تزداد الأوضاع في اليمن سوءا بشكل متصاعد منذ أن قرر أهل الحراك الجنوبي تصعيد الموقف و المضي قدما بهدف إعادة الحياة لجمهورية اليمن الجنوبية و التي كان إنهاء وجودها من الحياة عام 1990 عملا متسرعا أتخذ بشكل غير مدروس في ظل الأزمة الخانقة التي كان يعانيها المعسكر الإشتراكي بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي و تحلل معسكر الحلفاء المرتبط به. لقد كانت معالم الأزمة وسوء الطالع هو الذي ميز الوحدة اليمنية منذ أيامها الأولى، فالإجتماع الإقليمي الأول الذي حضرته قيادة اليمن الموحد الجديد وقتها كان مؤتمر قمة بغداد في الثامن والعشرين من مايو/ أيار1990 وهو المؤتمر الذي كان المقدمة الفعلية لبداية العرض الدموي الرهيب في الشرق الأوسط والذي كان البداية و المقدمة التمهيدية لعملية غزو وإحتلال نظام صدام حسين في العراق لدولة الكويت في الثاني من آب / أغسطس من نفس السنة وحيث تورط اليمن الجديد في محاور صراعات إقليمية لم تكن مطلوبة ولا مرغوبة بسبب موقف الحكومة اليمنية من الغزو وهو موقف كان يجامل كثيرا ولا أقول يتحيز لمواقف نظام صدام الإنقلابية والمزاجية والشاذة والمخالفة لأبسط متبنيات العمل القومي الحقيقي دون أن ننسى حقيقة أن اليمن وقتها ومنذ مرحلة ما قبل الوحدة أي في عام 1989 كان مرتبطا بميثاق ( مجلس التعاون العربي ) الذي ضمه مع العراق و الأردن ومصر والذي إنتهى وجوده بشكل فعلي مع دخول دبابات حرس صدام الجمهوري لأرض الكويت لتختلط المواقف الإقليمية والعربية تحديدا بشكل زاعق ومؤسف ولتؤسس لأكبر حالة فتنة قومية عربية وحتى إسلامية شاملة منذ مرحلة الفتنة الكبرى في فجر الإسلام، وجميعنا يعرف النتائج المروعة التي تمخضت عن غزو الكويت و ما حصل بعد ذلك من تداعيات لم تنته مخلفاتها حتى وقتنا الحاضر.
قلنا أن عملية الدخول في الوحدة اليمنية كانت مستعجلة لأن نظام اليمن الجنوبي برغم كل حالات الصراع الداخلي الشرس بين قياداته و أشهرها ما حدث من تصفيات دموية مروعة ومؤسفة في الثالث عشر من يناير عام 1986 و الذي أنهى قيادات يمنية تاريخية من أمثال عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وغيرهم من القياديين الذين خاضوا حرب التحرير ضد الإستعمار البريطاني وحكومات السلاطين، كان نظاما يقوم على أسس عصرية حديثة وحاول بناء الدولة اليمنية من خلال المقاييس الوطنية العصرية متجاوزا الكثير الكثير من حالات التخلف العشائري أو الديني رغم الصعوبات و المشاكل الإقتصادية الهائلة.
لقد دخل اليمن الجنوبي في الوحدة بعد أن تخلى عن كل أسس النظام الجنوبي و انخرط في وحدة عاطفية مستعجلة كانت منذ بدايتها تحمل بذور فنائها، فمشاكل اليمن الشمالي كانت ولا زالت عويصة للغاية وأبرزها حالات الصراع المناطقي و تغلغل الجماعات الدينية المتشددة المريع وقوة العشيرة على حساب تهميش الدولة إضافة للمصائب التي جرها موقف اليمن في حرب الخليج الثانية على الإقتصاد اليمني الهش وعلى مئات الآلاف من المهاجرين والعمال اليمنيين الحضارمة خصوصا في دول الخليج العربي مما عمق من الأزمات الإقتصادية وتوابعها السياسية وحانت لحظة الحقيقة بعد أن إكتشف أهل الجنوب بأن كعكة السلطة الحقيقية قد تم الإستئثار بها ومصادرتها بالكامل ولكن بعد أن طارت السكرة و جاءت الفكرة لتندلع حرب صيف عام 1994 المروعة بعد الإشتباكات بين فصائل الجيش اليمني في الجنوب والشمال لنرى أيضا مستحقات حرب الخليج الثانية وقد فرضت رؤاها المباشرة عبر الدعم العسكري الهام الذي قدمه نظام صدام حسين في العراق لحكومة علي عبد الله صالح من خلال إرسال الخبراء و الطيارين الذين كان لهم دور في إنهاء تمرد ( معسكر العند ) الستراتيجي و طرد الحزب الإشتراكي من السلطة والحكم بالإعدام على نائب رئيس دولة الوحدة ورئيس اليمن الجنوبي السابق السيد علي صالح البيض لتتلطخ الوحدة اليمنية بالدماء والتعسف والظلم والهيمنة. وهي جميعها أساليب دمرت الوحدة وقد تحاشاها الرئيس المصري جمال عبد الناصر في تجربة الوحدة ثم الإنفصال عام 1961 مع سوريا، فقد كان بإمكانه وقتها إستئصال الإنفصاليين ولكنه كان سيؤسس لمجازر دموية ستطيح بقدسية و كرامة وأسس دولة الوحدة العربية المنشودة فالحفاظ على الوحدة لا يمكن أن يتم من خلال القمع وإلا لتحولت لهيمنة وتسلط وهو بالضبط ما يحصل في اليمن اليوم، فالمشاكل لن تهدأ أبدا في ظل أزمة النظام اليمني المستفحلة وصراعاته مع الحوثيين ومع أطراف عديدة أخرى إضافة لتغلغل الجماعات الأصولية المفرط في الحياة السياسية و محاولة السلطة إتهام أهل اليمن الجنوبي بتعاطف أهل القاعدة معهم!!
وهي مجرد نكتة سمجة لا أصل لها على أرض الواقع، سألت صحفيا نرويجيا صديقا كان في رحلة عمل لليمن عن رأيه في اليمن فأجابني وهو ضاحكا بأن ما شاهده هناك من مناظر لا يختلف أبدا عن ما شاهده في فيلم ( الرسالة ) سوى أن اليمن فيه سيارات حديثة؟؟؟ و بدون ذلك الفرق فالحياة لم تزل تراوح في محطة العصور الوسطى!!!
من حق أهل اليمن الجنوبي بكل تأكيد البحث عن أفضل الصيغ المستقبلية وعن الحق في تقرير المصير في ضوء فشل دولة الوحدة؟ وأعتقد أن تنظيم إستفتاء جماهيري عام بمراقبة دولية عن رغبة الجنوبيين هو أمر يمكن أن يكون ذو فاعلية حركية، فلابد من إحترام إرادة الجماهير و لا بد من حقن الدماء و الوحدة التي تحفظ عن طريق المجازر ليست هي الهدف بل ستتحول لمشكلة في طريق لا ينتهي من الآلام، من حق أهل الجنوب تقرير مصيرهم.. تلك هي الحقيقة المقدسة فقط لا غير...وغير ذلك ليس من طريق سوى الدماء و الدموع وهو ما لا نرغبه لأهلنا في اليمن....؟