نحن شعب عالق بين مسارات جلّها يعيد إنتاج الإحباط ويدفع لوضع اليد على القلب.. شعب عالق بين مؤتمر حوار داخل فندق خمسة نجوم، تحولت الحلول السياسية فيه إلى صنم يحرض الجميع على الدوران حوله، ولكنه يرفض أن ينطق بالمنطق أو يدفع بما ينفع.. حائر على أبواب حكومة تمارس أقصى درجات العتَه الفكري.. ولا ترى اليمن سوى بقرة حلوب ومرابط للتمكين على أساس جهوي غير وطني بالمرة.. * وليس في الذي سبق ألغاز أو "لوغاريتمات"، لكنها النظرة الواقعية إلى أن من يتصدر المشهد هي قوى الشر والفساد بقوة دفع رباعية من قوى النفاق.. والنفاق بالمناسبة هو أقوى حصون التخلف.. * أما لو أضفنا هذا الالتقاء بين الجهل وبين الغرور فإن الأمر يتحول إلى دعوة عامة لغسل الأيادي من "العشم" بالماء والصابون.. بعد أن صار الوطن بطاقة امتياز والدين بطاقة امتياز والمذهب بطاقة امتياز، وحتى الأخلاق بطاقة امتياز في أيادي أطراف سياسية وعسكرية ومشايخية غارقة في الشبهة، فيما جموع الشعب في طابور انتظار لمشروع وطني يلمُّ الشعث بعيداً عن محاصصة من يجمعون بين مفارقتي الحوار وتفجير الحروب.
* ألا ترون ارتفاع أصوات هؤلاء الذين لا يكفون عن الادعاء بأن الوحدة اليمنية ليست سوى حالة طارئة أو نزوة عاطفية عابرة، بعد أن صدَّعوا الرؤوس بأنها حقيقة تاريخية مرتبطة بالهوية والوجود والجغرافيا والمصالح الشعبية المتشابكة لشعب ظل عبر تاريخه موحداً؟ * كنا نشكو من أن الشيطان في التفاصيل، فصرنا نشكو من أن الشيطان يبسط نفوذه حتى على العناوين، بدليل أن الوحدة اليمنية صارت أبرز ما يعطل مؤتمر الحوار، مع أنها خيار شعب وإرادة وطن.. وحتى الحديث عن الثوابت الوطنية صار محط استهجان.. فيما أصبح الكذب والمتاجرة بأحلام الناس جدارة سياسية. * إن المواطن اليمني اللبيب يعيش منذ فترة حيرة الوقوف أمام فراغ كبير للدولة تعددت فيه الأطراف التي تتنافس على ملئه، رغم أنها لا تملك سوى غريب التصورات وعجيب الأفكار التي تكرس الصراع الطائفي والمذهبي والحزبي وصراع المصالح بتوجهات الإلغاء وكسر العظم.. * الصوت العالي اليوم هو صوت الانتهازية.. صوت التمزيق.. صوت الفساد.. وأصوات قوى الشر المدعومة بقوى النفاق، فأصبح التآمر ذكاءً، والفساد شطارة، والإرهاب بطولة، والتخريب شجاعة، والقتل وطنية، والفرجة على كل ذلك كياسة وسياسة، رغم أنه ليس سوى محض تعاسة. * عندنا حوار ومدخلات تنتظر المخرجات.. وعندنا ثورة بدرجة أزمة، وأزمة تنتظر ثورة، وعندنا ارتباك وتلعثم وعجز في تقديم أي دليل على الرغبة في استدعاء الحكمة ببركات هذا العمى السياسي عند من لا يطيقون التعاطي مع وصفة سحرية، مضمونها أنا يمني حقيقة وليس زيفاً.. وحينها سيغادر شيطان التفاصيل وشيطان العناوين.. ويأتي الحل.