واصل الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله هجومه على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مؤكداً ان لدى حزبه شواهد سيتحدث عنها لاحقاً، على ان عملها لن يؤدي الى كشف حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري. وطالب بلجنة لبنانية للتحقيق مع «شهود الزور» في التحقيق الدولي، فيما أعلن تيار «المستقبل» في التوصيات السياسية لمؤتمره التأسيسي الذي اختتم مساء أمس أن «لا مساومة على العدالة»، معتبراً انها «تصون السلم الأهلي»، ودعا الى «التوقف عن التهويل وعن افتراض السيناريوات». ومع استمرار السجال اللبناني الداخلي حول المحكمة الذي يتوقع المراقبون ان يتصاعد خلال المرحلة المقبلة، أعلن نصر الله أمس عن تأجيل كلمته احتفالاً بذكرى انتصار المقاومة في حرب تموز (يوليو) 2006 من الجمعة المقبل 30 تموز الى الثلثاء 3 آب (اغسطس) بناء لتمني رئيس الجمهورية ميشال سليمان، نظراً الى ان لبنان سيستقبل «ضيوفاً كباراً» في اليوم نفسه، مشيراً بذلك الى زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لبيروت، والتي لم تستبعد مصادر متعددة ان تتزامن معها زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لعقد قمة ثلاثية لبنانية - سورية - سعودية، فيما يتوقع ان يزور أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني بيروت في اليوم التالي أي في 31 تموز. وفي وقت أوضحت المصادر المتعددة ان فكرة عقد القمة الثلاثية ما زالت مدار اتصالات، فإن نصر الله أبدى تجاوبه أمس مع دعوة أطلقها رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص لبحث الأزمة الناشئة عن الخلاف حول المحكمة الدولية في هيئة الحوار الوطني أو في مجلس الوزراء. لكنه رفض الجلوس مع أي شخص «على قاعدة ان شخصاً منّا متهم ولا من أجل تسوية...». وفي باريس قال مصدر فرنسي رفيع المستوى ل «الحياة» انه يستبعد ان تتوقف الدول التي دعمت طلب لبنان انشاء المحكمة الدولية عن تمويلها. ودعا المصدر اللبنانيين الى الهدوء وعدم استباق نتائج التحقيق الدولي، مؤكداً ان لا معلومات لدى فرنسا حول هذا التحقيق. وذكّر بأن «حزب الله» كان موافقاً في البداية على إنشائها. وتعوّل أوساط سياسية عدة على أهمية الزيارات العربية المرتقبة للبنان خلال الأسبوع الطالع والدور الذي يمكن ان تلعبه في تهدئة الساحة الداخلية.
وأنهى تيار «المستقبل» مؤتمره التأسيسي ليل أمس بإجراء انتخابات للمرة الأولى وفق هيكلية تنظيمية هي الأولى التي يقرها منذ انطلاقته بزعامة الرئيس الراحل رفيق الحريري في التسعينات من القرن الماضي، وشكل مكتباً سياسياً من 28 عضواً 18 منهم بالانتخاب هم:
باسم السبع وأحمد الحريري وحسن منيمنة وسمير ضومط وفايز مكوك وصالح فروخ ومصطفى علوش ويوسف النقيب وخالد أرناؤوط وجان أوغاسبيان ورولا عجوز وأنطون اندراوس ونصير الأسعد ومحمد الصميلي ووليد يونس وبلال علايلي وراشد فايد وداوود الصايغ. واختار الحريري العشرة الباقين وهم: أحمد فتفت وعلي حمادة ومحمد مراد وحسان الرفاعي ورضوان السيد ومحمد السماك وريا الحسن وسليم دياب ووليد النقيب وغسان بلبل.
وانتخب كل من السبع وأندراوس وضومط نواباً لرئيس التيار وأحمد الحريري أميناً عاماً له.
ولفت تشديد التوصيات السياسية الختامية للمؤتمر في موضوع المحكمة الدولية على ان «العنف والإكراه نقيضان للاستقرار والسلم» ودعم التيار للمصالحات العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وترحيبه بالمرحلة الجديدة من العلاقات اللبنانية - السورية. واعتبر ان تجربة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في الحكم مصدر اعتزاز للتيار.
نصرالله
وقال نصرالله في «التكريم المركزي الأول لأبناء الشهداء» الذي نظمه الحزب أمس في ضاحية بيروت الجنوبية: «إن المقاومة التي قدمنا في طريقها أغلى ما عندنا، لن نسمح لا لصغير ولا لكبير في هذا العالم بأن يمس شيئاً من كرامتها»، مؤكداً أن «كل المشاريع الكبرى خلال 30 عاماً أسقطت بدماء الشهداء، بدءاً من العام 1982 مروراً بالعام 2000 حين أسقطت المقاومة مشروع إسرائيل الكبرى، وصولاً إلى العام 2006 حين أسقطت المقاومة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أنفقت أميركا من أجله بلايين الدولارات وسخّرت من أجله الماكينات السياسية والإعلامية في التاريخ البشري وشنّت من أجله حروباً في أفغانستان والعراق، وهددت دولاً كإيران وسورية، وتقاطعت فيه قوى دولية وإقليمية ومحلية، لكن المقاومة أسقطته في 2006».
وأشار نصرالله إلى أن «أعداء لبنان يدركون قيمة ما لديه أكثر من بعض اللبنانيين، لذلك يتآمرون ويخططون لينتزعوا هذا الشيء الذي يمتلكه لبنان ويجعله عصياً على كل الزلازل والأعاصير التي جاءت الى المنطقة وقد تأتي إليها... إذا كان أحد في العالم يستقبلكم في الخارج وليس فقط يزوركم داخل لبنان، فلأن فيه مقاومة وشعباً مقاوماً وإرادة مقاومة، ولا أقصد حزباً محدداً بل كل هذا الحضور، الشعب والإرادة».
وأوضح أن «الحرب على المقاومة بأشكالها المختلفة ستستمر»، مؤكداً: «لسنا خائفين لا على أنفسنا ولا على صورتنا بل على البلد».
وقال: «يريدون أن يدخلوا من باب جديد وهذا ما دعانا الى إثارة الموضوع في الأيام الماضية. يريدون ان يدخلوا من خلال المدعي العام والمحكمة الدولية ليستغلوا قضية شريفة وإنسانية وعاطفية ومجمعاً عليها لبنانياً وعربياً ودولياً هي قضية الشهيد الرئيس رفيق الحريري». وتابع: «قيل الكثير ولست لأردّ على أحد، ولكن في مواصلة ما بدأته كما كنت مقرراً في عدة إطلالات حرصاً على البلد قررت تقديمها جرعات لان الهدف هو حماية البلد والمقاومة».
وأضاف: «كلنا في لبنان نريد معرفة الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا الموضوع غير طائفي وغير حزبي، وكذلك ليست مسألة عائلية إنما قضية وطن وشعب»، موضحاً أن «تداعيات هذا الاغتيال دفعنا ثمنها كلنا في لبنان والمنطقة بنسب متفاوتة. وكلنا يريد إجراء العدالة، عندما نعرف الحقيقة نطالب بإجراء العدالة وليس العفو. هذا ليس مزايدة، لذا يجب ان يتعاون كل اللبنانيين».
واعتبر أن «أصل الجدل في موضوع المحكمة وقبلها في موضوع لجنة التحقيق، منشأه من هنا: هل نأتمن على لجنة تحقيق دولية يؤلفها الأميركيون والحكومة البريطانية والدول الفلانية والفلانية ويؤتى بضباط التحقيق فيها من أجهزة مخابرات على صلة وثيقة ب «الموساد»؟ هل يحقق هذا الغاية؟ هل يوصل المسار الذي اتخذته منذ البداية العدالة؟»، مشدداً على أن «العدالة مبنية على معرفة الحقيقة، وأي شيء مبني على غير الحقيقة هو ظلم وعدوان. هذا هو الاغتيال الثاني للرئيس الشهيد رفيق الحريري لأنه يضيع القتلة ويعاقب المظلومين». وأضاف سائلاً: «هل سلوك لجنة التحقيق الدولية وأداؤها قبل تشكيل المحكمة هو سلوك يؤدي الى معرفة الحقيقة؟ لا. لا ولدي أدلة وشواهد نتحدث عنها لاحقاً».
وشدد على أن «الذي يوصل الى الحقيقة هو تحقيق نزيه وتقني وشفاف وعلمي، وهذا يقوم على وضع الفرضيات كلها: من يمكن ان يكون القاتل؟ من يملك الدافع؟ من يملك المصلحة؟ من يملك القدرة؟ ومن يملك الدافع والمصلحة والقدرة؟ نضع لوائح فرضيات ثم نعمل عليها. لجنة التحقيق لم تعمل في يوم هكذا، بل من أول الطريق ذهبت الى فرضية واحدة. ما فعلوه انهم وضعوا اتهاماً وحكماً ثم ذهبوا يفتشون عن ضحية، وهذا ما هو مستمر».
وقال: «هل تريدون معرفة الحقيقة، نحن جاهزون للتعاون، لكن هل سلوك بعض القوى السياسية في لبنان ولجنة التحقيق والمدعي العام الحالي والمحكمة هو سلوك من يريد معرفة الحقيقة؟»، مستغرباً عدم مناقشة احد في لبنان «مسألة شهود الزور وعدم محاكمتهم من جانب المحكمة الدولية علماً أنهم 4 معروفون بينهم واحد مختبئ هو محمد زهير الصديق»، سائلاً: «أليس من اختصاص المحكمة معرفة الحقيقة ومعرفة من ضلل التحقيق؟ أليس من مصلحة التحقيق ان يعرف من ركب شهود الزور؟». وأضاف: «القضاء اللبناني وكذلك الأجهزة الأمنية تقول ان محاكمة شهود الزور ليس عملها، هل هذه عدالة؟ هل من يطلب معرفة الحقيقة يقوم بذلك؟».
وتابع: «كلنا نعرف ان 3 من الشهود تحدثوا عن أشخاص بالأسماء أعطوهم مالاً ولقنوهم شهاداتهم وهؤلاء كلهم لبنانيون، ألا يحق للشعب اللبناني ومحبي الرئيس الشهيد أن يستدعى مفبركو شهود الزور لمعرفة لماذا فعلوا ذلك؟ من هم هؤلاء؟ حاسبوهم عاقبوهم. بالحد الأدنى اطردوهم من صفوفكم، لا يبقوا يعيشون على أموالكم مثل أحد شهود الزور الذي لا يزال يعيش على مساعدتكم».
وقال: «الرئيس الحص الذي نحترمه كثيراً أطلق نداء نؤيده وهو ان يتحمل مجلس الوزراء أو هيئة الحوار الوطني مسؤوليتها في مناقشة الموضوع، ونحن جاهزون للتجاوب مع هذه الدعوة لأننا حريصون على البلد والمقاومة». وأضاف: «أي شخص في هذه الدنيا يريد الجلوس معنا على قاعدة أن شخصاً منا متهم فلا أجلس معه ولا من أجل تسوية، إنما نجلس على قاعدة ان هناك شيئاً يعدّ وكيف نواجهه. نحن أكثر جهة حريصة على البلد واستقراره وأمنه».
وأشار إلى أن معلومات «حزب الله» تتقاطع مع ما يُنشر في الإعلام الإسرائيلي «الذي معلوماته من قلب التحقيق ومن مكتب (المدعي العام دانيال) بلمار، والمعلومات نفسها قالها مسؤولون أمنيون في لبنان عن ان القرار الظني يشمل ثلاثة بداية ثم القرار الثاني يشمل 5 ثم الثالث 30 وهكذا».
واقترح نصرالله إنشاء لجنة لبنانية، نيابية او أمنية او قضائية أو مشتركة «تأتي بالشهود زائداً الصديق حيثما كان وهم يعرفون أين هو، وتسألهم عمن علّمهم وزودهم المعلومات. هذه بداية جدية لكي نتعاون في البلد وهذا ليس شرطاً انما طرح».