مجموعة من القتلة والمتعصبين العنصريين القادمين من بطون حزب الإصلاح بمنطقة جبل حبشي محافظة تعز .. رأوا في نشوء علاقة حب عاطفية جمعت بين شاب أسود وفتاة بيضاء من جلدتهم ، أمراً يستدعي التعامل معه بأقصى درجات الصلابة والوحشية .. ما أسفر عندئذ عن حدوث أبشع عدوان جماعي طال ما يربو على الأربعين أسرة مهمشة تعرض أفرادها للسحل والقمع والتشريد العرقي تحت سمع وبصر السلطات القضائية والأمنية في المديرية وربما بمباركتها أيضاً .. وفي واقعة انتهاكية لم يشهد لها تاريخ الجريمة العنصرية مثيلاً ..لا في عمق ولايات النطاق الزنجي المعروفة بوحشيتها العنصرية التاريخية جنوبالولاياتالمتحدة الأميركية ..ولا في أحراش كيبتاون وبراري بريتوريا الشاسعة في الجنوب الأفريقي إبان حقب التمييز المندثرة دون رجعة .. قرية كاملة تم محوها وسلب محتوياتها وتشريد قاطنيها.. الأخدام ..تنفيذاً لحكم عرفي صدر بصورة جماعية وطارئة عن عدد من أعيان المنطقة ورجال دينها الذين أجازوا لبني جلدتهم سبي نساء الأخدام واستباحة أعراضهم وقراهم وممتلكاتهم ونفيهم عن بكرة أبيهم .. متذرعين بوصايا الرب القرآنية القائلة ((أن يقتّلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف))، وهو المفهوم اللاهوتي الذي ينطبق من منظور أعيان منطقة جبل حبشي كفعل تجريدي على ما دونهم من أخدام ومهمشي المنطقة الموصومين بالزندقة البائنة والكفر الخفي الذي يختبئ بهدوء في محياهم وتجاعيدهم المتعرجة والمجهدة وفي قلوبهم النابضة بغير حب الله .. والذي تجسد هذه المرة بصورة شيطانية على شكل علاقة عاطفية برئية لم تتعد ربما حدود الإعجاب الشخصي ما بين خادم تتدلَّى من أعناقه قيود الرق والدونية المتوارثة من ظلمات التاريخ ، وبين مراهقة بيضاء كان دافعها الأساس على ما يبدو ناجماً عن توقها الغريزي للحرية والانعتاق من عبودية مجتمعها الأبيض (القبائل) بما يحملونه من إرث وتقاليد تسلطية وموروث من حواصل القرون الوسطى .. ومع يقيني التام بأننا لسنا الوحيدين (معشر الأخدام) من تنزف ندوبهم بضراوة هذه الأيام وسط التصوف الثوري المحموم للصوص الحضارة والتاريخ .. كون الوطن بات يقف من أقصاه إلى أقصاه على شفير الهلاك والتفكك والاحتضار والدونية المتولدة من تحت أقدامهم العفنة .. إلا أن هذا لا ينفي حقيقة كون واقعة الانتهاك الجماعي تلك المرتكبة ضد أناس لا حول لهم ولا قوة تعد تكراراً نمطياً للقصة التاريخية الأكثر لؤماً وإيلاماً في تاريخ الإنسانية المقصية والمعذبة في بلادنا .. إنها حقيقة راسخة ومتجذرة ستظل تحكي للأجيال القادمة والمتلاحقة وللتاريخ البشري والإنساني عموماً عن تاريخ أمة تجيز لنفسها وبإصرار عجيب قهر واستبداد فئة عرقية داخلة في تكوينها الاجتماعي والوطني ..لا لشيء سوى لون بشرتها الداكنة وضعفها الأزلي .. خصوصاً وأننا لا نزال على ضوئها معشر الأخدام محرومين كلياً بحكم طغيان الحواجز اللونية والعرقية من كافة حقوق وامتيازات المواطنة العادلة والمتساوية بما فيها حق التمتع بالحماية القانونية والدستورية وحق الاعتراف بالشخصية الإنسانية وحق الحياة والتأوه والابتسام، بوصفنا كائنات بشرية أدنى ومحتقرة منزوعة القيمة والشخصية الإنسانية .. وما يزيد الطين بلة هو أن نذر هذا الواقع الاستبدادي آخذة في الاتساع بتوسع رقعة الفتوحات اللاهوتية وهدير الفتاوى الدينية لجلاوزة الإصلاح والتابعين لهم إلى يوم الدين، بالصورة التي يمكن قياسها من خلال الإمعان في الكم الهائل من الأعمال والجرائم الانتهاكية التي طالتنا نحن المهمشين أفراداً وجماعات منذ نشوب الأزمة أوائل العام 2011م على يد القوى والمليشيات الراديكالية بوصفنا من بقايا النظام بحسب التوصيف الثوري الذي مكن القوى اللاهوتية على ضوئه من تجريدنا مما تبقى من شروط وامتيازات العبودية ذاتها ..أبرزها حرمة أعمال الإيذاء العمدي والمجاني لجماعات الأخدام من قبل القبائل.. بالإضافة إلى ميزة اختلاطنا العفوي حتى مع نساء البلاط وليس حبهن فقط ..وذلك في سياق مهماتنا التاريخية المتمثلة بالسهر على راحة القبائل وخدمتهم وتأمين رفاهيتهم الحياتية دون استثناء .. مع أنني لم أستفد في الواقع كخادم من امتيازات العبودية تلك .. لأسباب تتعلق في الأساس برغبتي في الحفاظ على نقائي وخصوصيتي العرقية وحمايتها من دنسهم .. بصورة يستحيل على مجتمع القبائل فهمها واستيعابها .. مثلما يستحيل عليهم في الوقت عينه استيعاب حقيقة إن إقدام إحدى فتياتهم البيضاوات على المراهنة بحياتها في سبيل حب شاب يائس ومهمش لا يمكنه بحكم الواقع الدوني تأمين أبسط شروط الحماية وترف العيش الذي اعتادته هي في محيطها القبلي .. إنما هو رهان فعلي من قبلها على قضية الحرية الشخصية التي تفتقدها كإنسانة وسط مجتمعها السيادي الغارق في بربريته وتخلفه وتقاليده القروسطية .. وذلك إذا ما قورنت بمظاهر الحرية المدنية المطلقة التي تتمتع بها في المقابل نساؤنا الجائعات والمجهدات من وجع العنصرية .. حيث لا عزل قسري ولا تقييد لهن خلف الجدران ولا حجاب أو براقع مفروضة على وجوههن ولا حظر من الخروج .. يخرجن متى شئن ويعدن متى شئن .. يرتدن الأسواق والمدن والملاهي دون مرافقين أو محارم أو رقابة ذكورية .. أي أن نساءنا يتمتعن في محيطهن العرقي والطبقي بأرقى معايير ومواصفات الحياة المدنية والعصرية والحرية الشخصية .. بالصورة التي تجعل من إمكانية وقوع مثيلاتهن البيضاوات - أي القبيليات بالمفهوم البلدي - في غرام خادم مثلي يشكل بالنسبة لهن طوق النجاة الحقيقي للانعتاق من عبودية مجتمعية وأسرية .. وحتى يحين الوقت لهذا المجتمع البربري الغارق في أوهامه وتخلفه الحضاري والإنساني إدراك مثل تلك الحقيقة الراسخة والمقدسة .. سيتعين عليه النيل منا ومن مدنيتنا معشر الأخدام بأسوأ السبل والأدوات المتاحة والمشحونة بالجور والظلم والتفوق والازدراء والكراهية الطبقية المتنامية إلى ما شاء الله .. *الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن. رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة.