب يريد تغيير النظام” بل “الشعب يريد تحييد النظام” ونقصد بالتحييد هنا، موقف النظام مما تحت سلطته من ديانات ومذاهب وطوائف على مسافة واحدة من الجميع دونما ميل لهذا أو تعصب ضد ذاك. حيادية تكفل لهذه الديانة أو المذهب أو الطائفة، ماهو مكفول لنظيرها في الساحة، وتحول بل تُجرم فرض معتقد على معتقد بالقوة أو الإرعاب، أو بسلطة النظام. ونريد تغييراً لا يرعاه الخارج.. صديقاً كان أو شقيقاً أو عدواً في ثياب صديق، ولا نحتاج لمن يدعو إلى تسليحه، أو عقد المؤتمرات لنصرته، أو السيارات المفخخة، بل يحتاج إلى طهارة تشمل أفئدتنا وتغسل ضمائرنا من رواسب الكراهية والتكفير واستباحة العرض والحياة والمآل لمجرد الاختلاف في المذهب والفكر والمعتقد. تغييراً يعيدنا إلى الفهم الصحيح لجوهر الدين، والالتقاء مع الآخر عند النقطة الجامعة لما جاءت به الأديان السماوية، والتعاليم الأخلاقية الداعية إلى الخير والمحبة بين الناس والأخُّوة في الإنسانية. تغييراً يمكننا من إبراز الوجه المشرق للإسلام، وإزالة ما علق به من تشوهات الممارسات التي أساءت إليه وألصقت به ملامح العنف والإرعاب، وكل ما وصفه الغرب بثقافة الكراهية. تغييراً يعيدنا إلى الجوهر ويزيل ويبعد عنا زعانف القشور الناجمة عن كارثة ومصيبة، من اقتنع بأن اطلاعه وفهمه اليسير المحدود، هو كل المعرفة وما يدفعه لادعاء امتلاك كل الحقيقة. تغييراً يلزم المرجعيات والزعامات والرموز الدينية في أي ديانة أو مذهب أن تكون أول من يعاقب وينبذ ويسفه أفكاراً ويدين أتباعها الذين يسيئون إلى المعتقدات الدينية والمذهبية للآخر أو المساس برموزهم أو ما يثير حفيظتهم. تغييراً يجنبنا بل يمنع عنا ما يحاك لنا ويجر إلى التمزق والأحقاد والاحتراب والاقتتال المذهبي خاصة بين سُنة وشيعة، كما تدل مؤشرات اليوم. تغييراً يجعل مما هو دين طريقة لعبادة الله والتواصل معه، وتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس، وترك بقية الأمور للأخُّوة في المواطنة والإنسانية. خطوط رئيسة نكتفي بها، للتأكيد على حاجتنا الماسة لدرء ما ألصق بالإسلام، وإعادة نقاء وجهه في عيون الغرب وحمايته مما روجت له وضخمته الصهيونية العالمية المستهدفة للمسلمين قبل الإسلام وقبل هذا أو ذاك حماية أمتنا ومجتمعاتنا مما يتهددها، ومخاطر تراكم العصبية العمياء والمفاهيم الخاطئة للدين، وغفول ادعاء امتلاك كل الحقيقة والمعرفة. لنطلق على ثورة التغيير في أنفسنا ما نشاء من التسميات، المهم أن نصل إلى ما يعيد مكانتنا كمسلمين عند الآخر وفي عيونهم.