رغم كونها “سلاحا أبيض”، يوازي السكاكين والسيوف، إلا أن “الجنبية” في قاموس اليمنيين ليست مدرجة في لائحة المنع، بل هي سلاح ذو قيمة اجتماعية عظيمة، كما أنها تعد رمزا ل”الرجولة”، والوجاهة، والقوة في اليمن. ويتبارى اليمنيون بنوعية “الجنابي”، التي يحتزمونها على خصورهم، ومدى جودتها، وتاريخها، حيث يسود اعتقاد عند القدماء أن المرء يُعرف ب”جنبيته”. وتمتلئ الأسواق التاريخية اليمنية بأنواع عديدة من “الجنابي” العتيقة والتاريخية، تصل أسعار بعضها إلى أكثر من 5 آلاف دولار، وخصوصا “الجنبية الصيفاني”. ويحرص أغلب اليمنيين، وخصوصا في محافظات الشمال، على اقتناء “الجنبية”، وحملها في المناسبات الاجتماعية والخاصة، في حين تتلاشى تلك الرغبة في محافظاتالجنوباليمني، التي تعرضت للاحتلال البريطاني، ولم تؤثر فيها عادات القبيلة. ويقول أيمن الشرجبي، وهو موظف حكومي في مدينة تعز (جنوب): “الجنبية تراث يمني نادر لا نستطيع القفز عليه، لكنها تراث كمالي، ولا يهتم لأمرها غالبية الشباب”. وأشار الشرجبي إلى أن “هناك شبابا يتباهون بأنهم يرتدون “جنابي” تعود إلى مئات السنين، وهناك آخرون يحملون الجينز، أنا مع التاريخ، لكني ضد الأشياء التي تصنع فروقا بين طبقات المجتمع، ومع تخلي الشباب عن عادات القبيلة العتيقة”. رقصة شعبية بالجنبية في شوارع صنعاء وقال مؤرخون إن تاريخ “الجنبية” يعود إلى عام 3000 قبل الميلاد، وإن القبور تؤكد أنها هلالية الشكل، حيث قام بحملها السبئيون (سكان قدامى سكنوا اليمن)، أيام الدولة الحميرية (آخر مملكة يمنية قبل الإسلام). وتزوّد “الجنبية” بمقبض يطلق عليه “رأس الجنبية”، وهو الركن الأساسي في تكوينها، والعنوان الذي تقرأ من خلاله شخصية الرجل الذي يلبسها.
ويُصنع رأس “الجنبية”، الذي تختلف تشكيلته من منطقة إلى أخرى، من قرون “وحيد القرن”، الثمينة التي يصل سعر ثمن الكيلو الواحد منها إلى 1500 دولار، كما تصنع من “أنياب الفيل”، وهو ما يعرف ب”قرن المصوعي”. ويقول قحطان محمد، وهو بائع “جنابي” في منطقة الباب الكبير بتعز: “حاليا هناك ركود كبير أو شبه انعدام لبيع وشراء “الجنابي”، وخصوصا بعد الضربة التي تعرضت لها السياحة اليمنية. ما يتم بيعه هو “جنابي” مستوردة، وأحيانا يتم غش الزبائن”. وتعج الأسواق الشعبية اليمنية بأنواع مزيفة من “الجنابي”، يتم استيرادها من الصين، وتتراوح أسعارها ما بين 50 و100 دولار. ويتخوف قحطان من أن “يتسبب الركود الحاصل في سوق السياحة في اندثار حرفة صناعة “الجنابي” اليمنية التقليدية، خصوصا وأن أسابيع تمر عليهم دون بيع أي شيء، مما يجعلهم غير قادرين على دفع إيجار المحل، ورواتب الحرفيين”. وقال قحطان “إن البضاعة المغشوشة خلقت عدم ثقة لدى الناس، وجعلت هذه الحرفة الأصيلة في مهب الريح”. وتحتل “الجنبية” ذات “الرأس الصيفاني” صدارة الجنابي اليمنية على الإطلاق من حيث الجودة، تليها “الجنبية ذات الرأس الكرك”، ثم “الجنبية ذات الرأس المصوعي”. ويتداول اليمنيون حكايات لمزايا وخصائص اتصفت بها بعض الجنابي، أبرزها “البراقة”، وهي التي تصاب بالبرق، وتكتسب صفات الموت كما يُروى عنها، بحيث إذا خرجت من غمدها لا تعود إلا بعد أن تلامس الدم أو أحدثت قتلا، وهي عادة ما تكون نصلتها مسمومة (النصلة هي أصل الخنجر المصنوع من الحديد الصلب). وهناك نوع آخر من “الجنابي” يطلق عليه “العوراء”، ويتميز هذا النوع، وفقا للروايات الشعبية، بإيقاف النزيف إذا وضعت على أي جرح دام، كما يتناقل الناس حكايات عن أن هناك نوعا ثالثا من “الجنابي” يتميز بقدرته على امتصاص السموم من أي شخص إذا تعرض للدغات ثعبان أو غيره.