اعتبار سياسيون عرب قرار جيش الاحتلال الجديد بإرسال طلبات تجنيد للشبان العرب المسيحيين في صفوفه، اعتراف صارخ بفشل مشروع التجنيد الدائر منذ سنوات، وفشل عكاكيز التجنيد التي ينخر فيها السوس، في سلخ جماهير شبابنا عن شعبهم ومجتمعهم وهويتهم، مؤكدا أن هذا القرار سيلقى الفشل الأكبر، كما في كل المحاولات السابقة، ومعطيات جيش الاحتلال ذاته، تؤكد هذا. ويندرج قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي القاضي بتجنيد العرب المسيحيين في الجيش الإسرائيلي، في إطار محاولات المؤسسة الإسرائيلية طمس الهوية العربية للأقلية العربية داخل الخط الأخضر، عبر تشتيت وتمزيق النسيج الاجتماعي وللتضييق على معارضي القرار الإسرائيلي المذكور، قام جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" باستدعاء عدد من النشطاء العرب المسيحيين داخل الخط الأخضر، وفي مقدمتهم رئيس المجلس المحلي الأرثوذكسي في الناصرة عزمي حكيم للتحقيق والتحذير من عواقب نشاطهم المناهض للتجنيد. ومن الأهمية الإشارة إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948 وصولا إلى العام 2013، قد اعتبرت مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطرا على وجود إسرائيل في المدى البعيد، فانتهجت المؤسسة الإسرائيلية حيالها إستراتيجية استهدفت الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين. وتبعا لذلك قام الجيش الإسرائيلي وقبله العصابات الصهيونية، الشتيرن والهاغانا والإيتسل بارتكاب العديد من المجازر، كمجزرة اللد والرملة وكفر قاسم وقبية والطنطورة وبلد الشيخ، لدفع العرب خارج أرضهم. وبعد ذلك اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت في الوقت نفسه استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي ولكن على هامشه، كما أشار المفكر العربي عزمي بشارة في أكثر من دراسة ومقالة. كما عملت المؤسسات الإسرائيلية جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ العام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة. وقد أشارت المجموعات الإحصائية الإسرائيلية منذ العام 1950 حتى العام 2013 إلى تلك المسميات لترسيخ أهداف التفريق بين الأقلية العربية التي يعدها المتابعون بمثابة أشجار الصبار في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية. وإسرائيل ليست بحاجة إلى المزيد من الجنود في عصر التكنولوجيا الحربية. إلا أن الجيش، كما قلنا أعلاه، بالإضافة إلى مهمته القتالية، يعتبر بمثابة بوتقة تصهر جميع المواطنين على اختلاف فئاتهم من حيث العرق أو القومية، وتكوِّن فيهم وعيا قوميا واحدا إسرائيليا صهيونيا. فالخدمة في الجيش هي الوسيلة لتنمية "أسرلة" الأقلية العربية، بحيث يصبح العرب عامة والعرب المسيحيون خاصة يرون هويتهم في إسرائيل، وليس في المجتمع العربي الفلسطيني. وهناك اعتبار ثان: تجنيد الأقليات، ومنهم المسيحيون، هو أيضا تطبيق المبدأ "فرق تسد" على الأقلية العربية. والنتيجة الأولى لتطبيق هذا المبدأ هو تقسيم المجموعة العربية إلى طوائف متعددة، الطائفة الإسلامية والطائفة الدرزية والطائفة البدوية والطائفة المسيحية. وفي هذا التصنيف أولا فسخ لوحدة المجتمع العربي وهو باب للفتنة. وفي هذا التصنيف أيضا مبدأ "تقزيم" للديانة. إذ تصبح الديانة طائفة. والديانة غير الطائفة بل هي واقع أسمى وأشمل. الديانة المسيحية ذات طابع شمولي وتدعو إلى المحبة وهي منفتحة وتعانق الجميع وليست مبدأ مخاصمة مع الآخرين أيًّا كانوا ولا هي انغلاق على الذات. بينما مفهوم الطائفة هو نقيض ذلك، هو انغلاق على الذات ومطالبة بمصالح الطائفة فقط، ومن هنا تصبح بسهولة مبدأ مخاصمة للآخر المختلف. وأكد اللواء سيد هاشم، المدعي العسكري المصري السابق، أن مطالبة جهاز الأمن الإسرائيلى الشباب العربي المسيحي المتواجد في إسرائيل بالتجنيد هو تصرف عدواني من جانب إسرائل باعتبارها دولة مرتبطة بمصر بمعاهدة سلام. وقال "هاشم" في تصريح خاص ل "صدى البلد" المصري إن هذا الأمر مرفوض ولا يمكن أن يمر دون مراجعة، مشيراً الى أنه في هذه المرحلة الدقيقة تحدث العديد من الظواهر التي تخل بالأمن القومي المصري، والشباب الذي يريد أن تجنده إسرائيل بالضرورة بهم "مصريون" من هؤلاء الذي يقيمون بالأرض المحتلة. وتابع: إسرائيل تستغل المناخ العام المعادي لمصر، خاصة أننا نسمع عن ما يسمى بالجيش المصري الحر، وسمعنا أن هناك دول جوار تحبذ عمليات التفجير التي تحدث في مصر، كل هذا يشير إلى أن ما أعلنته اسرائيل في هذا الشأن تريد به ضرب الأمن القومي المصري في أحد جوانبه. وأشار المدعي العسكري المصري الى ضرورة التأكد من صحة ما نقله موقع إذاعة الجيش الإسرائيلى، لعلها تكون صرحت به على سبيل حرق الأعصاب والأخبار الكاذبة التي تروجها إسرائيل. وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي أعلنت أمس، الثلاثاء، أن الجيش سيبدأ قريبًا في إصدار أوامر تجنيد للشباب المسيحي "العربي" ، وحسب الإذاعة فإن "أمر التجنيد" لن يكون إلزاميًا، وإنما سيبقى في إطار "التطوع" في الجيش، ووصفت الإذاعة هذه الخطوة بالمهمة و التاريخية.