كما يليق بشريف مثله، استُشهد النائب عبدالكريم جدبان واقفاً كسنديانة، شامخاً كأطواد رازح، طاهراً كملاك. دمه الذي ضرَّج صَوْح جامع الشوكاني في المساء الغادر إعلانٌ بالعتمة وبسقوط وطن يريد القتلة المأجورون أن يقنعونا بأنه لم يعد فيه متسع لشريف، وأنه لا سقف لشهوة القتل، ولا قعر لحقارة القتلة وغدرهم، ولا وازع من دين ولا قيم ولا إنسانية. لم يكن الدكتور جدبان أول من تغتاله الدراجات النارية، ولن يكون آخر شهداء المرحلة الجنونية التي تعيشها اليمن، وإنما فاتحة دمار شامل ندلف إليه دون أن نرى أشلاء الأبرياء الأكثر بين ضحاياه. كانت الدراجة التي نجا منها الدكتور محمد عبدالملك المتوكل إنذاراً تعامينا عنه بدراجة محامي جمعة الكرامة الدولة، ودراجة العميد الحالمي، ودراجة الأمريكي الذي أتى للتحقيق في اقتحام السفارة، ودراجة مدير السبعين الذي لديه ملف جريمة السبعين، ودراجة الطيارين في لحج، وغيرهم حلقات في سلسلة كان بالإمكان أن نجعلها أقصر ونعرف من يقف على طرفها الآخر، لكننا ذهبنا إلى الخيار السهل (القاعدة) أو (المؤامرة الخارجية). لم نسأل لماذا تغتال القاعدة المحامي حسن الدولة، أولم نُرِد أن نسأل، فاستمرت الدراجات والعبوات الناسفة.. ومن المهم اليوم أن نسأل: من قتل النائب جدبان؟ الدكتور جدبان لم يكن ضابط مخابرات ولا قائداً عسكرياً، ولا طرفاً في مواجهات مسلحة، ولم يكن حتى ممن يصطحب مرافقين مسلحين.. لدرجة أنه عند تعنُّت النقطة العسكرية منذ يومين أوقف سيارته بجوار النقطة وواصل طريقه سيراً على الأقدام إلى مؤتمر الحوار!! النائب جدبان كان لديه حقيبة ملفات فساد، منها الكهرباء، نشر وثائقها في وسائل الإعلام وأثارها في مجلس النواب، وصرَّح منذ ثلاثة أيام أنه لن يتوقف حتى يفضح أصحابها. أمريكا وإسرائيل لم تقتل النائب جدبان.. وفتوى الحجوري باستهداف أنصار الله حيثما وُجدوا- التي تم تعميمها بشكل ملفت على وسائل الإعلام- لا تعني بالضرورة، إن صحَّت، أن السلفيين هم قتلة جدبان، وليس للقاعدة سبب لاستهدافه.. ففتشوا عن القاتل الحقيقي بعيداً عن المؤامرة الخارجية وشماعة القاعدة. الدراجات النارية اليوم تقود اليمن إلى حيث قادته هايلوكسات 93، نفس القاتل ازداد خسَّة، لكن النتيجة ستكون أكثر ضراوة.. وإذا كانت حرب 94 قد اندلعت بين طرف وجميع الأطراف عقب حوار ناجح فإننا أمام حرب تبرر عدم الاتفاق في الموفمبيك على شيء مشفوعة بالفتاوى وتحت رايات شتى. إنها حرب الجميع على الجميع، في ظل مؤسسة عسكرية مفتتة ومهلهلة، ووصاية خارجية، واقتصاد منهار.