في منطقة جبلية تقع شرق ذمار في اليمن توقفت سيارتنا. هناك كان بانتظارنا شاب نحيف تفوح منه رائحة نبات القات النفاذة، وبعد تأكده من عدم وجود أي شيء معنا باستثناء ملابسنا، انطلق بنا بسيارة دفع رباعي دون لوحات معدنية (تويوتا لاندكروزر موديل 1995) تشبه سيارات الجيش، عبر طرق وعرة فوق جبال تطل أحيانا على مروج خضراء، وأحيانا على صحارى خاوية. وبين الحين والآخر تبدو منازل متناثرة، تحتنا، هنا وهناك. وأخيرا خرج لنا خمسة صبية مسلحين عرفنا منهم أبو عدنان, 17 عاما. هو طويل القامة نحيف، تبدو عليه مظاهر الأهمية، ويعتبر نفسه من قاعدة الجهاد لتحرير اليمن، مما يسميه «النظام الديمقراطي الفاسد المخالف لشرع الله». وقدم لنا صفحات من مجلة تصدرها «القاعدة» على الإنترنت، ويطبعها موالون للتنظيم في ذمار وأبين وحضرموت. ويزعم أبو عدنان وهو يتكئ على ماسورة بندقيته الكلاشنيكوف إن الشريعة الإسلامية أباحت قتل الأعاجم من السياح والنساء والأطفال، في حال تعذر الوصول إلى أوليائهم، أي المسؤولين عنهم من حكّام الدول الأجنبية التي تعتدي، برأيه، على المسلمين. ويرى مسؤول أمني في الحكومة بحسب ما قاله ل«الشرق الأوسط» أن «معظم القادة الجدد في (القاعدة) لهم تكتيكات جديدة، أبرزها تجنيدهم للأطفال، وطبع منشورات ورقية وتوزيعها في مديريات بالجنوب، وأصبح من المعتاد أن ترى برقية تعزية مطبوعة وتوزع على ذوي المتوفى، بإمضاء تنظيم القاعدة: (يعزي المجاهدون في جزيرة العرب الأخ الصابر الفارّ بدينه، صالح عبد الخالق علي جابر، في وفاة والدته وأخيه وأختيه، في حادث سير مروري)». وأبو عدنان لا يحفظ القرآن كاملا، وهو يخطئ في نطق ألفاظ عربية، وفي قواعدها أيضا. وترك هذا الصبي مدرسة العابسية الثانوية بمنطقة الحداء، قبل نحو عامين، دون أن يكمل تعليمه، رغم حلمه بالالتحاق بكلية القانون. ومثل أبو عدنان توجد مجموعات مسلحة من صبية صغار فارّين من مدارسهم وأسرهم وقبائلهم لما يسمونه «الجهاد في سبيل الله». وأدى قتل التنظيم لسياح أجانب إلى غضب قبائل يمنية، ورد تنظيم القاعدة بتوزيع فتاوى مصرّا على موقفه، زاعما أن الشريعة أوجبت «قتل من ضل الطريق أو ألقته سفينة، فكيف بمن قدم إلينا عامدا عالما أنه هدف لنا». كما لاقى تجنيد زعماء في تنظيم القاعدة، للأطفال الذين تحت سن الثامنة عشرة، نفورا من أبناء القبائل اليمنية. لكن التنظيم رد أيضا على المناوئين لاستغلال الأطفال بقوله: «لقد سادت بين الناس مفاهيم مغلوطة في تربية الأبناء، منها أنه ينبغي تجنيب الصغار مظاهر العنف والدماء، لكن سنّتنا هي أن نعوّد أبناءنا على هذه الأمور».