اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    بينما يذرف الدموع الكاذبة على نساء وأطفال غزة.. شاهد مجزرة عبدالملك الحوثي بحق نساء تعز    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    الإنذار المبكر في حضرموت يحذر المواطنين في هذه المحافظات من اضطراب مداري وسيول مفاجئة    "الفلكي الجوبي يتنبأ بِحالة الطقس ليوم غدٍ... هل ستكون أمطارًا غزيرة أم حرارة شديدة؟!"    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    مؤتمر برلمانيون لأجل القدس يطالب بدعم جهود محاكمة الاحتلال على جرائم الإبادة بغزة    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    غزو اليمن للجنوب.. جرائم لا تسقط من الذاكرة    الحكومة تدين اختطاف مليشيا الحوثي للصحفي العراسي على خلفية تناولاته لفضيحة المبيدات القاتلة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    استشهاد 5 نساء جراء قصف حوثي استهدف بئر ماء غربي تعز    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اليمن اتجار بالبشر .. بيع أعضاء بشرية وتجنيد وتهريب اطفال واستغلال جنسي
نشر في براقش نت يوم 10 - 12 - 2012

ترك عمله في إحدى حافلات الأجرة بالعاصمة صنعاء، وهو لما يكمل عقده الثاني، وتوجه إلى جمهورية مصر العربية، حيث تبرع بكليته اليسرى مقابل 5 آلاف دولار، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته مليئة بالمعاناة والنكسات الصحية.. هاني، 23عاما، يعمل حاليا سائق تاكسي في العاصمة صنعاء، لكن وضعه اليوم يختلف عما كان عليه قبل أربع سنوات، ورغم تحفظه في الحديث عن نفسه خشية تعرضه للأذى إلا أننا تمكنا من الخروج بنتيجة تبدو كافية، انضم مبكرا للعمل، بهدف مساعدة والده في إعالة أمه وأشقائه السبعة، فعمل قبل أربع سنوات سائقا في حافلة أجرة بأمانة العاصمة (خط السنينة - المطار)، وفي إحدى الأيام وبينما هو في طريقه لإيصال أحد المواطنين من مطار صنعاء إلى شارع حدة، وقع ضحية لتجارة الأعضاء البشرية.. (الجمهورية) تتناول في هذا الملف “ظاهرة الإتجار بالبشر في اليمن”، المسكوت عنها منذ عقود..
يقول هاني، فضل ذكر اسمه الأول فقط وهو أحد مواطني أمانة العاصمة: “في حديثي مع هذا الرجل، اثناء توجهنا بالحافلة إلى شارع حدة، شرحت له ظروفي المعيشية الصعبة، وأن الحافلة التي أعمل فيها مملوكة لشخص آخر، وحاجتي لحافلة خاصة بي، فبادرني على الفور أنه يعرف شبابا امتلكوا حافلات من خلال التبرع بأعضائهم البشرية، وخاصة إحدى الكليتين، وحصلوا بالمقابل على آلاف الدولارات، فاستحسنت الفكرة وطلبت منه أن يرشدني إلى هذا الأمر، وهو ما تم”، يواصل هاني: “التقيت بعد ذلك اثنين من اليمنيين، رتبوا اجراءات سفري إلى جمهورية مصر وأعطوني تذكرة سفر، وتعهدت لهم خطيا بأن في ذمتي لهم ألف دولار، وفي مصر التقيت الطرف الآخر من أفراد العصابة، شخصا أردني الجنسية يدعى أبو ثائر، وهو من قام بالتنسيق وإكمال العملية هناك، وقبضت منه مقابل تبرعي بكليتي اليسرى 7 آلاف دولار، أخذ منها “أبو ثائر” ألف دولار حصته”.
وأضاف:“قبل إجراء العملية الجراحية بيوم واحد، والتي أجريت لي في أحد مستشفيات مصر، التقيت بالرجل الذي سيأخذ أحد أعضاء جسدي، كويتي الجنسية، ودار بيننا نقاش اكتشفت من خلاله أنه دفع لأبي ثائر 75 الف دولار مقابل حصوله على كليتي، وفي اليوم التالي أجريت لي العملية، وتم نزع كليتي اليسرى دون إجراء أي فحوصات طبية قبل ذلك، حينها بدأت أرتعب مما يدور حولي، فلم امكث بعدها كثيرا في المستشفى، وعدت إلى مقر اقامتي في مصر قبل العودة إلى اليمن، وهو مكان يقيم فيه اليمنيون الذين يبيعون أعضاءهم، في منطقة تسمى المنيل في عمارة من عدة شقق كل شقة تضم مجموعة من الشباب”.
مئات اليمنيين الضحايا
وأوضح هاني أن ضميره سيظل يؤنبه مادام حيا جراء ارتكابه لهذا الخطأ الفادح، منوها بأن معاناته اليوم لا حدود لها، حيث بدأ يشعر بانتكاسة صحية عواقبها وخيمة كما أبلغه أحد الأطباء اليمنيين، ومن المتوقع إصابته بفشل كلوي.
- وبحسب هاني، هناك الكثير من اليمنيين الضحايا، تم استدراجهم من قبل هذه العصابة، وتشكل الكلى اكثر الأعضاء بيعاً، وقال إنه شهد واقعة اعتداء من قبل عصابة مسلحة تهجمت على الشقة التي كان يمكث فيها اليمنيون (الضحايا) في مصر بعد اجراء العمليات الجراحية، بهدف سرقة اموالهم، وحين رفض الشباب تم ضربهم وتركهم وحيدين في احدى الطرق الصحراوية، متهما ابا ثائر وشريكته ام ثائر بتنظيم تلك العصابات.
- ويضيف: “فور عودتي من مصر إلى اليمن، ابلغت الجهات الأمنية لمنع عشرات الشباب الذين كانوا بمطار صنعاء يستعدون للسفر لملاقاة نفس المصير، البعض منهم اعرفهم شخصيا”.
ضرب دون مبرر
“منور”، هو الآخر أحد الضحايا، حيث لم تشفع له طفولته وبراءته عند والده الذي أجبره على ترك دراسته والانضمام إلى شقيقه الأكبر للعمل في العاصمة صنعاء، من اجل اعالة بقية أفراد اسرته التي تعيش في أحد أرياف محافظة تعز، بعد أن أصبح والده عاجزا عن العمل.
- منور، 15 عاما، يتضح من بنيته الجسدية، أن حالة من الشقاء يعيشها هذا الطفل، الذي ترك دراسته وهو في الصف الخامس الابتدائي، خلال العام الدراسي 2008 - 2009م، لينضم إلى قائمة العاملين من الأطفال في شوارع العاصمة صنعاء (بائع أحزمة رجالية وغيرها).
يحكي منور، قصته بمرارة، وبينما يرغب في العودة إلى التعليم يرفض والده هذا الطلب، بما في ذلك إلحاقه بمدرسة في أمانة العاصمة إلى جانب عمله، والحديث هنا ل منور:“أعمل طوال فترة النهار وجزءا من المساء، وأكسب في اليوم ما لا يتجاوز ألف ريال في أحسن الأحوال، وأتعرض احيانا للضرب دون مبرر من قبل أحد اقاربي، الذي اتخذ من منزله سكنا للنوم فقط، وكذلك من بعض الأشخاص في الشارع”.
- ويخشى هذا الفتى، في ظل زيادة أسعار المعيشة وعدم كفاية ما يكسبه، أن يفاجئه والده يوما ما، بقرار التوجه للعمل في المملكة العربية السعودية، عن طريق التهريب، كما هو حال العديد من الأطفال اليمنيين.
مفهوم الإتجار بالبشر
قصص كثيرة مختلفة الأشكال، جميعها تخفي كثيرا من المعاناة والألم الذي يعيشه الضحايا، وتجسد أبرز صور وأشكال ظاهرة الإتجار بالبشر في اليمن, التي باتت تشكل خطرا يهدد مستقبل الطفولة والمجتمع اليمني بشكل عام، الذي يقع بين مطرقة الفقر والبطالة المؤدية إلى قرارات غير مدروسة المخاطر، وأعمال مهما بلغت قسوة الاستغلال كأسلوب للعيش, وسندان الغياب الواضح لدور الحكومة والجهات ذات العلاقة.
- ويعرف مفهوم الإتجار بالبشر المتفق عليه دولياً بأنه “الاستخدام والنقل والإخفاء والتسليم للأشخاص من خلال التهديد أو الاختطاف أو الخداع, واستخدام القوة والتحايل أو الإجبار أو من خلال إعطاء أو أخذ فوائد لاكتساب موافقة وقبول شخص يقوم بالسيطرة على شخص آخر بهدف الاستغلال الجنسي أو الإجبار على القيام بالعمل.
وهذا التعريف ساد إطلاقه على الاتجار بالبشر لاعتماده على النص القانوني لبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر وبخاصة النساء والأطفال، وهو البروتوكول المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 55/25 الصادر في 25 نوفمبر 2000م، الذي بدأ نفاذه في 25 ديسمبر 2003م، والمكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة.
أبرز مظاهر الظاهرة
وفي السياق ذاته يرى عالم النفس العربي أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة صنعاء الأستاذ الدكتور عبدالجليل التميمي، أن أية تجارة تقوم على إثم أو خطيئة أو غبن أو استغلال أو إجحاف أو إفساد, هي تجارة فاحشة ومحرمة وباطلة بكل المعايير الدينية والأخلاقية والإنسانية.
ويقول التميمي: أبرز مظاهر أو أشكال الإتجار بالبشر في اليمن خاصة والوطن العربي عامة، التي تصل إلى مستوى (الظاهرة) هي (التسول, عمالة الأطفال, وتهريب الأطفال)، حيث تتولى جماعات أو منظمات لها أعرافها وقواعد تنظم نشاطها, نقل آلاف المتسولين وتوزيعهم وتنسيق عمليات تسولهم وجمع ايراداتهم مقابل حمايتهم من المساءلة الاجتماعية أو القانونية وإعطاءهم نسبا مما يكسبون, وهي في مجملها تجارة دنيئة ولا أخلاقية وبائسة, أما “عمالة الأطفال” فالشواهد والأدلة كثيرة على استغلالهم وتشغيل الكثير منهم في أعمار صغيرة جدا (سن الدراسة في التعليم الأساسي أو المتوسط), في أعمال شاقة دونما احترام لحقهم المشروع في التعليم, ونمو شخصياتهم نموا طبيعيا يستمتعون فيه خلال مرحلة طفولتهم بالرعاية والحنان والتوجيه, وهو حق أساسي من حقوق الإنسان كما قررته جميع الشرائع السماوية والوضعية، وكالمثل “تهريب الأطفال” الذين يعانون كثيرا جراء تهريبهم إلى دول أخرى”.
- وأوضح التميمي أن ظاهرة الاتجار بالبشر في الوطن العربي تتسع لتشمل بعض الأنشطة اللاخلاقية الأخرى، وذلك ببروز ظاهرة “قديمة حديثة”، هي استخدام كل من الصغار والكبار في “البغاء” للإناث أو “اللواط” للغلمان, والسمسرة للرجال, وهي ظاهرة خطيرة وتتنافى مع جميع الأعراف والقيم الاجتماعية ومبادئ جميع الأديان وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الحنيف، حد قوله.
الزواج السياحي
وهناك أشكال كثيرة لظاهرة الاتجار بالبشر في اليمن، إضافة إلى ما سبق، كما يقول رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، علي ناصر الجلعي: “استخدام الأطفال في الحروب والمنازعات المسلحة، ونزع أو بيع الأعضاء البشرية، سواء بالإغواء أو بالاختطاف, وغالبية فئات العمال, وفي مقدمتهم عمال النظافة، الذين يبذلون جهودا كبيرة مقابل أجور ضئيلة وحقوق مهدورة، وممارسة طب الأعشاب دون رقابة، حيث يتم استخدام البشر كتجارب لبعض ممارسي هذه المهنة واستغلالهم من أجل الحصول على المال، فضلا عن الدعارة المنظمة والزواج السياحي والسياحة الجنسية، وعزل بعض الفئات الاجتماعية كالمهمشين وبقايا مظاهر العبودية، وجميعها ظواهر تهدد السلم الاجتماعي”.
- وأشار إلى أن هناك عصابات منظمة تدير عمليات الإتجار باليمنيين، وأن الأجهزة الأمنية ضبطت مؤخراً عديد عصابات متخصصة في تهريب الأطفال والنساء إلى دول الجوار.
آلاف الأطفال المهربين
وفي حين لا توجد أرقام دقيقة وموثقة عن حجم ظاهرة الإتجار بالبشر في اليمن، وعدم وجود دراسات علمية تناولت الظاهرة بمختلف صورها وأشكالها, أشارت إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أن عدد الأطفال الذين تم الاتجار بهم إلى السعودية (الأطفال المهربين) انخفض من 900 طفل عام 2008م إلى 602 عام 2009م، وعزت ذلك التراجع إلى حملات التوعية والتعاون بين السلطات اليمنية والسعودية في هذا الشأن.
- غير أن الخبير الاقتصادي والكاتب الدكتور علي الفقيه، قال إن عدد الأطفال اليمنيين الذين تم تهريبهم، منذ عام 2004م وحتى نهاية العام 2009م، بلغ 56 ألف طفل، تتراوح أعمارهم ما بين 8 - 14سنة، مضيفا:“عملية تهريب الأطفال مازالت تشهد ارتفاعا بين الحين والآخر وتشكل خطر على الأطفال، والسلطات اليمنية لم تعترف بهذه المشكلة إلا خلال الأعوام الأخيرة”.
استغلال جنسي
وبحسب تقارير منظمات غير حكومية محلية ودولية، يتعرض الأطفال المهربون لاستغلال جنسي، خاصة من قبل المهربين، خلال عبورهم من اليمن إلى السعودية أو لدى وصولهم إلى السعودية، وأحيانا إلى الوفاة أثناء عملية التهريب، فضلا عن الضرب والحبس عند القبض عليهم، والنهب والسرقة لممتلكاتهم من قبل قطاع الطرق أو مصادرة وإتلاف بضائعهم من قبل الجنود، وغيرها.
- تقرير صادر عن مؤسسة “سي إتش إف إنترناشونال”، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة ذكر أن ما يزيد عن 60 % من الأطفال الذين عملوا في السعودية كانوا عرضة للإيذاء البدني وأكثر من 10 % منهم كانوا عرضة للاستغلال الجنسي، كما كان الآباء والأمهات السبب في دفع الأطفال إلى التسلل إلى السعودية في أكثر من 80 % من الحالات.
- أما الأعمال التي يمارسها الأطفال المهربين في السعودية بعضها تدخل ضمن الأعمال الخطرة على الأطفال وفقا للاتفاقية الدولية رقم (182) الخاصة بأسوأ أشكال عمل الأطفال، وتتمثل هذه الأعمال في التسول، البيع عند إشارات المرور، الخدمة بالمنازل، العمل في المزارع، رعي الماعز، تلميع السيارات، الصيد، كما قد تجدهم في الورش، والمتاجر وغيرها.
- يضيف إلى ذلك متخصصون يمنيون أن عصابات التهريب تسعى إلى استخدام الأطفال من الجنسين، ممن لا تتجاوز أعمارهم 15 عاما، في أعمال غير شرعية، ومن يتعرض لأي مرض يتم انتشال أعضائه وبيعها.
- وتعتبر الخطة الوطنية لمكافحة تهريب الأطفال أن تهريب البشر والأطفال بشكل خاص يشكل تهديدا أمنيا سواء على المستوى القومي أو الإقليمي أو الدولي.
10 % يتعرضون للاعتداءات الجنسية
وتمثل ظاهرة عمالة الأطفال في الأراضي اليمنية خطرا لا يقل عن ظاهرة تهريب الأطفال؛ إذ إن الظاهرتين تنطبق عليهما نفس المخاطر والأسباب، حيث يكون معظم الأطفال العاملين عرضة لمصادرة ممتلكاتهم في أي وقت، لكن الأهم من ذلك هو الانتهاكات الجنسية المتزايدة بحقهم.
- تقول رئيسة منتدى الشقائق العربي لحقوق الانسان أمل الباشا: “بحسب دراسة نشرتها منظمة “اليونيسيف” هناك في حدود 5 ملايين طفل يمني يعملون.. كثير منهم تقريبا 10 % يتعرضون للاعتداءات الجنسية، وهذا رقم مخيف ومخيف للغاية”.
- وسردت الباشا تفاصيل قضايا مؤلمة لأطفال عاملين، لم يتجاوزوا 12 سنة، تعرضوا لاغتصابات جنسية، منوهة بأن أحدهم تعرض للخطف والاغتصاب من قبل مجموعة أشخاص، ورغم ذلك خلص حكم المحكمة في هذه القضية إلى أنه لا توجد قضية؛ لأن النيابة قالت إن الاغتصاب تم برضى الطفل نفسه!. واستنكرت الباشا هذا القول، خصوصا عندما يكون الطفل هو من قدم الشكوى إلى قسم الشرطة، معتبرة أنه حتى وإن تم الأمر برضاه، فهو في الأخير طفل ويفترض وجود قانون يجرم مثل هذه الانتهاكات.
- تضيف الباشا: “هناك حالات مشابهة حتى من غير العاملين، فكثير من الأطفال الذين يعيشون في دور الرعاية، ويفترض أن يحظوا برعاية يتعرضون للاغتصابات الجنسية، ايضا بعض الأطفال، الذين تتجاوز اعمارهم 15 سنة، وعليهم احكام قضائية، يتم ترحيلهم إلى سجون الراشدين “السجون المركزية”، وبالتالي يعيشون وينامون في هذه السجون مع الكبار، وهؤلاء ايضا يتم اغتصابهم جنسيا”.
تجارة الأعضاء البشرية والحكومة
من جهة أخرى أكد رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، علي الجلعي، تفشي حالات تجارة الأعضاء البشرية أبرزها (بيع الكلى)، عن طريق عصابات منظمة تستدرج الضحايا، لتحقيق مكاسب شخصية، منوها بأنهم رصدوا أكثر من 500 حالة من هذا النوع، وأنهم بصدد إعداد إحصائية شاملة.
- وفي هذا الجانب أعلنت حكومة الوفاق الوطني، في اعتراف رسمي يعد الأول من نوعه، عن تفشي ظاهرة تجارة الأعضاء البشرية كظاهرة خطيرة، برزت خلال السنوات الأخيرة.
وتعهدت الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة والعاجلة، بعد أن كشف تقرير وزير الصحة والسكان اليمني، الدكتور أحمد العنسي، المقدم لمجلس الوزراء في أحد اجتماعاته بداية شهر اكتوبر الماضي، أن هناك عصابات تقوم بتهريب يمنيين من داخل البلد إلى مصر لغرض المتاجرة بأعضائهم البشرية.
وخلال السنتين الماضيتين أعلنت الأجهزة الأمنية اليمنية عن ضبط شبكة كبيرة للإتجار بالأعضاء البشرية، تستغل الأوضاع المعيشية السيئة للضحايا وتقوم بتسفيرهم إلى القاهرة لاستئصال الكلى مقابل مبلغ مغر من المال، في حين يحصل أفراد العصابة على 1000 دولار أمريكي عن كل شخص كعمولات.
- ووفقا لاعترافات حصل عليها رجال البحث الجنائي مؤخرا من أحد أفراد الشبكة وهو يمني الجنسية، فإن أكثر من 400 يمني تم استدراجهم إلى مصر خلال العامين الماضيين وباعوا أعضاءهم البشرية، في مقدمتها “الكلى”، ويليها فص الكبد وقرنية العين والركبة والسائل المنوي.
وكانت عدد من منظمات المجتمع المدني تقدمت العام الماضي بشكوى إلى مجلس النواب اليمني، الذي شكل لجنة تضم ممثلين عن لجان الصحة والدفاع والأمن وحقوق الإنسان في المجلس، وبحسب مصدر برلماني تم تهميش وتجميد ملف القضية بعد أن أنكرت سفارة اليمن في مصر وجود عمليات لتهريب يمنيين بينهم أطفال لغرض المتاجرة بأعضائهم البشرية.
تجنيد الأطفال!
ومع مزيد من التعقيد في الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية، التي شهدتها اليمن خلال العام الماضي 2011م، انخرط عديد من الأطفال للعمل كمجندين لدى الأطراف المتصارعة في البلاد، وتم الدفع بهم إلى ساحات المواجهات العسكرية.
- ويشكل الأطفال ما يزيد عن 45 % من سكان الجمهورية اليمنية، وتشير التقارير إلى أن عددهم يتجاوز 10 ملايين طفل، وفيما يفترض توفير رعاية خاصة لهذه الشريحة للوصول إلى مستقبل أفضل خال من المشكلات، كونها أهم مراحل نمو وتكوين شخصية الفرد وإطلاق مواهبه وقدراته، إلا أن أوضاع الطفولة ما زالت تعاني الكثير من الاختلالات، أهمها أن شريحة كبيرة من هذه الفئة لا تتمتع بحق التعليم.
- وعلى صعيد متصل يرى ناشطون حقوقيون أن وجود الأطفال خارج المدرسة هو بداية لتشكيل عامل قلق للمجتمع حاضرا ومستقبلا، خصوصا مع ظهور مخاوف من تحول هؤلاء الأطفال إلى عناصر تخريبية تستهدف الأمن الاجتماعي.
- ويتفق هؤلاء ومختصون أكاديميون، على أن تجاهل الأطفال وحاجاتهم الأساسية هو الخطر الأكبر على مستقبل اليمن، لا يوازيه أي تهديد، بما في ذلك التهديد والخطر الذي سيشكله تنظيم القاعدة يوما ما.
- وبحسب مصدر مطلع في دار رعاية الأيتام بصنعاء، منح طلاب الدار (معظمهم من الأطفال) عام 2009م، تسهيلات غير مسبوقة للانضمام لوحدات الجيش المختلفة.
- وقال المصدر، فضل عدم ذكر اسمه: إنه تم تجنيد قرابة 340 طالبا من طلاب دار رعاية الأيتام في الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع وعديد ألوية الجيش اليمني، فضلا عن تسرب عديد من الطلاب معظمهم أطفال إلى الشوارع، البعض منهم يعمل حاليا في الجولات بأمانة العاصمة، مشيرا إلى أنه يعرف شخصيا 7 طلاب انضموا إلى تنظيم القاعدة، وأكثر من 35 طالبا مجندا مع الحوثيين.
- في المقابل كشف تقرير أعدته منظمة “سياج” لحماية الطفولة بالتعاون مع “اليونيسيف”، عن أثر الحرب والصراع المسلح في محافظة صعدة وحرف سفيان بمحافظة عمران على الأطفال، “.. أن عدد الأطفال المجندين لدى الحوثيين بلغوا 402، وعدد الأطفال المجندين في الجيش الشعبي الموالي للحكومة 282 طفلا”.!.
- وذكر التقرير أن أكثر من 50 % من المقاتلين في صفوف الحوثيين هم من الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر، وهو ما ينطبق ايضا على المقاتلين في صفوف الجيش الشعبي الموالي للقوات الحكومية، دفعهم إلى ذلك البحث عن مقابل مادي أو الوعد بالتجنيد وامتيازات أخرى بعد الحرب.
“هادي” يمنع تجنيد الأطفال
وفي خطوة وصفت بالإيجابية، أصدر رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي، في ال 27 من نوفمبر الماضي قرارا رئاسيا قضى بمنع تجنيد الأطفال دون سن ال 18 من العمر.
- ورحبت عديد من منظمات المجتمع المدني ومهتمون ومدافعون عن الأطفال في اليمن بهذا القرار، الذي أسمته منظمة “سياج” لحماية الطفولة، في بلاغ صحفي، ب “القرار التاريخي”.
- حكومة الوفاق الوطني هي الأخرى أفصحت عن توجهات بشأن وضع تشريعات وتدابير عملية لمنع استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة.
- وتمنت منظمة “سياج” في بلاغها أن يتم بلورة قرارات رئيس الجمهورية والتوجهات الإيجابية للحكومة إلى تشريعات وطنية متوائمة مع التشريعات الدولية ذات الصلة، يبنى عليها تدابير وإجراءات عملية لتسريح وإعادة تأهيل الأطفال الجنود في القوات النظامية والجماعات المسلحة والقبائل، وبما يمنع استغلال أي طفل في الصراعات المسلحة مستقبلا.
خلفية تاريخية
وبالنظر إلى الخلفية التاريخية لظاهرة الاتجار بالبشر نجد أنها قديمة قدم المجتمعات البشرية, وهناك أمثلة من التاريخ لمجالات وحوادث شنيعة لا حصر لها من حالات عبودية الإنسان لأخيه الانسان, ومن ذلك استغلال ملايين المصريين القدامى من قبل الفراعنة في بناء الأهرامات كقبور لهم، حيث مات أغلبهم إعياء ومرضا وإرهاقا في عمليات البناء الشاقة لتلك الاهرامات, وكذلك استغلال هتلر وامثاله لملايين الجنود في حرب فاشية راح ضحيتها أبرياء لا ناقة ولا جمل لهم سوى تحقيق أحلام وطموحات ساقطة وقذرة, ايضا ما يسمى بتجارة “الرقيق الأبيض” وهي تجارة تقوم على استغلال الفتيات الفاتنات في الدعارة والبغاء والملاهي الليلية، وقس على ذلك.
إساءة استخدام البشر
وهذه الظاهرة هي امتداد لموضوع العبودية قبل الاسلام بنظر أساتذة التاريخ، يقول أكاديمي يمني متخصص في التاريخ: “ظاهرة إساءة استخدام البشر وليس الإتجار بالبشر، هي امتداد لموضوع العبودية قبل الإسلام، وكل المظاهر الموجودة حاليا تدخل ضمن العبودية وما هو أسوأ وأقبح من ذلك, ورغم أن الاسلام حرمها، إلا أنها ظلت قائمة في كثير من الدول العربية بما فيها اليمن، إلى ستينيات القرن الماضي”، مؤكدا أن بحوزته وثائق تاريخية تؤكد أن صنعاء شهدت ما بين عام 1960م – 1961م، عمليات اختطاف نساء من منازلهن من قبل بعض العصابات، وتم بيعهن في المملكة العربية السعودية، وكذا اجبار الرجال من خلال التحايل بالتوقيع على عقد يبيع نفسه رقيق.
- ونوه الأكاديمي ذاته، فضل عدم ذكر اسمه، أن اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م أصدرت قرارا بمنع الرق وكالمثل المملكة العربية السعودية رغم أن الدول الغربية حاربت هذه العملية منذ زمن بعيد كما حاربت الدول التي تتاجر بالبشر, لافتا إلى انتشار الظاهرة حاليا بشكل كبير في بعض الدول وليس في اليمن فقط.
في طريقها للتدمير
وفي وصفهم لواقع الحال في اليمن أشار أكاديميون متخصصون في علم الاجتماع، إلى أن هناك فرقا بين عبودية الأمس التي كانت تضمن المأكل والملبس، وهي التزامات مقبولة، وعبودية اليوم التي لا تضمن شيئا من هذا القبيل, منوهين بأن الخطيئة مثلها مثل الاتجار بالبشر، إذا تم تدارسها اجتماعيا وبلغت نسبتها ما بين 5 % إلى10 % فهي مقبولة, وأن الأخطر هو أن تتحول هذه الظاهرة إلى سلوك مدمر وترتفع نسبتها عن النسبة المقبولة, مؤكدين أن الاتجار بالبشر في اليمن في طريقها لتتحول إلى ظاهرة مدمرة.
اهتزاز القيم الأخلاقية
إذاً هي كارثة بكل المقاييس، فالمشكلة قائمة والآثار تلقي بظلالها السلبية على المستقبل، خصوصا وأنه يترتب عليها آثار مدمرة للقيم الاجتماعية الفاضلة، وأعراض من شأنها أن تولد مشكلات تهدد الأمن الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع.
يقول الدكتور عبدالجليل التميمي: “جميع المظاهر -التي أشرت إليها سابقا- لها آثار خطيرة أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا, حيث تشكل التجارة بالإنسان عاملا سلبيا في اهتزاز القيم الأخلاقية, وآثارا اجتماعية خطيرة تمس الاستقرار الأسري من ناحية وتهدد عوامل نموها نموا طبيعيا وأخلاقيا, كما يترتب عليها تهديد لجميع القيم الاجتماعية الفاضلة وشيوع للأنشطة الاقتصادية المدمرة التي تتعارض مع مبادئ الأنشطة الاقتصادية المشروعة دينيا وأخلاقيا، (الأنشطة الاقتصادية والتجارية الشريفة ينبغي أن تبني ولا تهدم, وتتسامى ولا تنحط)”.
تدمير سوق العمل
وتبرز الأخطار الأمنية أيضا جنبا إلى جنب مع الأعراض النفسية التي يتعرض لها الضحايا، فالأطفال الضحايا، يتم القضاء على مستقبلهم ولا يعيشون حياة سليمة وصحية ويعجزون عن معرفة أدوارهم الحقيقية تجاه أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم، وبالتالي يصبحون أكثر عدوانية ورغبة في تملك وسرقة الأشياء وإثارة الشغب، واكتسابهم صفات تدميرية تجاه أنفسهم ومجتمعهم فينخرطون لممارسة أعمال مهينة وجنائية، ولا يخافون من خرق النظم والقوانين.
- وبالنسبة للأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية، هي الاسوأ، حيث يتحول هؤلاء الأطفال بفعل هذه الممارسات في المستقبل إلى منتهكين ومغتصبين؛ كون هذا الأمر متعلقا بسيكولوجية المقهورين، فالذي قهر وهو طفل يصبح قاهرا وهو كبير، حسب القيادية الحقوقية أمل الباشا، التي ترى أن هذه الجريمة حتى الآن لم تأخذ حقها من الدراسة والبحث.
- القيادي المدافع عن ضحايا الاتجار بالبشر، علي ناصر الجلعي قال: “العمل المضني أو التحرش الجنسي أو الاغتصاب لأي شخص كان، ينتج عنه اكتئاب شديد وشعور دائم بالخوف والقلق والخشية من الآخرين والعار، وصعوبة التحدث عما لحق به من ممارسات قاسية ونحوها، وكلها أعراض تدمر الضحية”.
- وأوضح الجلعي أن هذه الظاهرة تدمر سوق العمل، حيث تساهم في فقدان الطاقة البشرية بطريقة يتعذر بها استردادها فيما بعد, إضافة إلى تفشي الجنس التجاري, وزيادة الأطفال غير الشرعيين, واستدراج المرأة والطفل كسلعة، وتحول مفهوم النظام السياحي في المجتمع إلى نظام يقوم على أساس المتاجرة بالبشر, وانتهاك حقوق الإنسان المتعلقة بالحياة والحرية والتحرر والمساواة، مما ينتج عنه نشوء فئة من البشر تعاني الاضطهاد والعبودية، وهو ما يؤثر على نمو المجتمع بشكل سليم.
أسباب الظاهرة
ووفقا لأكاديميين وقيادات في منظمات مجتمع مدني، فإن تنامي ظاهرتي الفقر والبطالة، من أهم الأسباب التي ساهمت في تفشي ظاهرة الإتجار بالبشر في اليمن، فضلا عن الحروب والصراعات السياسية وغياب الوازع الديني، وانعدام العقوبات القانونية والروادع الاجتماعية، التي ينبغي أن تعاقب كل من ينخرط في أي ضرب من ضروب الإتجار بالإنسان, وتردع كل من تسول له نفسه ممارسة أي نشاط يهيئ لها أو يمارسها أو يدافع عنها أو يبررها, إلى جانب الهجرة من الريف إلى المدينة وتدفق اللاجئين بكثافة من القرن الأفريقي إلى اليمن، وارتفاع معدل النمو السكاني، وقصور الأداء في بعض الأجهزة الأمنية وضعف التوعية الإعلامية بمخاطر الإتجار بالبشر.. بالإضافة إلى انتشار الأمية والجهل الذي يعد من الأسباب الرئيسية لجميع الظواهر الاجتماعية والاقتصادية السلبية في أي مجتمع قديما وحديثا, ودوافع الكسب غير المشروع لدى نفر من الناس حتى وإن كان منافيا لمبادئ الدين وفضائله ومعارضا للأعراف والقيم الاجتماعية الفاضلة.
نسب مرتفعة للفقر والبطالة
وتصنف اليمن دوليا من “الثلاثين دولة الأكثر فقراً في العالم”، والدولة الأشد فقراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقدر البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية للفترة الانتقالية (2012م- 2014م)، المعد من قبل وزارة التخطيط والتعاون الدولي في حكومة الوفاق الوطني، نسبة الفقر في اليمن بحوالي 42,8 %، مؤكدا أن البطالة تتركز بدرجة عالية في أوساط الشباب بنسبة تبلغ 52,9 % في الفئة العمرية (15-24) سنة، و 44,4 % في الفئة العمرية (25-59) سنة، وأن 25 % من العاطلين هم ممن يحملون مؤهلات التعليم الثانوي فما فوق.
مسؤولية كل القوى
رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان بعدن، محمد قاسم نعمان، أشار إلى أن هذه المشكلة تعد إحدى صور انتهاك حقوق الإنسان وكرامته، والتي بدأت تتسع في عديد من بلدان العالم بما فيها اليمن، غير أنه يعتبرها مشكلة ليست واسعة الانتشار حاليا في بلادنا، لكنه أكد في نفس الوقت أنها موجودة وتأخذ مساراً سيشكل خطراً كبيراً على المجتمع، ما يعني ضرورة معرفتها وخلق شراكة مجتمعية لمكافحتها، حتى لا تتحول إلى ظاهرة تحتاج إلى أضعاف الإمكانات والجهود لمكافحتها لاحقا، حد قوله.
- وقال نعمان: “نظرا لكونها ظاهرة إجرامية حديثة الاهتمام العالمي فإن المعرفة والخبرة حولها ينموان والاهتمام بها يتسع دوليا ومحليا، والحاجة إلى مكافحتها تصبح مسؤولية كل القوى المناضلة لحماية إنسانية الإنسان والدفاع عن حقوق الإنسان”.
- وأشار نعمان إلى أن مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان في إطار تنفيذه مشروع “نشر ثقافة حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ورصد الانتهاكات وتقديم المساعدة القانونية” بالتعاون والشراكة مع مؤسسة المستقبل (F.F.F)، يعمل على رصد مختلف الانتهاكات الماسة بهذه الحقوق، معتبرا أن مشكلة التجارة بالبشر هي إحدى صور الانتهاكات المرتبطة بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي يوليها المركز اهتماما خاصا.
- وأضاف: “لدينا فرق رصد ميدانية تعمل في محافظتي عدن ولحج، ومنتصف نوفمبر الماضي نظمنا دورة تدريبية في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، استفاد منها عشرات العاملين في فرق الرصد وقيادة المركز، وحرصنا وبدعم من مؤسسة المستقبل على الاستعانة بأحد الخبراء الدوليين المتخصصين في هذا المجال، وهدفت الدورة إلى توعية المشاركين وتنمية معلوماتهم ومعارفهم حول هذه الظاهرة وأبعادها المختلفة وخطورتها وأشكالها وأسبابها ومصادرها، إلى جانب كيفية التعامل معها بالطرق القانونية السليمة وسبل مكافحتها والوقوف على حالات الاستغلال المحتملة في العمل والانتهاكات الحقوقية”.
قانون لمكافحة الاتجار بالبشر
لاشك أن الاعتراف الحكومي بظاهرة الإتجار بالبشر يعتبر مقدمة مهمة للحد منها، فهذا الملف الذي ظل الحديث عنه محظورا من قبل الحكومات اليمنية طوال عقود، وجد طريقه في حكومة الوفاق الوطني، حيث تمخضت جهود منظمات مجتمع مدني وناشطين في هذا المجال، إضافة إلى جهود معالي وزير حقوق الانسان حورية مشهور، وللمرة الأولى عن تشكيل “اللجنة الوطنية الفنية لمكافحة الإتجار بالبشر” بقرار رئيس مجلس الوزراء محمد سالم باسندوة.
- وفي سياق متصل يرى عضو اللجنة الوطنية الفنية لمكافحة الإتجار بالبشر، علي الجلعي، أن جهود الحكومة الحالية ممثلة بوزارة حقوق الإنسان، وتبنيها استراتيجية وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وتشكيل لجنة حكومية خاصة، يعد خطوة اولية ومهمة لمعالجة هذه الظاهرة، التي لم تعترف الحكومات السابقة بوجودها.
وفوق ذلك والحديث للجلعي: “أهم ما ينبغي للحد من هذه الظاهرة ومعالجتها، اصدار قانون لمكافحة الاتجار بالبشر، يجرم ويعاقب كل من يتاجر أو يسهل الاتجار بالبشر بأقصى العقوبات، وتنمية المراقبة الذاتية لدى الأفراد, وتفعيل أساليب الوقاية والحماية والتنسيق ما بين الجهات الأمنية والصحية على المستويين المحلي والدولي، والتوعية الاعلامية بمخاطرها, والالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها”.
ويوصي الجلعي ب “التقدم بأطروحات علمية في الماجستير والدكتوراه عن هذه الظاهرة، وانشاء دوائر متخصصة لمكافحتها في الجهات ذات العلاقة، كوزارات السياحة والداخلية والشؤن الاجتماعية والعمل وحقوق الإنسان”.
الشراكة المجتمعية
ويؤكد القيادي المتخصص في حقوق الانسان، محمد قاسم نعمان، أن التصدي لهذه المشكلة التي تحولت في كثير من بلدان العالم إلى ظاهرة، لن يتأتى إلا من خلال وضع استراتيجيات وطنية ودولية شاملة يتجسد فيها الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وأنه يجب أن يتم التعامل معها في اليمن بالطرق والإجراءات القانونية.
- ودعا نعمان الحكومة اليمنية إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات أبرزها وضع استراتيجية شاملة للمكافحة تتجسد فيها الشراكة المجتمعية في التوعية والمكافحة، منوها بالدور المطلوب من منظمات المجتمع المدني في التوعية وكشف المتطورين بممارسة هذه التجارة.
توفير الحماية للضحايا
وطالب أكاديميون وحقوقيون ومهتمون الحكومة اليمنية ب “إيجاد فرص عمل لأرباب الأسر والعاطلين عن العمل من الشباب وغيرهم، وتوجيه استثمارات تستوعب الكثير من الأيادي العاملة المحلية للحد من كل هذه الظواهر، وإعادة النظر في الإعانات التي يقدمها صندوق الرعاية الاجتماعية، بحيث يتم توفير فرص عمل لهذه الشريحة يعتمدون عليها بمساعدة الدولة، بدلا من الإعانات الشهرية التي تقدم لهم”.
وشددوا على ضرورة الوقوف الجاد مع كل الفئات المذكورة (الضحايا)، والتواصل معهم والدفاع عنهم وتعريفهم بحقوقهم القانونية، وتوفير الحماية اللازمة لهم وبما يمكنهم من تقديم شكاواهم إلى الجهات المعنية.
- من جهتها قالت القيادية الحقوقية، أمل الباشا: “نحتاج إلى الشفافية ومنظمات متخصصة تعمل في البحث في هذه الجرائم، تحديدا الاغتصابات الجنسية؛ لأنه لا يتم البوح بها خوفا من العار، ونحتاج أيضا إلى دولة مدنية حديثة، ومؤسسات بحثية وإعلامية، فيها قدر من نظام الحاكمية والشفافية والمساءلة والرقابة”. تضيف: “لذلك الثورة الشبابية الشعبية 2011م هي ثورة من أجل الحياة والكرامة واستعادة اليمن وكرامة الإنسان اليمني”.


وزير حقوق الإنسان رئيس اللجنة الفنية لمگافحة الإتجار
بالبشر حورية مشهور:
مكافحة الإتجار بالبشر ضمن
أولويات حكومة الوفاق الوطني ونحن بصدد إعداد استراتيجية وطنية

اتهمت وزيرة حقوق الإنسان في حكومة الوفاق الوطني حورية مشهور، الحكومات السابقة بالسكوت عن ظاهرة الاتجار بالبشر وعدم وضعها ضمن أولوياتها.، وقالت: “الاتجار بالبشر من المشكلات التي كان مسكوتا عنها ما قبل الثورة الشعبية عام 2011م، والحكومات السابقة ربما لم تعتبرها من ضمن اولوياتها، برغم أنها قضية ومشكلة معقدة”.
وأشارت مشهور إلى أن حكومة الوفاق الوطني وضعت هذه المشكلة ضمن أولوياتها وبدأت العمل عليها، حيث شُكلت مؤخرا بقرار رئيس مجلس الوزراء “اللجنة الوطنية الفنية لمكافحة الإتجار بالبشر”، لدراسة الظاهرة ومعرفة حجمها وتداعياتها والنظر في مختلف أبعادها وصولا للحد منها ومعالجتها.
وأضافت: وزارة حقوق الإنسان تولي هذا الموضوع اهتماما كبيرا، فمن ضمن فعاليات المؤتمر الوطني الأول لحقوق الإنسان، الذي سيعقد خلال الفترة من 9 إلى 10 ديسمبر الجاري 2012م، ستخصص ورشة عمل حول الاتجار بالبشر، بدعم من منظمة الهجرة الدولية، واليونيسيف، وستشارك فيها أطراف عديدة أبرزها، منظمات مجتمع مدني، أجهزة رسمية ذات علاقة منها وزارات (الداخلية، العدل، الخارجية، حقوق الإنسان)، واللجنة الوطنية للمرأة، المجلس الأعلى للأمومة والطفولة وغيرها، للوقوف على هذه المشكلة وتقديم رؤية واضحة عنها”.
وكشفت مشهور، التي ترأس اللجنة الوطنية الفنية لمكافحة الإتجار بالبشر، أنه يتم حاليا التحضير لإعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، والتي قد يستغرق استكمالها ثلاثة أو أربعة أشهر، وسيشارك في إعدادها أطراف مختلفة بما في ذلك خبراء إقليميون ودوليون، وأنه بعد اعتمادها واقرارها من قبل مجلس الوزراء سيتم ترجمتها إلى خطط عمل تنفيذية، والبدء بإجراءات فعالة على أرض الواقع لمكافحة هذه الظاهرة، فضلا عن إعداد مشروع قانون خاص بمكافحة الاتجار بالبشر، بهدف ردع ومعاقبة المهربين والمتاجرين بالإنسان.
معالجة الفقر
وأوضحت حورية مشهور، أن الاتجار بالبشر له أشكال مختلفة، وجميعها أفعال وجرائم غير قانونية جرمها القانون اليمني وكل القوانين والمواثيق الدولية، منوهة عدم وجود أرقام وإحصائيات دقيقة لحجم الظاهرة حتى الآن، وأن الحصول على ذلك يتطلب إعداد دراسة معمقة، وأن وزارة حقوق الانسان، بعد إقرار استراتيجية مكافحة الاتجار بالبشر، ستبدأ بخطوات عملية لإعداد دراسات وأبحاث وقاعدة بيانات حول الأشخاص الذين يتعرضون للابتزاز أو الإتجار بهم.
ولفتت إلى أن عديد الدراسات حول مختلف الظواهر التي أعدت خلال السنوات الماضية لم تترجم نتائجها إلى أرض الواقع ولم يتم تنفيذ توصياتها، أبرزها الدراسة التي أعدت بدعم من منظمة “اليونيسيف” حول ظاهرة تهريب الأطفال (إحدى صور الاتجار بالبشر).
وأكدت وزيرة حقوق الانسان أن أهم سبل مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر والحد منها، تتمثل في معالجة مشكلة الفقر، كونه السبب الأول الذي يجعل الناس عرضة للابتزاز والاستغلال، تضيف: “ينبغي أيضاً الاهتمام بالتعليم وتوعية المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة، والتعاون بين اليمن والدول المجاورة لها، ومن ثم يأتي دور القوانين أبرزها قانون خاص بمكافحة الاتجار بالبشر”.
مهام اللجنة الفنية
الجدير بالذكر أن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (46) لسنة 2012م الصادر في تاريخ 8 -10- 2012م، والخاص بتشكيل “اللجنة الوطنية الفنية لمكافحة الإتجار بالبشر”، برئاسة وزير حقوق الانسان و 19 عضوا يمثلون مختلف الوزارات والجهات ذات العلاقة بما فيها منظمات المجتمع المدني، وهو الأول من نوعه منذ عقود، نص على أن تتولى اللجنة الفنية القيام بعديد مهام أبرزها: إعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، وإعداد دراسة حول هذه الظاهرة، والتصورات والمقترحات للحد منها، ووضع آلية لتبادل المعلومات والبيانات والاحصائيات عبر التنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
إضافة إلى التعاون مع منظمات مجتمع مدني والمنظمات الدولية للحد من هذه الظاهرة، والاستفادة من الخبرات الإقليمية والدولية في هذا المجال، واقتراح التعديلات اللازمة على التشريعات اليمنية المتعلقة بالهجرة الدولية بما يتوافق مع التزامات اليمن بموجب القانون الدولي على أن يتم عكس ذلك في أولويات السياسة العامة للحكومة، وكذلك العمل على إعداد مشروع قانون خاص بمكافحة الاتجار بالبشر، وأي مهام أخرى ذات صلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.