المجتمع اليمني مجتمع مريض، وكم هو صعب وجارح قول مثل هذا الكلام، ويشبه أن تنظر في المرآة وتصفع نفسك. ليس هذا كلاماً من باب المقارنة التي يعقدها أي شخص غادر بلده، لن أكره بلدي، وكل ما يوحي بذلك من منشوراتي في فيس بوك لا يمكن أن يتعدى نزق الشاعر، ويستحيل أن تغادر هويتك وغناءات الفلاحين في دمك، وشمس بعد العصر في مقيل أصفر في القرية، أنت تتسكَّع في أروقة مدينة تذهب في عصريتها أكثر مما ألفته في بلدك، فتتحسَّر على جمال وطنك المنهك، وهويته المفقودة، ويغدو ليل صنعاء القديمة أشبه بحلم منشود، وصوت أبو بكر على متن باص قادم من ذمار أشبه بصوت أمك. كنت أحلم أن أغادر بلدي، لكنني لم أكن أحلم بمنفى، وحين زرت القاهرة في شهر فبراير الذاهب، أثناء معرض الكتاب فيها، اختزلنا "فتحي أبو النصر وأنا" كل انطباعنا في عبارة أمقتها لفرط صدقها وبساطتها: "إنها جميلة ولكنها بلد الآخرين". كل شيء في اليمن، لا يسير بشكل طبيعي، لا حياة الناس، ولا السياسة، ولا الثقافة، ولا حتى الصحافة، ولا التعليم، ولا الصحة، ولا مقومات الحياة الأولى، هوية مُدمَّرة، وتخشى عليها أن تغدو في الأخير كلَّ ما تحتفظ به "أروى عثمان" في متحفها، وأخذنا من الخليج أسوأ ما فيه، ومن مصر أسوأ ما فيها، ولا يوجد حتى في بنية الدولة ورمزيتها ما يشير إلى الشخصية اليمنية (حتى العلم الوطني، والطير الجمهوري نسخة معدلة من علم مصر وطائرها). وبينما يضفي العالم على موروثه سمة العصر ويحضِّرونه، نهينُ موروثنا اليمني باستمرار، ونستمد قيم العصر ومخرجاتها ونعبث بها ونعيدها لبدائيتها. لا أكتب كلاماً في السياسة ولا في الثقافة، وليس مزيجاً من هذا وذاك، ولا يمثل تلك الحسرة الكبيرة التي تشعر بها وأنت تمشي في بلاد الله فتوجعك هويتك، وأنت تفكر في أن المجتمع اليمني مريض، ولا يحترم الحياة، ويفتقر لنظرة راقية وإنسانية تجاه مفهوم الإنسان "والحياة"... وهذا أمر لا يشفيه كون صوت أيوب طارش ينحدر من أعالي جبل صبر حتى قعر روحك، ويشبه صوت أبو بكر صوت أمك. إنه بلدنا فقط، وعلينا أن نقاتل السفلة، واللصوص ومافيا الدين والقبيلة والأحزاب والرأسماليات التي نَمَت في حضن السلطة، وكلَّ من دمرونا، نقاتلهم بكلِّ ما تبقى من غناء الفلاحين ومعاولهم. وسننتصر وننجو..