هناك مكالمات لم ترد عليها ومكالمات لم تجرها، وثالثة ينبغي ألاَّ ترد عليها أو تجريها حتى ولو على قطع رأسك. هناك رسائل لم تقرأها ورسائل لم تكتبها بعد ورسائل أفضل لك ألَّا تكتبها أو تقرأها أو تنتظرها، إلاَّ إذا كنت تنام بقلب من النايلون!! أما وأنت تنام- وسط الضجيج- بقلب شغوف للحياة وللهدوء فإن رسائلك، مشاعرك، وكل كتاباتك تغدو بلا قيمة، تماماً مثل إشارات المرور في بلدٍ أدمن العبث. §هناك حب لم تعشه من قبل.. وحب لا جدوى منه.. وحب أجدر بقلبك أن ينبض له لأنه لم يحرمك قط من لحظة دفء. §هناك مشاعر لم تكشفها لأحد.. ومشاعر فرشتها للجميع مثل سجادة الصلاة.. ومشاعر ينبغي عليك ألاَّ تفضحها حتى ولو كنت على سرير الطبيب. هل تستطيع مثلاً أن تخبر الطبيب بأنك تكره طريقته في العلاج ؟.. في أحسن الحالات ستجده يضع بين يديك روشتة علاج تفقدك القدرة على الكلام مرة ثانية!! §هناك روشتات لم تقرأها وأخرى أفضل لك ألاَّ تقرأها أو حتى تفكر بذلك.. خصوصاً تلك التي يكتبها السياسيون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. هناك أصدقاء لم تلتقهم بعد، وأصدقاء لم تعد تلقيهم، وأصدقاء لا داعي أن تلتقيهم من أصله. هناك فواتير لم تسددها، وأخرى أتحداك ألاَّ تسددها فوراً، إلاًّ إذا كنت خبيراً في غسل الأواني والصحون. سأبوح لكم بسر خطير.. هاتوا آذانكم: كنت طالباً شقياً يتسلق سور المدرسة ويهرب إلى أقرب مطعم يصادفه في الطريق. ولما انتهيت من الأكل وخذلني جيبي.. بدلاً من أن أتوجه إلى المغسلة مثل كل الزبائن توجهت "دايركت" -بشموخ وإباء- إلى المطبخ لأغسل الصحون مقابل الوجبة. أمام تلك المبادرة الرائعة من قبل (حضرتي) لم يكن بوسع صاحب المطعم إلاَّ أن يلعن أبو اليوم الذي صادف فيه زبوناً "عرطة" مثلي. أعجبني الخبر.. وفي اليوم الثاني عاد "حضرتنا" إلى نفس المطعم، وقبل أن أجلس وأطلب أي شيء نط صاحب المطعم يصرخ في وجهي "عفواً يا بطل.. الحساب مقدماً".. آه كم غبطته على ذاكرته القوية. وبكل ثقة واحترام حملت نفسي "دايركت" باتجاه المطبخ، سأغسل الصحون مقدماً.. أيش فيها يعني. هناك أشياء لم تعد تتذكرها.. وأشياء ينبغي عليك ألاَّ تتذكرها، خصوصاً إذا كان صاحب المطعم -يجيد القراءة- ولم يزل على قيد الحياة.. يا لهوي، فضيحتي ستكون بجلاجل. [email protected]