تعالت الأصوات في تونس، بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة، للتسويق لكون إسقاط نظام بن علي، يوم 14 يناير 2011، لم يكن سوى “مؤامرة”. وقد أدّى الترويج إلى أنّ تدخّلا أجنبيّا ما يقف وراء ما شهدته البلاد من تغييرات، إلى ضرب مقولة “الثورة” الشعبية. ومع ذلك، عمدت الأحزاب السياسيّة الكبرى إلى تجاهل هذا الطرح، فكثّفت من حراكها السياسي والتعبوي احتفاءً بهذه المناسبة الخصوصيّة. أكد الجنرال أحمد شابير، المدير السابق للمخابرات العسكرية في تونس، أنّ جهات أجنبية وقفت وراء الأحداث التي جدّت في تونس في مثل هذا الوقت من عام 2011، وانتهت بإسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما نفى شابير، الذي تمّت إحالته على التقاعد عام 2011، أن يكون رئيس النظام السابق قد “هرب” تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية، مؤكّدا مساء أمس الأوّل في مقابلة مع قناة “التونسية” الفضائيّة، “لديّ قناعة بأنّ جهاز الأمن التونسي كان مُخترقا من جهات أجنبية خلال الأحداث التي شهدتها تونس في تلك الفترة”. وذكر أن مقولة إنّ مظاهرة 14 يناير 2011 أمام وزارة الداخلية هي التي دفعت بن علي إلى الهرب “ليست دقيقة”، مَشدّدا على أنّ تلك المظاهرة الحاشدة “لم تكن تشكل خطرا على القصر الرئاسي، كما أنها لم تكن السبب الرئيسي في رحيل بن علي، والدليل على ذلك أنه تمّ تفريقها بسهولة قبل أن يغادر بن علي تونس”. وفي السياق ذاته، أكّد شابير أن الاختراق الأجنبي تعكسه بعض التصرّفات التي عرفتها البلاد أثناء تلك الاحتجاجات، وخاصة منها “إقدام بعض الأمنيين على الانسحاب من مواقعهم، وتسليم أسلحتهم إلى الجيش”، قائلا “إنّ مثل هذه التصرّفات لا يمكن تفسيرها إلا بوجود اختراق أمني، وأعتقد أن هذا الاختراق شمل شبكة الاتصالات، حيث رصدنا بعض المكالمات التي تدعو الأمنيين إلى مغادرة مراكزهم”. والجدير بالذكر أنّ الأحزاب الكبرى في تونس، ولاسيّما “حركة النهضة” و”نداء تونس” و”الجبهة الشعبيّة” امتنعت عن إصدار بيانات ومواقف رسمية من هذه التصريحات، لكنّها فنّدتها بشكل غير مباشر من خلال أنشطتها الجماهيرية بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة. كما اعتبر القيادي العسكري السابق أنّ هذا الاختراق لا يمكن أن تقوم به عناصر داخلية، بل “أعتقد أنّ جهات أجنبية (تقف) خلفه، ثم أعتقد أنّ هناك غرفة عمليات كانت تدير تونس في تلك الفترة وكانت تروّج الإشاعات وتضخّم بعض الأحداث”، نافيا بذلك أن يكون بن علي قد “هرب” تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية. والواضح أنّ هذه الشهادة الجديدة إنّما تأتي لتؤكّد الطرح الذي يعتبر أنّ “مؤامرة” أو “محاولة انقلابية فاشلة” دفعت بن علي إلى مغادرة البلاد. ويرى عدد من المراقبين أنّ تصريحات الجنرال شابير قد جاءت لتنسف صحّة مقولة “ثورة” الربيع العربي التي انطلقت من تونس في مثل هذا اليوم من عام 2011 وامتدّت إلى عدد من البلدان العربية. ورغم ما أثاره هذا التشكيك من جدل في المشهد السياسي ومن استياء ممّن يعتقدون في أنّ تونس هي اليوم أفضل بكثير ممّا كانت عليه زمن الديكتاتوريّة، فإنّ الأحزاب والمنظمات التونسية الكبرى تجاهلت ذلك وتنافست في الدعوة إلى اجتماعات ومسيرات اليوم في الشارع الرئيسي في العاصمة التونسية، وذلك في المكان نفسه الذي احتضن مظاهرة كبرى في شارع الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 14 يناير 2011، أعلن على إثرها عن هرب رئيس النظام السابق زين العابدين بن علي. وأعلن حزب “حركة نداء تونس”، أكبر أحزاب المعارضة في تونس، عن تنظيم اجتماع شعبي عام برئاسة رئيس الحزب ورئيس الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي، على أن يُتوّج الاجتماع، اليوم، بمسيرة في اتجاه ساحة 14 يناير بشارع الحبيب بورقيبة. ومن جهتها، أصدرت “الجبهة الشعبية”، التي تضمّ 11 حزبا يساريا وقوميّا، بيانا روّجت له على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنت فيه عن تنظيم مسيرة حاشدة ظهر اليوم في المكان نفسه تحت شعار “على درب الشهداء ومن أجل استكمال مهام الثورة”. وأكّدت الجبهة في بيانها على ضرورة “تجديد الموعد مع ثورتهم ضد الاستبداد ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”. ومن المنتظر كما بالنسبة إلى حزب “نداء تونس″ أن يحضر مسيرة الجبهة كافة قيادييها، وفي مقدمتهم حمه الهمامي الناطق باسم الجبهة وأمين عام حزب العمال، وكذلك زياد الأخضر أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الذي خلف شكري بالعيد القيادي المعارض الذي تمّ اغتياله يوم 6 فبراير الماضي. وبدوره كان “الاتحاد العام التونسي للشغل”، الذي يُعدّ أكبر المنظمات التونسيّة على الإطلاق ويضمّ أكثر من 600 ألف عضو، قد دعا منظوريه من النقابيين والعمال إلى حضور تجمّع حاشد يرأسه أمين عام الاتحاد، حسين العبّاسي، في ساحة “محمد علي الحامي” التي تُعدّ رمزا للحراك النقابي في تونس سواء قبل الثورة أو بعد 14 يناير، حيث تعرّض المقرّ المركزي للمنظمة العمالي إلى اعتداء عنيف من قبل أنصار حزب “حركة النهضة” الإسلامي في ديسمبر 2012. ويرى مراقبون أنّ اتّحاد الشغل يريد تجديد التأكيد بأنّه لا يزال رقما صعبا في المشهد التونسي بمختلف قطاعاته وأنّه لا يمكن تجاوزه البتة في رسم مستقبل البلاد ومختلف خياراتها. وفي هذا النطاق تحديدا يسعى، في ذكرى الثورة، إلى إبراز قدرته على التعبئة الجماهيريّة وفي الوقت نفسه نأيه عن الانخراط في المعارك الحزبية لاعتقاده أنه أكبر من كلّ الأحزاب، لاسيما أنّه كان المفتاح الأساس في مفاوضات الحوار الوطني الذي قاد إلى استقالة حزب حركة النهضة وتشكيل حكومة يقودها وجه مستقلّ. وفي المقابل، فإنّ “حركة النهضة” الإسلاميّة، التي اضطرّت مؤخرا لترك مقاليد الحكم لفائدة حكومة جديدة غير متحزّبة، لم تُعلن رسميّا عن أيّ نشاط أو تحرّك جماهيري بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة، غير أنّ المتابع لصفحات أنصار الحزب الحاكم السابق في المواقع الاجتماعية، يُلاحظ بيُسر أنّ هناك تعبئة للنزول بأعلام النهضة إلى شارع الحبيب بورقيبة اليوم. وهو ما يهدف إلى التأكيد أن الحزب الإسلامي لا يزال محافظا على زخمه الجماهيري.