على مدار ألف ليلة وليلة ظل شهريار يعتقد أنه الأقوى.كانت شهرزاد قد جرَّدته عملياً من كل سلطة وجبروت ووقار.لكن مفهوم الرجال للقوة لا يتزحزح ولا يلين حتى تحت ضربات أعنف المطارق،بما فيها مطرقة الدهر؛فالقوة – في يقينهم الراسخ – هي انحصار جيني (( فطري )) في الذكور؛ويكفي لكي تكون قوياً أن تكون رجلاً..رجلاً فحسب. إن الإنسان،رجلاً كان أم امرأة،هو طاقة تبحث عن قنوات ومسارب للتعبير عن نفسها وفق المتاح،وانعدام متاحات التعبير،لا تعني انتفاء هذه الطاقة،بل أنها سلكت مساراً أكثر تخفياً. إن القول بأن (( وراء كل رجل عظيم امرأة )) هو اعتراف ذكوري مراوغ وعلى استحياء بأن المرأة – عكس الشائع عنها – لم تكن غائبة في أي عصر من العصور،وعلى مستوى أخطر القرارات والأحداث.لقد كانت – في واقع الحال – حاضرة وعلى الدوام.لكنه ذلك النوع من الحضور الذي لا يخدش الواجهة الاجتماعية للشارب،ولا يزاحمه على موقع الصدارة الصورية،أو يحد من قدرته على إدعاء الانفراد الحصري بفعل عظائم الأمور و..عندما اصدر شهريار عفوه الكريم والسابغ على النساء – عقب انقضاء الليلة الأولى بعد الألف – كان المسكين يعتقد كما في الليلة الأولى قبل الألف – بأنه لا يزال الآمر الناهي وفحل الفحول بلا منافس.ولم يكن من الذكاء أن تفسد عليه شهرزاد هذا الشعور! لقد عاش الرجل – ولا يزال – أسيراً لزنزانة الافتتان الواهم بحريّته وقوته،فيما أتقنت المرأة استثمار الاعتقاد السائد عن (( ضعفها ))،على نحو أتاح لها أن تكون شريكة رئيسية في صناعة (( الفعل ))؛شريكة في جني ثماره،ومعفية من كل تبعات سلبية له. إن المرأة هي أكثر من يخاف من الهتاف ل (( حقوق المرأة )).إنها تحصد من موقعها كزوجة لمالك المصنع،أضعاف أضعاف ما قد تحصده لو كانت عاملة فيه.أما تمكينها من تقاسم الواجبات والحقوق مع الرجل على قدم المساواة،فلا يعني أكثر من الكد والكدح والعرق،وفك الارتباط مع التسريحة وعلبة المكياج و (( كريستيان ديور )). ما المغري في أن تغادر المرأة مقعدها الوثير على العربة،لتشارك الحصان في جرِّها، وما الذي يغضب هذا الأخير في شراكة مضنية من هذا القبيل فيراها تهديداً لوجوده؟! من الحصافة أن يغادر شهريار هذا الخناق التاريخي الذي أوقع نفسه فيه،ويحكم على شهرزاد بعقوبة تليق بها : كأن تعمل في منجم للفحم،أو روائية تعيش بريع ما تكتبه كمصدر وحيد للدخل!