"بقلم : الشيخ أبي إبراهيم محمد بن صالح بابحر – خطيب جامع سميح بحي السّحيل – سيئون" أساليب الأعداء لوقف المدّ الإسلامي فقد أراد أعداء الأمة – ومنذ أمدٍ بعيدٍ – إبعاد هذه الأمة عن دينها , وإذابة هويتها , وإيجاد شرخٍ كبيرٍ وهوةٍ سحيقةٍ دونها ودون مصدر عزِّها ورفعتها . وقد عملوا في تحقيق هذا الهدف – ومنذ استعمارهم للبلاد الإسلامية – كل ما يقدرون عليه من وسائل وأسباب , ولكن الله عز وجل خيّب ظنهم ورد كيدهم في نحورهم وجعل تدبيرهم تدميراً عليهم . فمن أساليبهم الماكرة في سبيل ذلك : 1- محاولة القضاء على روح الإسلام في الأمة : لما وقف (كرزون) وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا ، احتج عليه بعض النواب البريطانيين بعنف واستغربوا كيف اعترفت بريطانيا باستقلال تركيا ، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب ، فأجاب (كرزون) : " لقد قضينا على تركيا ، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم … لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين : الإسلام والخلافة". وها هي (مجلة روز اليوسف) تنقل في عددها الصادر بتاريخ 29/6/1963 لأحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية ما قاله عام 1952م وقد جاء فيه ما يلي :" .. قد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعوب المسلمة ، فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة ، إن العالم الإسلامي عملاق مقيد ، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً ، فهو حائر وهو قلق ، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه ، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر .. فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء ، ولنقو في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني حتى لا ينهض ، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف ، بإبقاء المسلم متخلفاً ، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه ، فقد بؤنا بإخفاق خطير ، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب ، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم " . 2- إبعاد الأمة عن قرآنها كتاب ربها مصدر عزها ومجدها : حتى قال قائلهم (وليم جيفورد) : " متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذٍ أنْ نرى العربي يتدرج في سبيل حضارتنا التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه ". 3- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين : وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملا في إضعاف المسلمين . وذلك بزرع الفرقة بين المسلمين على مستوى دولهم، وتقطيع أوصالهم، وإثارة النزاعات العرقية، والخلافات الحدودية، وغير ذلك من هذه الأسباب. 4- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح . عندما رحل الاحتلال عن بلاد المسلمين ترك خلفه صنائع هي من صنع يديه، وحتى يُمَكِّن لها قام بتلميعها وتضخيم دورها حتى تكون هي الزعامة.. وفقط، فهذا «الزعيم الملهم»، وذلك «القائد»، وذلك «الغازي»، وذلك «الرئيس المؤمن».. هكذا صنعوا أتاتورك، وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر، وياسر عرفات, وبعدهم القذافي, ومبارك, وأسد, و.. و .. وغيرهم ممن تحكموا ويتحكمون في رقاب المسلمين، هكذا استطاع أعداء الإسلام إنتاج صنائع لهم وعملاء ووكلاء يؤدون ما يُطلب منهم؛ في جميع المجالات وليس في السياسة فقط. وهذه القصة صورة مصغرة لطريقة تكوين الزعماء والأبطال والفاتحين المزورين؛ فكم من مرة حولوا الجهاد لصالحهم، وسرقوا الثورات والانتصارات؟! وكم من مرة تاجروا بقضايا المسلمين؟! 5- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء ، حتى تنفصل القاعدة عن القمة . ألم يقل أحد أقطاب المستعمرين :" كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع , فأغرقوه في حب المادة والشهوات ". 6- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحي في سبيل مبادئه . يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه "واقعنا المعاصر"(ص 206):" فكل عوامل التخلف العقدي قد أثرت في القوة الحربية لهذه الأمة سواء الاتجاه الصوفي الذي يصرف الناس عن جهاد الأعداء بحجة توفير الطاقة لجهاد النفس! أو الفكر الإرجائي الذي يغطي كل تخلفه عن حقيقة الإسلام يربت عليه ويمنحه شريعة الوجود، أو التفلت من التكاليف التي أمرت بإعداد القوة لإرهاب الأعداء، أو انشغال الحكام بفرض سلطانهم علي شعوبهم عن الجهاد لإعلاء كلمة الله. فإذا أضيف إلي ذلك التخلف العلمي والتكنولوجي، النابع أصلا من التخلف العقدي، فقد اكتملت أسباب التخلف الحربي، وأصبح هو النتيجة المنطقية لكل الظروف التي أحاطت بالناس في القرون الأخيرة ". 7 – العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة , وقطع علاقة العروبة بالإسلام . يقول العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله في كتابة القيم "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"(ص 300):" فالإسلام هو قومية العالم العربي , ومحمد – صلى الله عليه وسلم – هو روح العالم العربي وإمامة وقائده , والإيمان هو قوة العالم العربي التي حارب بها العالم البشري كله فانتصر عليه , وهو قوته وسلاحه اليوم كما كان بالأمس , به يقهر أعداءه , ويحفظ كيانه ويودي رسالته . إن العالم العربي لا يستطيع أن يحارب الصهيونية أو الشيوعية أو عدواً آخر بالمال الذي ترضخه بريطانيا أو تتصدق به أمريكا , أو تعطيه مقابل ما تأخذ من أرضه من الذهب الأسود , إنما يحارب عدوه بالإيمان والقوة المعنوية , وبالروح التي حارب بها الدولة الرومية والإمبراطورية الفارسية في ساعة واحدة فانتصر عليهما جميعاً. إنه لا يستطيع أن يحارب أعداءه بقلب يحب الحياة ويكره الموت , وبجسم يميل إلى الدعة والراحة , وعقل يخامره الشك وتتنازع فيه الأفكار والأهواء , أو بيد مضطربة وقلب متشكك ضعيف الإيمان , وقوة متخاذلة في الميدان ، فالمهم لأمراء العرب وزعمائهم وقادة الجامعة العربية أن يغرسوا الإيمان في الشعوب العربية ، وجماهير الأمة وأولياء الأمور ، والجيوش العربية والفلاحين والتجار ، وفي كل طبقة من طبقات الجمهور ، ويشعلوا فيها شعلة الجهاد في سبيل الله ، والتوق إلى الجنة ، ويبعثوا فيها الاستهانة بالمظاهر الجوفاء وزخارف الدنيا ، ويعلموهم كيف يتغلبون على شهوات النفس ومألوفات الحياة ، وكيف يتحملون الشدائد في سبيل الله ، وكيف يستقبلون الموت بثغر باسم ، وكيف يتهافتون عليه تهافت الفراش على النور ". وصدق الله القائل في كتابه الكريم :{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ }. والقائل تعالى :{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. فعودٌ حميدٌ , وقدومٌ سعيدٌ للإسلام والمسلمين . وإلى الملتقى في حلقة أخرى , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .