* أتأمَّل في المأزق السياسي والأمني والاجتماعي فتزداد القناعة بأن الدولة الغائبة ليست الحلّ وإنَّما صارت المشكلة. هي مشكلة في غيابها ومشكلة في الإيحاءات الوهمية بأنها ما تزال موجودة ليقع الناس في فخّ تصديق أن بالإمكان تحقيق العلاقة المتكافئة بين الناس في شوارع (مَنْ لم يمت بمواجهةٍ مات في موكب عرس أو بسقوط طائرة).
* والمفروض أن الدولة هي الأساس لحلّ المشاكل.. لكنها دائماً تبقى المشكلة عندما تحضر والمشكلة عندما تغيب.. ربَّما لأننا حتى اللحظة فشلنا في إدراك التعريف للدولة.. هل هي كيان سياسي أم كيان اجتماعي بتماهيها مع القبيلة التي صارت هي الأخرى بدون تعريف محدَّد وكأنها العنصر الموازي لمصطلح الإرهاب.
* ما سبق ليس لوغاريتمات وإن ظهر كذلك وما سيأتي ليس استشرافاً وإنَّما واقع يزيد الغموض غموضاً والارتباك تلعثماً وارتعاشاً.. ألا ترون كيف أنه كلما اتَّسعت الشوارع ضاقت النفوس.. أتحدَّث هنا - فقط - عمَّا شهدته شوارع الستِّين وشوارع السبعين ثم شارع الخمسين لا فرق بين ضيق الأفق في (الاحتراش) على السلطة وبين ضيق الأفق أثناء المرور الطاووسي احتفاءً بعرس.. فالأمر اليمني من قبل ومن بعد جرأة على الدماء وعبث بأرواح كرَّمها اللَّه.
* حالة الانفلات والعبث والفوضى لم تعد ضيفاً طارئاً غير مرغوب فيه.. وإنَّما سلوك يومي يمتدّ في ربوع بلد ما يزال أهله يصرُّون على أنهم أهل حكمة رغم أن العصبيات تكسب حضورها على حساب الوطن وعلى حساب الأيديولوجيا وعلى حساب عقول قديمة يتمّ تكليفها دائماً برسم ملامح المستقبل.
* كان الغيورون على بلد فاشل في استعادة سيرته الأولى على الإنجاز يقولون بأن الوطن ليس -فقط- رقصاً ونشيداً وألعاباً.. وكانوا يقولون: الدولة ليست كلاماً ونفاقاً فصار سؤال واقع الحال: أيَّة دولة هذه التي لا تستطيع إقناع مواطنيها بتهيئة المناخ لأعراس بلا غلق للشارع وإزهاق للأرواح؟
اتَّسع الشارع فضاقت النفوس.. واتَّسعت دوائر الكلام فضاقت الرؤية.
* هل تلاحظون كل هذه التناقضات؟ إصرار متواصل على دراسة الفشل ربَّما رغبة في أن لا يتفوَّق علينا فيه أحد.
مَنْ كانوا دائماً هم المشكلة يتصدَّرون أدوات الحلّ ويضمرون ويعلنون المحافظة على بذور ذات المشاكل.
* أطلقنا الحوار وأبقينا على إطلاق الرصاص.. كبار قوم لا يرتِّبون الأمور حسب رؤى وطنية وإنَّما وفقاً لحماقات مستشارين لا يتأثَّرون بحالات الانفلات والفوضى والعبث.. وهواجس كبيرة في أجواء يعقدها كل الرافضين لأن يتخلَّص البلد من العنف المستتر والمكبوت.
* تطوُّر مضطرد بنظام يحثّ الخطى نحو ما هو بائس.. رغم كل هذا الغثّ من الكلام.. ويكفي للتدليل عليه أن الخطف بدأ بالأمريكي والأوروبِّي وامتدّ إلى العربي والعسكري ولم يستثنِ حتى الصحفيين.
* وحتى عندما أعلنَّا تعز عاصمة للثقافة لم نعمل في الواقع غير استبدال قيران والعوبلي بالميليشيات لنكمل ما يفعله القات من إحداث النقص في معدَّل وزن المواليد وما تزال الأوضاع مفتوحة على المزيد من الحتف.