مع التباشير الأولى لصبيحة يوم الخميس الفائت خرج مهمشو محوى الشماسي السكني بمدينة تعز للتعبير عن غضبهم ونفاد صبرهم من تنامي السلوك والممارسات العنصرية المكرسة ضدهم بشقيها الرسمي والمجتمعي.. بقطع الطريق الدائري، المحاذي لمحواهم السكني جولة الموشكي التي تربط ما بين حي كلابة وحي عصيفرة من جهة ووسط المدينة من جهة أخرى.. وإشعال الإطارات المطاطية ووضع الحواجز المؤقتة، بالإضافة إلى قيامهم باحتجاز عدد من السيارات التابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم الصناعية.. وذلك إثر مقتل الشاب المهمَّش عبدالرحمن عبدالله قائد ذي الثمانية عشر ربيعاً من العمر على أيدي مجموعة من المتعصِّبين العنصريين (أولاد احمد الشراعي) الذين لاذوا بالفرار بعد تنفيذهم لجريمتهم القذرة والغادرة تلك في حق شاب بائس ومهمش لم يكن يطمح بغير الحصول على حقه العادل في الحقوق والمواطنة.. في ذات الصباح أيضاً تم في مدينة إب اغتيال الناشط الحركي المهمش، رئيس فرع منظمة الدفاع عن الأحرار السود بمحافظة إب ورئيس جمعية الكفّ الأسمر ومدير علاقات منتدى التنمية السياسية، المهمَّش علي بن علي طالب، رمياً بالرصاص وبواسطة مسدس كاتم للصوت داخل منزله على يد جهادي متشدد يدعى منير عبدالله أحمد الباردي، والذي لاذ بالفرار عقب إنهاء مهمته قبل أن يتم اعتقاله مساء اليوم التالي الجمعة في إحدى ضواحي مدينة إب بعد عملية مداهمة وتبادل لإطلاق النار بينه وبين أفراد الشرطة.. وهي الواقعة التي تزامنت في الوقت ذاته مع مقتل أحد المهمَّشين الشباب بمنطقة المقاطرة م/ لحج دهساً تحت عجلات سيارة خصمه القبيلي.. في حادثة غادرة ومبتذلة تعد بالفعل من وسائل السحق الحديثة والمبتكرة على صعيد التطبيق العملي للقيم والممارسات العنصرية عبر تحويلها من فعل جنائي إجرامي متعمَّد إلى قضاء وقدر.. إلخ. تلك بالطبع لمحة بسيطة فقط لمظاهر المحنة التاريخية التي نتجرَّعها معشر الأخدام بصورة يومية كأقلية عرقية ومحتقرة في سياق الحواجز العنصرية واللونية المحددة لشكل ومستوى مواطنتنا المتدني في محيط اجتماعي مطمور بالفوضى والعبثية.. فمن ناحية أولى يتبين لنا من خلال الطريقة البربرية والوحشية التي قُتل بها الشاب المهمَّش عبدالرحمن عبدالله قائد، وتلكؤ السلطات القضائية والأمنية في المحافظة في ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة، مدى البغض واللامبالاة والكراهية العِرقية التي تكنُّها لنا العديد من قطاعات ومكونات هذا المجتمع العنصري الغارق في بربريته وتخلفه بصورة لا فكاك منها. فيما الظروف والملابسات المحيطة بواقعة اغتيال الناشط الشهيد علي بن علي طالب تبيِّن بوضوح على أنه كان اغتيالاً سياسياً بامتياز.. نظراً في المقام الأول ليس فحسب إلى طبيعة وهوية الانتماء الحركي والأيديولوجي للفاعل، والدالة في الوقت ذاته على نوايا إخواننا في الله (معشر المطاوعة) لوضع حدٍّ نهائي على ما يبدو لشقائنا ومعاناتنا العِرقية وفق طرقهم ووسائلهم المعتادة.. وإنما بالنظر أيضاً إلى نوعية السلاح المستخدم في الجريمة والذي يجيب في الواقع وبشكل شافٍ عن مجمل التساؤلات الوطنية الملحَّة حول هوية الجهة المستفيدة والمتورطة أصلاً بما بات يعرف بشحنات الأسلحة التركية المتلاحقة وماهية الغرض من جلبها وتهريبها إلى داخل البلاد.. ما قام به أخدام ومهمشو محوى الشماسي بمدينة تعز وبقية أقرانهم بما فيهم أنا بالطبع من تصعيد نوعي لطرق ووسائل كفاحهم واحتجاجهم العرقي، أمر ينبغي له أن يستمر وأن يتطور فعلاً إذا ما أردنا وضع حدٍّ فعلي للتفرقة العنصرية، حتى وإن بلغ بنا الأمر حدَّ انتهاجنا العلني لخيار العنف المقاوم والمضاد كنهج حتمي (وهذا ما بات يحبذه الكثيرون منا في الوقت الحالي) في سبيل الظفر بحرياتنا وحقوقنا ومواطنتنا وآدميتنا المستلبة.. ومسألة كتلك تعدُّ بديهية للغاية.. كون الإخفاق المستمر لأنظمة الحكم المتعاقبة في منح الأقليات العرقية والمهمشة وعلى رأسها الأخدام الفرصةَ والمركزَ الاجتماعي المتساوي وضمان حقوقها الأساسية في الحماية والإنصاف القانوني العادل، وفي التعليم والصحة والوظيفة العامة والمشاركة السياسية، أموراً تسهم في مجملها بتوتير حدة الصراع الاجتماعي والطبقي وإيصاله إلى مرحلة الصدام والغليان الفعلي.. فالأرواح التي تُسلب منا بالمجان يمكن أن نهبها نحن بطيب خاطر في سبيل قضية الحرية التي باتت أكثر صعوبة وتعقيداً واستعصاءً على الحل في الوقت الراهن، وخاصة مع تنامي الظاهرة الإخوانجية وتشعُّبها المحبط والمخيف في صميم حياتنا الاجتماعية والوطنية وفي تقاليدنا وطرق عيشنا بطرق منذرة بالكثير من المآسي والكوارث المستقبلية.. خصوصاً وأن الأمر المستغرب في هذا الشأن يتمثل في أن تصاعد وتيرة الجرائم والانتهاكات العنصرية المتواترة ضدنا (معشر الأخدام) تأتي في ظلِّ تحوُّل ثوري مزعوم تشهده البلاد.. ما يوحي بأن هذا التحوُّل الثوري لا ولن يشملنا معشر الأخدام والمهمشين، كما هو واضح من خلال معطياته الأولية والدالة على اتِّسامه كفعلٍ ثوري بذات القدر التاريخي من الفوضى والعدمية التي ميَّزت قبلاً أغلب التجارب الثورية التي شهدتها بلادنا على امتداد تاريخها المعاصر والمحكومة عادة حيالنا (كأقلية أثنية وعرقية) بنزعة الإقصاء والتفوق المجتمعي والانتقاص الأخلاقي من أمننا وآدميتنا وكرامتنا وهويتنا الوطنية وحقوقنا الإنسانية المستلبة. رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة. الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن.