عندما اعتمدت النهضة الصناعية على الآلة، وقلصت من حاجتها لعضلات الإنسان، صارت العضلات طاقة فائضة يستخدمها الإنسان - خصوصاً في بلداننا العربية- لضرب جاره أحياناً، وفي أحايين كثيرة لإقلاق راحة حي بأكمله؟! كُلما تضخمت البطالة في مدينة ما، أو حارة ما، زاد عدد "الفتوات" حسب العامية المصرية. الأحياء الشعبية مثلاً، حيث يكثر عدد "الشُبان" العاطلين، غالباً ما تتحول إلى منتجع "أكشن". وذلك أمر طبيعي جدا، لأن الفراغ يعطل النشاط الذهني والوجداني معا،ويدفع - في المقابل- بالنشاط العضلي إلى منتهاه. والنتيجة كما نراها في محاضر تحقيقات أقسام الشرطة . على أتفه الأسباب ينشأ خلاف سريع، يغيب العقل فيه، وتحضر العضلات!!
وتتفاوت - من بلدٍ إلى آخر - مشاكل العضلات. في الخليج مثلاً..يبدو أسوأ شجار تتدخل فيه العضلات، أن يتخابط الناس "بالعقال" ويذهبون إلى الشرطة بعد ذلك . في دول المغرب العربي والشام، أقسى ما تقوم به العضلات الفائضة هناك، هي أن تطرح خصمها أرضاً، أو تسدد في وجهه لكمة قوية تفقده ابتسامته لأيام! في مصر تتدخل السكاكين أحياناً، وتتحرك بغزارة عضلات اللسان، حيث يتحول العراك إلى مساجلة شتائم مفتوحة وبلا خطوط حمراء أو حتى برتقالية اللون، فضلاُ عن (الألم) أي "الصفعة" في العنق. وأما الطاقة العضلية في اليمن السعيد (خمسة وخميسة بعين الحسود) فإن أبسط شِجار (مضرابة) يعطل حركة السير في شارع بأكمله. مخزون الطاقة العضلية في بلادنا -ولله الحمد- ضخم وعنيف..تحضر فيه الجنابي والبنادق و(الصميل) والحجار وكذا أقرب سيخ حديد يصادف أحد المتشاجرين! إذ لا يتورع أحد في استخدامه.. وفي أي مكان من الجسم . في اليمن يخلف العراك العضلي جرحى وقتلى ومغمى عليهم أيضاً . العضلات هُنا سريعة الغارات والمحظوظ جداً هو ذاك الذي يخرج من المضرابة وأنفه فقط ينزف دم! قبل سنوات طويلة حضرت بالمصادفة عراكاً في (وسط البلد) بالقاهرة.. الشارع بأكمله تعطل من الزحام. استمر العراك قرابة نصف ساعة وانتهى بقطرتين دم وكم لكمة وشتيمة ..ثم ذهب المتشاجرون كلٌ في سبيله ويا دار ما دخلك شر. أقسم لو أن مثل ذلك الشجار حدث في العاصمة صنعاء أو إحدى مدن العضلات اليمنية مثلاً، لتحول ضحايا ذاك العراك إلى خبر عاجل في قنوات التلفزة كلها !!