منذ تغريدته الشهيرة عن سحب قواته من سوريا، لا يزال صدى هذه التغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتردد في أرجاء الشرق الأوسط. وأشارت مجلة "إكونوميست" إلى ابتهاج النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، وانفتاح دول عربية على الرئيس بشار الأسد. وقريباً ستبحث الجامعة العربية عودة الأسد إليها. ولكن حلفاء أمريكا الأكراد قالوا إنهم تعرضوا لخيانة، وطالبوا بحمايتهم من غزو تركي وشيك. وحاولت إسرائيل احتواء الضرر. وإثر إعلان ترامب عزمه على سحب 2000 جندي من شرق سوريا، أصيب خصوم أمريكا وحلفاؤها، على حد سواء، بالصدمة، فضلاً عن خيبة أمل مبعوثي ترامب الشخصيين إلى المنطقة. دهشة كاملة وحسب وزير عربي: "جاء القرار بمثابة مفاجأة تامة، لا يتعلق الأمر بأن أمريكا غيرت سياستها. فهذا خامس أو سادس تحول في موقف أمريكا في سوريا. فهل سيغير ترامب رأيه مجدداً؟". وفي 30 ديسمبر( كانون الأول)، بدا أن السناتور الجمهوري ليندسي غراهام استطاع إقناع ترامب بإبطاء انسحابه، وتنفيذه على مدار أربعة أشهر لا شهر واحد. وطالبت إسرائيل والأردن ببقاء قوات أمريكية في بعض المناطق، خاصةً التنف، في جنوبسوريا، وهو طلب يبدو أن مسؤولين أمريكيين مستعدين لقبوله. ولكن، حسب المجلة، جرت التفاتة كاملة بحلول 6 يناير( كانون الثاني)، فأعلن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، عند زيارته القدس، شروطاً للانسحاب، لو طبقت، فإنها يُمكن أن تُبقي قوات أمريكية في سوريا عدة أشهر، وربما سنوات أخرى. مطلب جديد صرح بولتون بأن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا حتى هزيمة داعش. وأضاف مطلباً جديداً، بعد مطالبة تركيا بضمان الامتناع عن الهجوم على مقاتلين أكراداً سوريين قاتلوا إلى جانب الأمريكيين. ونتيجة لذلك، قوبل بولتون باستقبال فاترا في محطته الثانية في المنطقة، تركيا. ويسعى بولتون ومايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، في زياراتهما هذا الأسبوع إلى المنطقة، لتأكيد التزام واشنطن بالمنطقة. ولكن تقلب أمريكا أضر بمصداقيتها. وحسب "إكونوميست"، رغم سعي ترامب لتقديم نفسه نقيضاً لباراك أوباما، فإنه ربما تصرف مثل أوباما أكثر مما يعترف به، خاصةً لرغبته في خفض التورط الأمريكي في الشرق الأوسط، أين عانى رؤساء من إخفاقات عدة، ونجاحات قليلة. أما عن سوريا، فقال ترامب بوضوح ما امتنع أوباما عنه: لا مصالح حيوية لأمريكا في سوريا. استمرارية في السياق نفسه، يقول فيليب غوردون من مجلس العلاقات الخارجية إن هناك قدراً من الاستمرارية بين ترامب وأوباما بمعنى أن الولاياتالمتحدة لا تملك ردوداً على أسئلة معقدة في الشرق الأوسط، ولا ترغب في خوض حرب كبرى لحلها". ويقول غوردون، رغم أن العملية الأمريكية في سوريا بسيطة وصغيرة نسبياً، إلا أن تهور ترامب تسبب في ضرر بالغ. وتبعاً لذلك، يعتقد عدد من الساسة في واشنطن أن ترامب يهدد بالتخلي عن جميع بطاقات أمريكا دون أن يحصد شيئاً. فهي تسيطر على 95٪ من حقول النفط والغاز في سوريا، وعلى مياه الفرات، ومناطق زراعية رئيسية، ولديها خمس قواعد عسكرية. أول الخاسرين ويبقى أكراد سوريا أول الخاسرين من الانسحاب الأمريكي، بعدما تبدد حلمهم بإنشاء كيان بحكم ذاتي. وحمى الوجود الأمريكي مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، من هجوم تركيا، التي تعتبرهم إرهابيين تابعين لحزب العمال الكردستاني. وتلفت المجلة إلى سيطرة قوات تركية على جيب عفرين الكردي غرب الفرات، وتهديد الأتراك بتنفيذ عملية مماثلة في شرق النهر، أين تنتشر معظم القوات الأمريكية. وجاء إعلان ترامب بالانسحاب بعدما هاتف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وتقول المجلة إنه لا يعرف بعد إذا كان ترامب يخشى صداماً بين قوات أمريكية وتركية، أو قبل بتعهد أردوغان بمحاربة داعش. الرابح الأكبر ويبدو أن الرابح الأكبر من الانسحاب الأمريكي هو بلا شك، الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تمكن بمساعدة روسيا جوياً، وبدعم قوات إيرانية وميليشيات شيعية على الأرض، من استعادة السيطرة على معظم المناطق السورية. ويبدو أنه مصمم على مواصلة القتال حتى استعادة كامل مناطقه. ومن جانب آخر، تأمل دول خليجية أعادت افتتاح سفاراتها في دمشق، أن توفر علاقاتها الديبلوماسية مبرراً لسوريا للحد من اعتمادها على إيران. أما إسرائيل التي لطالما توددت إلى روسيا، فقد التقى رئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، مراراً ببوتين أملاً فيإبعاده عن إيران وحلفائها. وقد وعد ترامب بحماية إسرائيل قائلاً: "سنهتم بأمر إسرائيل".