منخلال إمعاني الدقيق والمتأني في التوقيت والكيفية والطريقة التي تم من خلالهاتدشين مؤتمر الحوار الوطني.. أستطيع الجزم بثقة تامة أن إقرارها بمضمونها الحاليسيشكل ولا شك انتكاسة مريعة وكارثية على صعيد كفاحنا وتطلعاتنا المدنية والإنسانيةكشعب مغلوب على أمرة بصورة لا يمكن التنبؤ بآثارها ونتائجها على المدى الزمنيالطويل. فتاريخالثامن عشر من مارس الذي اختير كمحطة لانطلاق الحوار رغم ما شابته من أحداث دمويةومأساوية مبهمة أحاطت بأحداثه المعروفة ب(جمعة الكرامة) في ظل التضليلوالضبابية التي يحرص البعض على جعلها معياراً منهجياً لابتزاز النظام السابقوإبقائها سيفاً مسلطاً عليه من خلال كيل الاتهامات والتحريض الكيدي ضده على حسابالحقيقة التي تعد الغائب الأبرز في هذا الحدث الاستراتيجي الوطني الكبير، ما يوحيبأن الكذب والتضليل والاحتيال والمخادعة ستكون هي المكون الأبرز لنتائجه المعدةسلفاً، على ما يبدو وبالطريقة ذاتها التي تم من خلالها خداعنا معشر الأخدام وخداعالعالم الإنساني أجمع من قبل صناع القرار السياسي في بلادنا الذين تكرموا بمنحناكأقلية عرقية مقصاة ومهمشة مقعد واحد ووحيد لتمثيل ما يربو على المليوني خادمومهمش في مؤتمر الحوار، دون أي مراعاة أو اعتبار لأولئك الرجال والنساء السودالذين يستنزفون أعمارهم وأقدارهم المنسية للوفاء بمهماتهم التاريخية في خدمةالقبائل وتأمين رفاهيتهم وكنس أوساخهم وقذارتهم وتلميع أحذيتهم باستثناء ضمائرهمالمتسخة باتساخ التاريخ الإنساني الآثم في بلادنا. إنانتداب ممثل واحد للمهمشين في مؤتمر الحوار المشؤوم من قبل النظام والمجتمعالسياسي اليمني سلفاً، على أساس تصوراتهم الرجعية المصوغة خارج إطار الرؤىالمفترضة لتحقيق مشروعات العدالة والدمج الاجتماعي والشراكة المفترضة في لجنةصياغة الدستور وتطبيق نظام الكوتا في المجالس التشريعية والتمثيل النسبي في اللجانالاقتصادية والتنموية وإقرار قوانين التمييز الإيجابي التي تتسم هي الأخرى بنوعمريب من الغموض والضبابية ذاتها تغلف مواقف وأخلاقيات المجتمع السيادي بمختلف قواهومكوناته السياسية والطبقية والمذهبية حيال الإقرار الأخلاقي بحقوقنا وآدميتناوحرياتنا السياسية المستلبة في سياق الحواجز اللونية والعرقية، لا تتواءم فيالواقع ومستوى توقنا الطبيعي لاكتساب حقوقنا ومكانتنا الطبيعية في المجتمع. فالمعضلةالعنصرية في بلادنا ليست قضية سياسية فحسب، إنها قضية تتصل بعادات هذا المجتمعوبقيمه وثقافته وإرثه الحضاري، وبتاريخه القومي المغلوط الذي أسهم وعلى مدى قرونالاستبداد البغيضة في تأجيج مشاعر العداء والكراهية المجتمعية للأخدام بطابعهاالقومي والعصبوي المبني على فرضية أننا بقايا لقومية أخرى دخيلة وغازية ولسنامواطنين شرعيين كاملي الأهلية والمواطنة -والمقصود هنا الأحباش- مما أعطىللممارسات العنصرية الصفة والدافع الانتقامي الذي وحد كل فئات وشرائح المجتمعاليمني بأعرافه وطوائفه ومذاهبه المختلفة والمتناحرة أصلاً على قاعدة النفي الكليلآدميتنا وحقوقنا وهويتنا الوطنية والإنسانية وحرماننا القسري من إمكانية اكتسابأبسط شروط ومقومات النماء والتطور البشري العادل مثل الحق في امتلاك الأرض،والمسكن الآمن والوظيفة العامة والامتيازات الخدمية ووسائل الإنتاج والتطور وحقممارسة الأعمال الحرة والتجارة...إلخ. كماأن حل المعضلة هنا لا يتعلق بالقوانين، ولا بالتشريعات الوطنية، سواءً الساريةمنها أو المقترحة، بقدر ما تتصل بالوسائل المثلى للحد من قدرة وبراعة المجتمعالسياسي والجماهيري والحكومي والمدني في الاحتيال على القوانين التي تتصدر علىالدوام قائمة ضحايا الاغتيال الممنهج الذي يطالها على الصعيدين الرسمي والمجتمعيدون استثناء. خصوصاً وأن ما ندركه تماماً في السياق هو أن شعارات مثلالمساواة والعدالة الاجتماعية، والمواطنة المتساوية، والحقوق والحريات والمشاركةوتكافؤ الفرص، ظلت تشكل في مجملها وعلى امتداد مراحل العملية الثورية الوطنيةالمكون النظري والدستوري الأساس الذي تشدقت به مجمل أنظمة الحكم المتعاقبة على مدىأكثر من نصف قرن بما أفرزته من نتائج واختلالات كارثية يمكن وصفها بالأسوأ علىصعيد العلاقات العرقية والإنسانية في البلاد، كما تشير إلى بذل وقائع الحياةاليومية التي نعيشها والدالة على أننا معشر أخدام ومهمشي اليمن لا نزال بعد مضيأكثر من نصف قرن على العملية الثورية الطبقة الاجتماعية والعرقية الوحيدة التييفتقر حوالي 95% من أبنائها للقدرة على امتلاك المساكن الصحية والآمنة ونفس النسبةتقريباً تغلفها الأمية المعرفية والعلمية مثلما لا نزال الفئة الاجتماعية الأكثرعزلة وتخلفاً والأكثر عرضة أيضاً للاستغلال الوظيفي على الصعيدين الرسمي والمجتمعيوالانتهاكات اليومية وأعمال القتل والإيذاء العرقي والعنف المكرس بشقيه الرسميوالمجتمعي في ظل افتقارنا المبطن وغير المعلن لحقوق الحماية القضائية والدستوريةوالقانونية ولحق الاعتراف بالشخصية الإنسانية في سياق معادلة الاستبداد التاريخيالقائم والموروث.