[email protected] يقترب العام الشمسي من نهايته، فتنفتح حسابات العمر في عام مضى، متسائلة عما سيأتي من أيام تجدِّدُ وعدَ الحلم بغد أفضل، وتبدِّد أيام العمر في متاهات السؤال عمَّا كان وعمَّا سيكون، وكما هو الزمان، يتلازم التجدد والتبدد ثم يتلاشى بهما عمر الإنسان . هذا العام ينتصف العمر بين الماضي والحاضر تماماً، كما ينتصف نهار، وكدورة شمس تحث الخطى نحو الغروب، فلم يبق في الكأس إلا ما تبقى من قليل يتوجس قرب الأخير، ولا أخير في نبض الحلم إلا ومض الوعد وعزم الأمل، فتمهَّل أيها القادم فالذاهب أسير الحلم والحلم حزين . على الأشلاء تمر أيامنا العربية منقسمة في الحزن، تودع عام الدماء بنظرة أسى مسكونة بالخوف من غدٍ يلفه ظلام المجهول وظلمات الحاضر المتحرك فوق خرائب العرب بين الماء- النفط، والماء- التراب، وبين حاملات الموت وعصابات الخوف، وبين عشائر القتل وطوائف الدمار . وفي العام الراحل، أيام لا عدَّ لها، مضت بغير ما وعدت، وانقضت بحلاف ما رجونا لها من ربيع تبخَّر وهماً، وارتد بعثرة لما تبقى لنا من وجود ووعود، وإن كابر بعض الوهم بالاسم والوصف، فقد ثار تراب العواصف وارتد صقيعاً قادماً من أطماع الغرب وتفاهات العرب، وتجار الدين . وفي العام القادم، يتردد الوعد، ويتراجع الحكم، ويشتد الصقيع، وينبعث الأمل، فهذا قاع الانحطاط، وقد آن لنا أن نرتفع منه، إذ لم يبقَ بعد اكتمال الهبوط سوى ابتداء الصعود، وقد انكشف ستار الادِّعاء، وظهرت كلُّ الحقيقة بالصوت والصورة، بالقول والفعل، عارية إلا من دجل الرهبان وضلالات الأحبار، ومن يلوون ألسنتهم بالكتاب خداعاً وتضليلاً وتجارة خاسرة. تسافر بنا الأيام، وتنقضي بنا الحكايات في مسارٍ إن حرَّكه الشوق تتالت أعوامُه جمالاً وجلالاً، وإن هيمن عليه الحقد تحوَّل وبالاً ونكالاً، وهذه طبيعتنا، وتلك أيامنا.. فإن قربناها من التوازن واقتربنا بها من الاتزان، فإنها تعدنا بالسلام الأصيل والمقام النبيل، فلماذا نصرُّ على تبديد العمر في سخافات القول وخرافات الجهل، ما دام القلب يعقل ما يرى، ويفقه ما جرى، ويصل بين ما نبصر وما لا نبصر من كون وتكوين؟ ونتساءل بين العامين عن القوم: هل يرون من شرفة العام الراحل غداً مفتوحاً لما نريد لأيامه بيننا ومن أيامه بنا ولنا؟!! فيرد الصدى: إنهم لا يرون، فلنرَ إذاً ما يجب أن يرى.