للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع واحد قامت الأجهزة الأمنية بمحافظة تعز بقيادة مديرها الأول الجنرال محمد صالح الشاعري، وبتوجيه مباشر من قبل (محافظها الأوليغاركي) شوقي أحمد هائل سعيد بتنفيذ عدد من العمليات النوعية ذات المدلول الاستعراضي الرامي وفق تصوراتهم المريضة لفرض سلطة القانون واستعادة هيبة الدولة التي باتت مركونة ومغيبة في ذاكرة التاريخ الشعبي والوطني .. العمليات الأمنية آنفة الذكر لم تكن موجهة بالطبع رغم نوعيتها وضروراتها لضبط وملاحقة مليشيات الإرهاب الديني والسياسي التي تعيث فساداً وإرهاباً في عموم مناطق المحافظة .. ولم تسع بالتأكيد لضرب وتفكيك التجمعات المافيوية وأوكار الجريمة المنظمة .. مثلما لم تكن معنية في الواقع بتحرير الهيئات والمصالح الحكومية والخدمية على غرار مكتب تربية تعز الواقع تحت أسر وسطوة العصابات الإصلاحية المتنمرة والمسلحة بكل أشكال الإفك والفجور والكراهية .. وإنما كانت موجهة في الإجمال لقمع وترهيب أولئك المجهدين والمعذبين وخائري القوى من أخدام ومهمشي مدينة تعز الذين تدافعوا منذ صباح الخميس الفائت 10/04/2013م للاعتصام تنديداً بجريمة قتل شهيدهم الشاب المغدور عبد الرحمن عبدالله قائد، على أيدي ثلة من المنحرفين والمتعصبين العنصريين الذين باتوا يتمتعون على ما يبدوا بحماية السلطات المحلية والأمنية في المحافظة، كما يتبين بوضوح من خلال عدائية ولامبالاة السلطتين المحلية والأمنية حيال مطالبنا المشروعة في اكتساب العدالة .. منطق القوة والافتراضات البطولية التي حكمت سلوك كل من شوقي احمد هائل .. ومدير أمنه العميد الشاعري تجاه أولئك المجهدين في تنظيف أوساخهم وأحيائهم ومدنهم وتلميع أحذيتهم .. وإن كان يعكس من جهة أولى سمة انعدام المسؤولية التي يتحلون بها تجاهنا وتجاه قضايا المنطقة والمحافظة ككل .. إلا إنه ومن الناحية الأخرى يبين عقم وعبثية هذا المجتمع الذي سيظل محكوماً على الدوام بنزعة التعصب والتحقير والانتقام والكراهية القومية لكل ما يمت لفئاتنا المنبوذة بصلة في انعكاس دراماتيكي للقصة التاريخية ذاتها الأكثر بغضاً وإيلاماً في تاريخ إنسانيتنا المسلوبة والمعذبة في ظل افتقارنا المبطن لحقوق الحماية القضائية والدستورية والقانونية وإلى حق الاعتراف بالشخصية الإنسانية في سياق معادلة الاستبداد التاريخي القائم والموروث .. فمدير أمن تعز المحاط دوماً بعدد كبير من رجال المافيا المحلية الذين يفوق عددهم ربما عدد النياشين المعلقة على صدره برهن من خلال المداهمات الأمنية المتكررة وغير المبررة أصلاً التي يشنها بانتظام ضد تجمعنا الاحتجاجي السلمي .. على قدرته الفائقة لإدارة العملية الأمنية وفق مفهوم العصابات بالطريقة التي جسدها بوضوح خلال آخر مداهمة نفذها بمعية مليشياته عصر يوم الثلاثاء 16/04/2013م بما خلفته في محيطنا من ندوب وآلام متجددة وجراح مضاعفة بتضاعف عدد ضحايا عدوانه الأخير الذي خلف ثلاثة جرحى في أوساطنا اثنان منهم لا تزيد أعمارهم عن أحد عشر واثني عشر عاماً .. وذلك حينما باشر عدد من جنوده بإطلاق النار الحي والعشوائي على نسائنا وأطفالنا العزل وبمبادرة جسورة من سائقه الخاص الذي تقدم مطلقي النار على جموعنا البائسة المدعو محمد فضل الشاعري، والذي لا ينتمي أصلاً لسلك الشرطة أو الداخلية، كونه من أصحاب الحظوة فقط ومن الحلقة الداخلية الضيقة المحيطة بمن يشغل وظيفة المسئول الأول عن أمننا العام والمجتمعي في المحافظة .. وإذا ما وضعنا بعين الاعتبار غياب وانتفاء الأسباب والمبررات الموضوعية اللازمة لتبرير أعمال الدهم والتنكيل الأمنية المنتظمة تلك ضدنا من قبل السلطتين المحلية والأمنية في المحافظة .. كوننا غير مسلحين أصلاً ولا نمتلك بالإجمال أي وسيلة من وسائل الرفض والتمرد والمقاومة المحتملة ضد شرعية النظام السياسي والاجتماعي السائد بأدواته القهرية والتطوعية الموروثة قياساً بما هو حاصل أصلاً على أرض الواقع العملي من قبل جماعات ومليشيات الإرهاب الديني والسياسي والجهوي المسلح والتي فرضت وجودها ومصالحها بقوة السلاح والبلطجة على حساب أمن ومصالح الأمة مجتمعة .. فإن ما قام به الشاعري وجنوده ضدنا وفق هذا المنظور لا يقل وضاعة ووحشية عن ما عداها من أعمال وجرائم انتهاكية ظلت تطالنا بصورة متواترة على امتداد التاريخ العنصري الآثم في بلادنا .. وذلك بالنظر إلى طابعها الوحشي والاقتلاعي الهادف أساساً إلى كسر صمودنا وفض اعتصامنا المدني السلمي وثنينا عن المطالبة المشروعة بحقوق العدالة والإنصاف المكفولة بمقتضى النصوص والتشريعات الوطنية السارية ونصوص القانون الدولي الإنساني الموقع عليه من قبل الجمهورية اليمنية .. الشيء الوحيد الذي ليس في وسع مسئولي السلطتين المحلية والأمنية في تعز إدراكه واستيعابه بعد، هو حقيقة أن دم الشهيد عبد الرحمن عبدالله قائد قد أيقظ في صميمنا كأقلية مسحوقة ومحتقرة توقاً متقدا للخلاص والتحرر من قيود الرق والعبودية، وأن محوى الشماسي الذي تفرد بتقديم الشهداء السود تباعاً بدءاً بالشهيد الخضر مرشد صالح ومروراً بالشهيد المهمش علي محمد الضبيعي .. بات يمثل اليوم وعبر قاطنيه البواسل، الشرارة المنتظرة لخوض معركة الكرامة المستلبة للظفر بكافة حقوقنا المدنية والإنسانية، خصوصاً بعد أنت أسهمت حملات التنكيل والمداهمات الأمنية المتلاحقة تلك بتوحيد مختلف الفئات المهمشة وفي مختلف مناطق المحافظة بحيث باتت اليوم وبفضل القمع والعنصرية الرسمية أكثر قوة وصلابة وتماسكاً واستعدادا للصمود والتضحية والمقاومة في سبيل قضية الحرية .. *رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة. الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن.