من قطع لعبة الليغو صنع الطفل مايك لازاريديس، أول اختراع إلكتروني خاص به، فكانت آلة التسجيل البلاستيكية تلك هي أول منجزات مايك وهو في سن الرابعة، وقد أدهش المجتمع الكندي وهو ما يزال مراهقا، حين تمكّن من قراءة كل الكتب العلمية الموجودة في المكتبة العامة في ويندسور، فتم منحه جائزة خاصة لتميّزه وهوسه بالمعرفة. في العام 1984 درس مايك لازاريديس الهندسة الكهربائية في جامعة واترلو وأسس شركة صغيرة بدعم بسيط من أهله وقرض صغير من الحكومة، فكانت تلك الشركة هي شركة RIM (البحث في الحركة) التي ستصبح عملاقة وستنتج البلاك بيري يوما ما، وكتبت الصحافة الاقتصادية إن الجهاز الذي اخترعه مايك لازاريديس، هو الجهاز الأكثر ربحا في العالم. وكان مايك لازاريديس، اليوناني الأصل، قد ولد في تركيا في العام 1961، ثم هاجرت أسرته إلى كندا وهو في سن الخامسة، ليعيش حياة حافلة بالشرود والانشغال بالمخترعات العلمية، وليدرس الهندسة الكهربائية بدءا من العام 1979 بتمويله الخاص بعد أن اخترع طنانا متطورا للعبة “ريتش فور ذا توب”، وفي العام 1986 وقبل أن ينهي دراسته الجامعية، كانت شركته RIM قد حصلت على عقد بقيمة 600 ألف دولار من شركة جنرال موتورز، وحتى سنة 1992 كانت شركة لازاريديس تعمل بعشرة موظفين فقط، ولكنها تضخمت بشكل كبير حتى أصبحت شركة عالمية وصل حجم استثماراتها إلى 68 مليار دولار في العام 2007. وعاد الطفل المهاجر ليردّ للمجتمع الكندي ما قدّمه له من دعم، فبدأ بتقديم المنح للطلاب والانخراط في العمل الخيري، وأنشأ معهد بيريمتر للفيزياء النظرية على نفقته الخاصة، وقدّم التبرعات إلى جامعة واترلو، وتابع في اختراع الأجهزة والابتكارات حتى بلغت أكثر من 38 براءة اختراع، يقال إن جهاز بلاك بيري الذي اخترعه مايك قد غيّر وجه الاتصالات على وجه الأرض. كيف غير البلاك بيري العالم؟ بمجرّد طرح بلاك بيري في الأسواق، ثارت ثائرة الحكومات في العالم، وكان لذلك أسباب لا علاقة لها بالتقنيات، ولكن بما سمّته تلك الحكومات “خطر البلاك بيري على الأمن القومي”، وكان لازاريديس قد أطلق اسم “التوت البري الأسود” على هاتفه الجديد، وكان هدفه الرئيس هو تسهيل التواصل ودعم البريد الإلكتروني لدى المستخدمين، كما كان على الدوام هدف شركته منذ تأسيسها، ولم يخطر بباله أن هذا الأمر سيقض مضاجع الحكومات في العالم، وحتى العام 2011 كانت مبيعات بلاك بيري تشكّل 3 ٪ من مبيعات الهواتف الذكية في العالم. وحين طرح لازاريديس البلاك بيري، كان مجرّد جهاز بيجر بسيط، ولكنه في العام 2002 قدّم النسخة المعروفة من هاتفه، فاكتسح الأسواق في أكثر من تسعين دولة في العالم، لقدراته الهائلة على استقبال وإرسال البريد الإلكتروني، مع أنه كان بشاشة غير ملونة في جيله الأول، وكانت ميزته الأساسية هي لوحة المفاتيح سهلة الاستعمال “كويرتي” التي يمكن إدارته بالإبهامين، ويتم التشغيل باستخدام كرة التحكم التي تقع تحت الشاشة في المنتصف، وقد بدأ بلاك بيري باستخدام معالج إنتل، ثم انتقل إلى معالج ARM، وحتى يتمكن البلاك بيري من تشغيل ميزاته تلك كان لا بدّ من الاعتماد على تقنيات سابقة، فتم استخدام نظام التشغيل الذي صممته شركة “نوكيا”. مشكلة بلاك بيري مع العالم العقل الذي صمّم بلاك بيري، أراد له أن يكون غير قابل للمراقبة، الأمر الذي تطلب أن تستخدم أجهزة بلاك بيري برنامجا خاصا بها اسمه (BBM) الذي يستخدم لإرسال واستقبال الرسائل باستخدام رقم التعريف الشخصي (PIN) أو الرمز الشريطي (barcode) . ويسمح بلاك بيري بإرسال رسائل فورية عبر العالم دون الحاجة لدفع رسوم الرسائل القصيرة، كما يمكن إظهار الصورة شخصية والاسم والرسائل شخصية، بالإضافة إلى إرسال واستقبال التنبيهات، ويمكن إضافة أفراد أو إنشاء مجموعات أو تشارك إحداثيات نظام تحديد الموقع العالمي، ما يصنع شبكة من المتراسلين في أنحاء العالم دون الحاجة لاستخدام شبكات الاتصال العادية أو الرسمية، مما تسبب بخرق أمني كبير في العالم، وكانت أولى تجليات ذلك حين أثار الإعلام الأميركي الكثير من اللغط حول البلاك بيري بسبب إصرار الرئيس الأميركي باراك أوباما على الاحتفاظ بجهازه الخاص بعد فوزه في الانتخابات، ولكن الإجراءات الأمنية في البيت الأبيض تمنع هذا، واستطاع أوباما الحفاظ على البلاك بيري الخاص به، بعد أن تم تقييد قدرات الجهاز وحصره في إمكانية الاتصال بعشرة أشخاص فقط. قال مايك لازاريديس: “إن السماح للحكومات برصد الرسائل المتناقلة عبر شبكة بلاك بيري يعرض علاقات الشركة مع عملائها للخطر”. وأضاف: ” إننا لا ننوي تقديم تنازلات ولن نرضخ لضغوطات حكومات أجنبية، فهذا ما جعل من بلاك بيري في المقدمة في كافة أنحاء العالم”، ولكن هذا المبدأ تغيّر أمام عطيات السوق، حين بدأت بلاك بيري بالمفاوضات مع دول العالم، بعد أن تراجع سعر سهم الشركة بنسبة 4.5 في المائة، في إحدى المرات إضافة إلى 2.78 في المائة، و1.25 في المائة، وكان استياء تلك الدول من سياسة شركة RIM في تشفير البيانات وإرسالها إلى مراكز بيانات خارج البلاد مباشرة، وبدأت مفاوضات دولية مع شركة RIM لتوفير إمكانية مراقبة أنشطة المستخدمين لتليفونات بلاك بيري وبياناتهم. وارتفعت الأصوات الأميركية بالاحتجاج على الإجراءات المتعلقة ببلاك بيري، فوصف ” بي جي كراولى” المتحدث الرسمى باسم ولاية واشنطن تحذيرات الدول بشأن حجب خدمات بلاك بيري بأنها “خطوة في الاتجاه غير الصحيح، فمن وجهة نظرنا يجب أن تنفتح المجتمعات على هذه التقنيات الجديدة التي تسهل حياة الأفراد وتزيدها قوة”، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عن أزمات بلاك بيري مع الحكومات: ” نحن نأخذ وقتنا لتقييم جميع الاهتمامات والمشكلات الموجودة حاليا، لأننا نعلم أن هناك حقا شرعيا في القلق على المتطلبات الأمنية وخصوصية الأفراد”. وكانت جميع التحفظات الحكومية على أداء بلاك بيري تتعلق بطريقة تشفير بيانات المستخدمين وإرسالها إلى خارج البلاد مباشرة لمراكز معالجة البيانات الخاصة بشركةRIM، والتي يقع أغلبها في كندا حيث المقر الرئيسي للشركة التي تقول إنها “تحترم كلا من متطلبات الدولة والخصوصية والسرية اللازمة للمؤسسات وللمستخدمين”، مواصلة مفاوضاتها مع الحكومات المسؤولة في أكثر من 175 دولة تعمل بها الشركة. البلاك بيري والإرهاب والسوق أعلنت الحكومة الهندية، أن منفذي هجمات بومباي الإرهابية كانوا قد استخدموا هواتف بلاك بيري للتنسيق فيما بينهم قبل القيام بالهجمات، فقامت شركةRIM بمنح الحكومة الهندية حق الدخول على خدمتها للتراسل الفوري، وتعهدت بإتاحة دخول تلقائي يمكّن السلطات من تتبع الرسائل التي يمكن أن تشتبه بها. وقامت شركة RIM خلال مشاركتها في معرض جيتكس دبى للتقنية في العام 2013 ، بالترويج لنظام التشغيل الخاص بها “بلاك بيري 10 ٪ والذى يتضمن الكثير من التحسينات والمميزات الجديدة، بالإضافة إلى إطلاق هاتف بلاك بيري الجديد Z30، كما أعلنت الشركة خلال مشاركتها إطلاق تطبيق “بلاك بيري ماسنجر” على منصات الهواتف الذكية في كل من نظام ios الخاص بأجهزة آي فون وعلى نظام تشغيل “آندرويد”، وهي الخطوة التي تستهدف بلاك بيري بها زيادة الانتشار لمنصتها ومواجهة المنافسة التي أصبحت في أعلى معدلاتها في هذه السوق بحسب ما قاله محمد المفلح، رئيس إدارة المنتج في بلاك بيري الشرق الأوسط، مؤكدا عزم بلاك بيري على المنافسة والتواجد رغم التغييرات الهيكلية التي تجريها، عن طريق نظام تشغيلها الجديد، وأضاف المفلح: ” لن تختفى علامة بلاك بيري من السوق .. لأن بلاك بيري تمتلك علامة تجارية قوية على الصعيد العالمي”. وقال عن المنافسة في السوق:” تعتبر منطقة الشرق الأوسط من بين أعلى المعدلات في العالم من حيث انتشار الهواتف الذكية، ومن المتوقع أن تشهد المنطقة على مدار الأعوام الخمسة المقبلة نموا بوتيرة أكثر سرعة من معدل النمو في مناطق مثل أوروبا وأفريقيا، ولا نستطيع أن نقول إن هناك تراجعا لحصتنا إلا أن ترتيب حصصنا ببعض الأسواق قد اختلف، ومؤخرا جاءت بلاك بيري في المركز الثاني من حيث مبيعات الهواتف الذكية في دولة الإمارات العربية المتحدة وفى المركز الثالث في المملكة العربية السعودية، ونحن نتوقع أن يستمر هذا التوجه، ويستخدم 97 ٪ من مستخدمي أجهزة بلاك بيري في الشرق الأوسط خدمة بلاك بيري ماسنجر BBM للبقاء على تواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم وزملائهم وجهات الاتصال لديهم، الأمر الذى يشكل واحدا من أعلى معدلات الاستخدام لدى العملاء حول العالم، وتتميز منصتنا هذه للتراسل الفوري عن باقي التطبيقات المشابهة بالخصوصية والأمان والثقة”. بلاك بيري وخسارة المليارات ومؤخرا كشف مايك لازاريديس أنه خفض حصته المشتركة في شركة RIM إلى حوالي النصف لأقل من ٪5، وحققت “بلاك بيري” خسارة فصلية بقيمة 4.4 مليار دولار أو 8.37 دولارات للسهم الواحد خلال ربعها المالي الثالث المنتهي في الثلاثين من نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي 2013، وتُقارن هذه الأرقام مع خسارة لم تتجاوز تسعة ملايين دولار أو 0.02 دولار للسهم الواحد في نفس الفترة قبل سنة أي في العام 2012. وكشفت الشركة الكندية أن العوائد والإيرادات كانت في حدود 1.2 مليار دولار خلال هذا الإطار الزمني، أي سجلت انخفاضا من 1.6 مليار دولار في الربع السابق، وأنها تمكنت من بيع حوالي 1.9 مليون هاتف ذكي خلال الأشهر الثلاثة للربع الأخير من العام 2013، منخفضة بذلك أيضا عن 3.7 مليون هاتف مُباع مِنْ قَبْل، وشهدت أسهم بلاك بيري انخفاضا حادّا عن الربع الثاني، حيث بلغ سعر السهم الواحد الآن 67 سنتا فقط، ومع ذلك، استطاعت بلاك بيري أن تحقق بعض المكاسب أيضا، بما في ذلك إضافة أكثر من 40 مليون مستخدم لتطبيق بلاك بيري ماسينجر BBM، وكذلك أعلنت الشركة عن شراكة استراتيجية لمدة خمس سنوات مع فوكسكون، لتصنيع أجهزة بلاك بيري جديدة.